لم نكن بحاجة لتأكيدات جديدة من الرئيس الأميركي أو أركان إدارته بأنهم لن يفعلوا شيئاً لحل مشاكل المنطقة التي كانت أميركا سبباً في معظمها! وأنهم يتركون الأمر لدول المنطقة لتحل مشاكلها! لم نكن بحاجة لشيء من ذلك فإدارة أوباما تسير على هذا النهج تماماً.. سواء عن عجز، أو عن عدم رغبة، أو لأن الفوضى في المنطقة تناسبها، أو لأن اهتماماتها انتقلت إلى مناطق أخرى وأولوياتها تغيرت! وقد يربط البعض بين ذلك، وبين التحرك الأوروبي نحو المنطقة، فقد تعودنا -على مر عقود سابقة- أنه عندما يتراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة لانشغالها بقضايا أخرى، أو دخولها في حروب أو مشاكل، أو انخراطها في مواسم الانتخابات الرئاسية الطويل.. تعودنا -في هذا الحالة- أن يتقدم طرف أوروبي بالاتفاق مع واشنطن ليملأ الفراغ ويتابع قضايا المنطقة، ويحاول تمرير الوقت بلا صدامات كبيرة! يتكرر الأمر الآن، ويزداد الاهتمام الأوروبي بالمنطقة، وتتقدم فرنسا بمبادرة لتحريك القضية الفلسطينية رفضتها إسرائيل على الفور! لكن الموقف الآن يختلف، وهو ما تعيه جيداً الأطراف العربية الفاعلة وتتصرف على أساسه. يختلف الموقف.. في أن المنطقة في قلب الفوضى والحروب بالفعل. وبالتالي فإن أوروبا لن تقف لتتفرج، وهي تدرك أن الخطر إذا كان بعيداً عن المواطن الأميركي فإنه على مرمى حجر من أوروبا. البحر المتوسط لا يصدر الهجرة غير الشرعية فقط، لكنه يشتعل بما هو أخطر، لا تستطيع أوروبا أن تغمض عيونها عما يجري في سوريا وما يهدد لبنان، ولا تستطيع أوروبا أن تتغافل عن مسؤولياتها في تحويل ليبيا إلى ساحة للفوضى ومقر لعصابات الإرهاب، فقد فعلت هناك ما سبق أن فعلته أميركا في العراق، حين هدمت الدولة ودمرت الجيش ثم تركت البلاد للفوضى وحروب الطوائف وصراعات جماعات الإرهاب التي عصفت بكل شيء. ولا تستطيع أوروبا أن تتغافل عن الآلاف من مواطنيها الشبان الذين التحقوا بالدواعش في سوريا أو العراق أو ليبيا، أو حاولوا الذهاب إلى سيناء قبل إنقاذها من المصير الذي كانت تقاد إليه تحت حكم الإخوان وبدعم أميركا!. وماذا يمكن أن يفعلوه بنقل إرهابهم إلى دول أوروبا وبنشر أفكارهم بين شبابها. ولا تستطيع أوروبا أن تغلق عيونها عن آثار الاتفاق بين أميركا وإيران، الذي يعني فض الحصار على طهران ومضاعفة جهودها في نشر نفوذها التي تتباهى الآن أنه وصل إلى أربع عواصم عربية وهي تحت الحصار.. فماذا سيكون الوضع بعد رفع الحصار والتوافق مع الأميركان؟! وإذا كانت واشنطن تراهن على دور إيراني يساعدها.. فماذا عن أوروبا وهل ستترك إمداداتها من البترول وتجارتها مع العالم العربي وإفريقيا تحت تهديد نفوذ إيراني يمتد من المتوسط عبر سوريا ولبنان ويحاول الارتكاز في باب المندب ويهدد الاستقرار في الخليج العربي؟! لا تستطيع أوروبا أن تتغافل عن أن البحر المتوسط لن يكون فقط -وبالنسبة لها- ميداناً لمواجهة الهجرة غير الشرعية والإرهاب الزاحف على شواطئه الجنوبية، لكنه أيضا سيكون ميداناً لصراع الغاز والخلافات حول الحقوق المكتشفة فيه، وهو الصراع الذي يمكن أن يتطور إلى الأسوأ في ظل سطو إسرائيل على ما لا تملكه، وتصاعد النزاعات والخلافات بين كل الأطراف.. من تركيا إلى اليونان وقبرص إلى إسرائيل وفلسطين ومصر. في ظل هذه الأوضاع، ومع الظروف الاقتصادية التي تمر بها أوروبا مع ركود اقتصادي يخشى الكثيرون أن يستمر ويتصاعد.. فإن أوروبا لا يمكن أن تكتفي بدور التابع لأميركا التي تزداد مشاكلها ويتراجع اقتصادها. ولا يمكن أن تكتفي أوروبا بدور البديل المؤقت حين يغيب الدور الأميركي في المنطقة لظروف تراها واشنطن كما كان يحدث من قبل. أوروبا أو الدول الأساسية فيها تبحث في تأمين مصالحها والحفاظ على أمنها، وهنا يأتي الدور العربي الذي لم يعد ممكناً أن يظل في دائرة رد الفعل، وقد بدأ ذلك بالفعل في المعركة حول مصر وإنقاذها من حكم الإخوان الفاشي، ثم في المعركة الدائرة حول اليمن وسوريا التي نرجو أن تمتد إلى ليبيا والعراق لفرض الحل العربي الذي لا بد منه لإنقاذ المنطقة من مخططات التقسيم والحروب المذهبية والخرائط الجديدة. من هنا فنحن أمام فرصة لبناء شراكة حقيقية مع أوروبا، وأيضاً مع روسيا والصين وغيرها من القوى العالمية الصاعدة في آسيا وأميركا الجنوبية. شراكة تترجم حقيقة أننا في عالم تتعدد فيه القوى ولا تسوده دولة واحدة كما كانت تريد أميركا. ما زالت عروبتنا هي الحل، فهل يكون هذا مفتاح التعامل مع أوروبا لتكون شريكاً لنا، وليست تابعاً لأميركا في فترات الفراغ الموهوم؟!
مشاركة :