القاهرة: «الخليج» يعتبر الفنان مارسيل دو شامب، من أكثر الفنانين تأثيراً في القرن العشرين، لقد استجاب للتغيرات المستحدثة على عالم الفن كنتيجة للثورة الصناعية، وعلاوة على ذلك كان أقل إثارة للانتباه من فناني هذا القرن، الذين يصنعون أي شيء غير مألوف لمجرد أن يؤرخ له، فبالرغم من أن عمله «حائط الصمت»، كان يهدف إلى طبيعة فنية استفزازية، فقد استحوذ على التفات عدد لا بأس به من النقاد. حياة دو شامب كانت مغلفة بالتقاليع الخاصة به، فبينما كان هذا العمل يقدم ضمناً نوعاً من الإرهاق للأعصاب بطريقة ذكية، لكنه أصبح اختباراً أو مقياساً للفنانين ومؤرخي الفن، لقد استمر هذا العمل لغزاً للعوام، حتى النماذج التوضيحية التي قدمها دو شامب، بدت في بعض الأحيان شيئاً محيراً ومربكاً. طلب من مارسيل دو شامب في عام 1921 أن ينتج عملاً فنياً سوف يهدى إلى إحدى نساء الطبقة الراقية، وافق دو شامب طالما أن له مطلق الحرية في هذا العمل: «الاستخفاف نعم ولماذا لا؟»، كان هذا هو اسم العمل، أما شكله فكان مكعبات من الرخام الأبيض محتشدة، وتبدو مثل قطع السكر، مع وجود ترمومتر، وعظمة سمك، كل هذه العناصر داخل قفص طيور زينة قديم، له شكل مستطيل، ويمكن أن يحمل باليد. في عام 1905 بدأ قيد مارسيل ضمن ضباط الجيش، وأعفي من التدريب لعمله في المطابع، ففي ذلك الوقت استطاع أن يعيد الطباعة الخاصة بأكليشيهات جده، التي كانت تعبر عن مناظر لهذه المدينة، وأصبح على دراية بالمادة الطباعية، خاصة منذ أن بدأ في طباعة نصوص كلامية بجوار الصور، وبعمله كفنان استطاع أن يعفي نفسه من السنة الثانية من الخدمة العسكرية. كانت تلك الفترة تمثل سنوات عصيبة في باريس بالنسبة لمستقبل التصوير، حيث كان الوحشيون والتكعيبيون يطورون استخدام اللون والتركيب داخل اللوحة، وعلاوة على ذلك يتبعون السلف من التعبيريين، وما بعد التعبيريين، فأشهر الوحشيين كان هنري ماتيس، الذي استخدم التصوير بشكل مميز مستقل، خاصة في الأداء والإيقاع اللوني، فالتصوير أصبح بالنسبة للوحشيين يشبه المنتج الصناعي الجاهز، حيث استلهموا التصوير بهذا الأداء من لوحات فان جوخ وجوجان، وأسقطوا الألوان ومزجوها خارج الأنبوبة ثم وضعوها على اللوحة دون مشاهدة الطبيعة وألوانها، لكن كانت هذه الألوان تعبر عن أشياء وأمزجة شخصية بحتة، وأخيراً دون مبالاة، نجد التكعيبيين يقاومون الألوان التي أنتجها الوحشيون، وأخذوا يركزون في أعمالهم على التركيب الداخلي للوحة. سئل دو شامب: هل جعل سيزان ملهماً له في أعماله أم لا؟ فأجاب: لو كان يجب أن أذكر نقطة البداية بالنسبة لي فيجب أن أذكر أنه فن أوديلون ريدون، فريدون لم يكن مصوراً عظيماً فقط، بل فنان في مجال الطباعة أيضاً، وكانت له مكانة مميزة، ولوحاته الغامضة كانت متخمة بعالم الخيال الداخلي للإنسان، وكانت أحياناً مستلهمة من العلم الذي غزا العالم، وفي هذا المناخ أمضى دو شامب السنوات الأخيرة في باريس، يصور ويرسم، فضلاً عن استمتاعه بحياته الشخصية. في نيويورك التي وصلها في 15 يونيو 1915 أحدث عمله «عار ينزل السلم» فضيحة وصدمة، ما أكسبه شهرة كبيرة، وقد تبنى فكرة «الفن كعدم» في أعماله التشكيلية، فهو يعتبر أحد أهم مفجري طاقات الفن والأدب الخاص بالدادية في أمريكا، فيما بين عامي 1915 و1923 فقد أعطى حياة جديدة للمشهد الإبداعي اليائس، من خلال مساهماته الجدلية الدائمة في حركة الفن الحديث، ومهد الطريق تدريجياً لمعانقة الحرية مع البعد عن التقليدي والاقتراب من الأساليب المفاهيمية في التعبير الفني الحديث، فأعماله كانت ألغازاً، والتخمين بالنسبة لفناني القرن العشرين، كانت عنيدة بهدوء، وتكمن ثورتها في مضمونها، وفي رد الفعل المرئي تجاهها، كما زود أعماله بالسخرية، وأدهش من تابعه من المتلقين.
مشاركة :