تثير محاربة الفساد في لبنان الكثير من الأسئلة حول نوايا الحكومة ورئيسها حسان دياب الذي قال منذ تسلم مقاليد الحكم إن مشكلة لبنان هي الفساد الذي أصبح دولة داخل الدولة. وفيما استبشرت الكثير من الأوساط بقرارات هامة مؤخرا منها الإذن بتوقيف مسؤول كبير في مصرف لبنان المركزي بتهمة التلاعب بسعر الصرف، يؤكّد متابعون أن الحكومة باتت أمام تحديات كبرى لمقاومة فساد متجذر ومتشعب في مفاصل الدولة منذ عقود. بيّنت الإجراءات المتخذة مؤخرا في لبنان أن رئيس الحكومة حسان دياب ماض في تنفيذ الخطة المرسومة لمكافحة الفساد المعلن عنها في أواخر شهر أبريل الماضي وقد تجلى ذلك من خلال إعلان قرار بمصادرة المواد التي تدخل البلد بطريقة غير شرعية. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الخميس بأنّ النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم أمر بتوقيف مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان في ملف التلاعب بسعر صرف الدولار. وكانت القوى الأمنية اللبنانية أوقفت في وقت سابق نقيب الصرافين بعد أسبوعين من بداية شن حملة أمنية ضد العاملين في السوق الموازية وذلك على خلفية الانهيار المتسارع لسعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي ما فاقم أزمات الاقتصاد اللبناني. وأمام الانهيار المتسارع، طلب مصرف لبنان نهاية الشهر الماضي من الصرافين بألاّ يتخطى سعر بيع الدولار 3200 ليرة. إلا أنه منذ ذلك الحين سجّلت الليرة انخفاضاً غير مسبوق في قيمتها مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء. ومنذ سبتمبر، تفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الأموال. وفاقم انتشار فايروس كورونا المستجد من الأزمة بعدما امتنعت المصارف عن تزويد زبائنها بالدولار تماماً. والخميس الماضي، دعا رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب إلى وجوب متابعة التحقيقات بشأن المضاربة على الليرة اللبنانية والتي تتسبّب بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي. وشدد على أنه “من حق اللبنانيين أن يعرفوا سبب ارتفاع سعر الدولار ومن يتلاعب بالعملة الوطنية”. كما دعا دياب إلى ضرورة إنهاء التحقيق “لنكشف جميع الأوراق، وتنكشف كل أسماء المتورطين”. حسان دياب: سنكشف جميع الأوراق وسينكشف كل المتورطين حسان دياب: سنكشف جميع الأوراق وسينكشف كل المتورطين وفي اطار مواصلة الحرب على الفساد أكدت الحكومة في اليوم نفسه الخميس أنّها قررت مصادرة كافة المواد التي يتم “إدخالها أو إخراجها” من البلاد “بصورة غير شرعية” وكذلك الآليات التي تقلها، عقب جدل سياسي وإعلامي حول تهريب مادة “المازوت” من الدولة التي تشهد أزمة اقتصادية حادة، إلى سوريا بوساطة حزب الله. وقالت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد إثر اجتماع لمجلس الوزراء إن الحكومة قررت أن “تصادر لمصلحة الجيش وقوى الأمن الداخلي جميع المواد التي يتم إدخالها أو إخراجها من لبنان بصورة غير شرعية وبأي وسيلة أو طريقة كانت كما تصادر أيضاً السيارات والآليات المستعملة لهذه الغاية”. ورغم أن بعض الأوساط استحسنت هذه الخطوات العملية وصنّفتها على أنها بداية حقيقية لمحاربة آفة الفساد التي ظلت علّة مزمنة منذ عقود، فإن البعض الآخر يشكّك في نواياها بطرح السؤال عن استفاقة البلد بصفة متأخرة لاقتلاع جذور الفساد بتوقيف أباطرته. ووعد رئيس الحكومة حسان دياب منذ أواخر شهر أبريل الماضي بذهابه بعيدا في شن حرب كبرى على الفساد، قائلا آنذاك إن “مشكلة لبنان هي الفساد وأنه دولة داخل الدولة”. ويحذر الكثير من الخبراء من أن تنزلق حكومة دياب إلى سياسات كلاسيكية معتمدة في لبنان وهي الاكتفاء بتقديم كبش فداء في الحرب على الفساد دون الضرب بيد من حديد لتجفيف منابعه الأصلية التي يتشابك فيها السياسي والمالي. وبالتزامن مع هذه التحركات بدأت تنكشف الكثير من ملفات الفساد التي يتورّط فيها رجال أعمال مدعومون من أحزاب الحكم خاصة بعد الاتهامات المتبادلة بين فرقاء الثامن من آذار حلفاء حزب الله وتحديدا المرشحَين الطامحين لرئاسة الجمهورية جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. ويتهم وزراء ومسؤولون سابقون في قضايا تهريب مادتي المازوت والطحين اللبناني إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها حزب الله. كما تتم متابعة فضيحة “الفيول المغشوش” لمؤسسة كهرباء لبنان، التي توجّه فيها الاتهامات لوزراء الطاقة السابقون ستة منهم ينتمون إلى التيار الوطني الحرّ بمن فيهم رئيسه جبران باسيل. ورغم هذه التحركات الحكومية، فإن الكثير من المتابعين يحذرون من أن تكون مجرّد مسكنات لإخماد صوت الشارع الذي لم تسكت احتجاجاته حتى أزمة كورونا. ويطالب المحتجون رئيس الحكومة الجديد حسان دياب بالتركيز على محاربة الفساد كون هذه الآفة ساهمت في تأزيم الوضع الاقتصادي للبلد بسبب بقاء لبنان ما يقارب ثلاثة عقود تحت وطأة المحاصصة والمحسوبيات الحزبية دون الالتفات إلى مخاطر الفساد الذي ساهم في خسارة لبنان لعشرات المليارات من الديون والعجز، علاوة على ترهل القطاعات الإنتاجية. ويستند المحتجون في مطالبهم على حزب الله الذي ظل طيلة عقود يرفع شعار الحرب على الفساد إلا أن الكثير من الوقائع أثبتت تورطه فيه. كما يطالبون أيضا باستقلالية القضاء الذي ظلّ بدوره خاضعا لرغبة السياسيين والطبقة الحاكمة.
مشاركة :