بات السعوديون مدعوين للتكيّف مع الوضع الجديد الذي فرضته تداعيات جائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط على المالية العامّة لبلادهم، حيث سيتحتّم عليهم الحدّ من مستوى الرفاه الذي ألفوه وكانت الدولة قادرة على توفيره لهم في سنوات الوفرة المالية. وأعلنت المملكة العربية السعودية زيادة الضريبة على القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف ابتداء من يوليو القادم وأوقفت علاوة شهرية لموظفي الدولة اعتبارا من الشهر المقبل. وقالت صحيفة عكاظ المحلّية إن إجراءات التقشف تشمل خفض 8 مليارات دولار من برنامج “رؤية 2030”، وهي خطة طموحة طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط. وتوضّح هذه الخطوة المفاجئة معالم استراتيجية جديدة تقوم على الحد من نظام الرفاهية الاجتماعية السخي سابقا، ما يجعل معظم الشباب في مواجهة واقع جديد يتصف بدخل أكثر انخفاضا مع ما يستتبع ذلك من تراجع في مستوى العيش وتغيير في أسلوبه. وبدأت الدعوات تتعالى في السعودية للاستغناء عن اليد العاملة الوافدة والاستعاضة عنها بالمواطنين وذلك لتوفير مناصب الشغل من جهة، والحد من فاتورة التحويلات المالية إلى الخارج من جهة أخرى، وهي فاتورة مرتفعة بالنظر إلى العدد الكبير للعمال الأجانب المشتغلين في المملكة ويقومون بإرسال الأموال إلى أسرهم في بلدانهم الأصلية. إجراءات التقشف تثير حنين السعوديين إلى العقد السحري 2003 – 2014 عندما راكمت بلادهم ثروة مذهلة من عوائد النفط وفي ظل هذا الوضع سيكون السعوديون مجبرين على العمل في مهن ظلوا إلى وقت قريب يترفّعون عنها لعدم اضطرارهم لممارستها. ويورد تقرير لوكالة فرانس برس حالة أحد المتضرّرين من الوضع الجديد وهو مواطن سعودي يدعى عبدالله ويعمل في أماكن عدة لتسديد قرضين مصرفيين أملا في تحقيق حلمه ببناء منزله الخاص، لكن تداعيات الإجراءات المتخذة في السعودية لاحتواء فايروس كورونا تكاد تقضي على كل طموحاته. وكان لما حدث وقع قاس على عبدالله البالغ من العمر أربعين عاما والأب لثلاثة أطفال، بدءا من اعتماد ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة في عام 2018، والإلغاء التدريجي الواضح لسياسة حكومية طويلة الأمد لتقديم قروض إسكان دون فوائد من بين العديد من الإعانات التي تلاشت شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة. وأمام عدم كفاية راتبه الحكومي، اتجه عبدالله لأداء أعمال صغيرة بما في ذلك تقديم خدمات السباكة والعمل كسائق سيارة أجرة عبر تطبيق هاتفي بعد أن حصل على قرض عقاري ثان لبناء منزل في ضواحي الرياض. وحاليا ستؤدي زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى زيادة تكلفة جميع مكونات البناء من الإسمنت إلى الطوب وحديد التسليح، وفرض أعباء إضافية على عبدالله الذي فضل الاكتفاء بذكر اسمه الأول. وقال عبدالله الذي لا يعرف إن كان سيتمكن من إتمام بناء منزله “لقد ارتفعت كلفة مواد البناء الباهظة الثمن مع مضاعفة ضريبة القيمة المضافة”. ويشعر الكثير من السعوديين بالحنين لما تسميه الخبيرة بالشؤون السعودية كارين يانغ “العقد السحري” بين عامي 2003 و2014، عندما راكمت المملكة ثروة مذهلة من عوائد النفط انعكست في زيادة رفاهية مواطنيها. ومن المرجح أن يؤدي تقليص سخاء الدولة إلى تقليل الاستهلاك، إذ تتوقع الشركات انخفاض مبيعات كل شيء، من السيارات إلى مستحضرات التجميل والأجهزة المنزلية. وقالت يانغ الباحثة في معهد أميركان إنتربرايز “إن تكلفة المعيشة ارتفعت أكثر بكثير بالنسبة للأسرة السعودية المتوسطة. وإن الآثار غير المباشرة ستلحق الضرر بنمو أعمال القطاع الخاص”. اقرأ أيضا: العقد السياسي أمام اختبار التحدي الاقتصادي في السعودية وأضافت “ضريبة القيمة المضافة ستزيد نفقات الأسرة، من الغذاء إلى السكن والمياه والكهرباء وفواتير المطاعم والنقل والتعليم والصحة”. كما تخاطر المملكة بأن تصبح أقل قدرة على المنافسة مقارنة بدول الخليج الأخرى التي اعتمدت ضريبة القيمة المضافة في الوقت نفسه لكنها امتنعت حتى الآن عن رفعها إلى أكثر من 5 في المئة. ومع ذلك، فإن لدى المملكة العربية السعودية خيارات محدودة إذ تعاني ميزانية الدولة كثيرا من جراء انخفاض عائدات النفط بالإضافة إلى أزمة فايروس كورونا المستجد التي شلت عمليا الاقتصاد المحلي. وسجلت شركة النفط العملاقة أرامكو التي توفر السيولة للمملكة انخفاضا بنسبة 25 في المئة في أرباح الربع الأول، فيما يتوقع أن تكون بقية عام 2020 أصعب. وإجراءات التقشف التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار لن تحل سوى جزء من العجز الكبير في الميزانية السعودية والمتوقّع أن يرتفع إلى مستوى قياسي يبلغ 112 مليار دولار هذا العام. لكن الحكومة حريصة على عدم خفض الوظائف العامة والرواتب وسط ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب بالفعل. ويعمل ما يقرب من ثلثي السعوديين في مؤسسات حكومية، وتشكل فاتورة أجور القطاع العام ما يقرب من نصف النفقات الحكومية ككل. وفي حين أن الحكومة خفضت بدل تكلفة المعيشة الذي كان يحصل عليه موظفو الدولة، فقد حافظت على بدل شهري آخر يُعرف باسم “حساب المواطن” يستفيد منه نحو 12 مليون سعودي ويكلف سنويا المليارات من الدولارات. وقال كوينتن دو بيمودان من معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأميركية “إن قطع الإعانات في الوقت الذي يعاني فيه الناس من شح اقتصادي خطوة محفوفة بالمخاطر. ولتجنب حدوث رد فعل عنيف، فإن السعودية تلغي بدلا فيما تحافظ على الآخر على الرغم من أنها لا تستطيع تحمل تكاليف أي منهما”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :