مصطفى الكاظمي يسعى لترميم هيبة الدولة العراقية عبر دعم المؤسسة العسكرية

  • 5/16/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إعادة ترتيب المشهد الأمني والعسكري في العراق ضرورة ملحّة تقتضيها جهود إعادة هيبة الدولة التي لم تعد تحتمل وجود سلاح منفلت وأجسام شبه عسكرية موازية متمثّلة في الميليشيات المسلّحة التي سيكون ضبطها تحدّيا كبيرا يواجه رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي بالنظر إلى تغوّل تلك الميليشيات وانفلاتها. حرص مصطفى الكاظمي على أن تشمل أولى القرارات التنفيذية التي اتّخذها كرئيس لوزراء العراق وقائد أعلى لقوّاته المسلّحة، المؤسّسةَ الأمنيةَ والعسكرية، وذلك في رسالة واضحة بشأن جدّيته في إصلاح تلك المؤسّسة وترميم صفوفها وإعادة هيبتها التي ترتبط بها هيبة الدولة، وذلك بعد سنوات طويلة من التراجع في مقابل صعود الميليشيات وتغوّلها حتى أصبحت ذات سطوة على القرار السياسي نفسه. وقام الكاظمي بإعادة الجنرال عبدالوهاب الساعدي إلى رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب بعد أشهر من إحالته على وظيفة مكتبية في وزارة الدفاع من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، فيما أعاد العميد يحيى رسول إلى منصبه السابق متحدّثا باسم القائد العام للقوات المسلحة، وكان قد استُبعد منه أيضا لمصلحة اللواء الركن عبدالكريم خلف المعروف بقربه من قيادات الحشد الشعبي. وشهدت القوات المسلّحة العراقية طيلة سنوات تراجعا كبيرا بسبب الفساد الذي تسرّب إليها حتى أصبحت تضمّ في صفوفها الآلاف من المنتسبين الوهميين المعبّر عنهم محلّيا بـ”الفضائيين” كما لعبت الاعتبارات السياسية وحتى الطائفية دورا كبيرا في ذلك التراجع، وذلك عندما أُقحم الآلاف من الأفراد في صفوفها من مختلف الرّتب وفق معيار معارضتهم لنظام حزب البعث وولائهم للنظام الذي قام على أنقاضه سنة 2003. وقد عُرف هؤلاء بـ”ضباط الدمج”، لأنهم أدمجوا ولم يرتقوا في المراتب العسكرية وفق الأنظمة المتعارف عليها. وأفضى ذلك المسار إلى كارثة سقوط ما يقارب ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش سنة 2014 التي مثّلت أيضا بداية “ربيع” جديد للميليشيات المسلّحة التي وجدت في الانخراط بقوة وفاعلية في محاربة التنظيم فرصة سانحة للمزيد من التنظّم والتسلّح والحصول على التمويلات من موارد الدولة، خصوصا وقد تمّ إنشاء هيكل ضمّ العشرات منها وعرف باسم “الحشد الشعبي”. تقوية المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية أحد مفاتيح الإصلاح وتحقيق الاستقرار وتنشيط الاقتصاد وضبط الحدود وقد تحوّل الحشد إلى قوّة منافسة للقوات المسلّحة العراقية، بل إنّه اخترقها من الداخل عندما تمّ إعلان انتمائه إليها بشكل صوري. وقد امتدّت سطوته إلى المجال السياسي عندما شارك في الانتخابات التشريعية الماضية عن طريق تحالف الفتح الذي دخل البرلمان وبات مشاركا في سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة. وتتّهم دوائر سياسية عراقية كبار قادة الحشد والميليشيات المسلّحة المعروفين بولائهم لإيران، باستخدام نفوذهم لتحجيم المؤسسة الأمنية والعسكرية وتقليص دورها وذلك لمنع عودة الجيش العراقي إلى سالف قوّته حتّى لا يكون مصدر ممانعة لنفوذ إيران في العراق. ومن القرارات التي تقول المصادر إنّ الميليشيات وقفت وراءها استبعاد ضباط أكفاء برزوا خلال الحرب ضد تنظيم داعش وعلى رأسهم الجنرال عبدالوهاب الساعدي الأمر الذي يجعل مسارعة مصطفى الكاظمي بإعادته إلى منصبه بمثابة رسالة إلى الميليشيات وقادتها. وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإنّ مهمّة الكاظمي في ترميم القوات المسلّحة وضبط فوضى السلاح لا تخلو من عوائق قد تضعها الميليشيات في طريقه إذا استشعرت خطرا على مكانتها. وكان حزب الله العراق، أحد أكثر الميليشيات الشيعية تطرّفا وولاء لإيران، قد أعلن بشكل مبكّر عداءه لرئيس الوزراء الجديد وأصرّ على اتهامه بالتواطؤ في قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس على يد القوات الأميركية في غارة جوية نفذتها قرب مطار بغداد في يناير الماضي. ويتسلّح الكاظمي في مواجهته للميليشيات بخبرته الأمنية حيث كان يشغل قبل اختياره لرئاسة الحكومة منصب رئيس جهاز المخابرات الذي يمكّنه من دراية موسّعة بخبايا تلك التشكيلات المسلّحة وعلاقاتها ومصادر تسليحها وتمويلها. ولا يستبعد أن يكون الرجل بصدد الرهان على الأوضاع المعقّدة لإيران التي قد تجعلها ظروفها المالية والاقتصادية السيّئة غير قادرة على تقديم دعمها المالي والسياسي لحلفائها من أحزاب وميليشيات ناشطة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وتحدّثت مصادر عراقية عن خلافات دبّت داخل تحالف الفتح الهيكل السياسي الجامع لبعض أعتى الميليشيات الشيعية وذلك على خلفية الموقف من قضية إخراج القوات الأميركية من العراق وهو مطلب إيراني بالأساس تستخدم طهران وكلاء محلّيين عراقيين لتنفيذه. وانطلق الخلاف عندما أصدر رئيس كتلة الفتح في البرلمان النائب محمد الغبان المنتمي لمنظمة بدر بقيادة عادي العامري بيانا دعا فيه الولايات المتحدة إلى دعم العراق ومساندته الأمر الذي أغضب أطرافا أخرى في التحالف على رأسها كتلة صادقون الممثلة لعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي التي ردّت ببيان غاضب ركزت فيه على الخطاب المهادن من قبل الغبّان. وتوضّح المصادر أن موقف الغبّان ليس شخصيا بقدر ما هو تعبير عن نهج جديد لزعيم بدر هادي العامري الذي قد يكون ميالا إلى التهدئة مع واشنطن بناء على تقييمه للموقف الضعيف الذي أصبحت عليه إيران داعمة الميليشيات العراقية. وكان مطلب إعادة بناء وتقوية المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق من ضمن المطالب التي ينادي بها كثير من العراقيين من سياسيين وقادة حراك شعبي، باعتبارها مفتاحا من مفاتيح الإصلاح العام، إذ ليس من الممكن تحقيق الاستقرار وتنشيط الاقتصاد وضبط الحدود ووقف التهريب، من دون قوات مسلّحة قوية وذات هيبة. كما أنّ العراق لم يحسم بعد بشكل نهائي الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي عاد إلى النشاط في عدد من أنحاء البلاد بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، ما يحتّم الحاجة إلى الارتقاء بكفاءة وقدرات القوات المسلّحة. وقال العميد يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية إنّ حكومة الكاظمي تخطط لرفع قدرات القوات العسكرية التسليحية بأفضل الأسلحة والمعدات، وأيضا بناء منظومة أمنية متكاملة وفق أسس ومعايير مهنية بهدف مكافحة الإرهاب وحماية أمن البلاد. وأشار إلى الاجتماع الموسّع الذي عقده رئيس الحكومة هذا الأسبوع بمقر وزارة الدفاع بحضور وزير الدفاع والقيادات العسكرية وقادة الأسلحة والفرق والتشكيلات، لتدارس إعادة الهيبة للمؤسسة العسكرية والتعامل بحزم مع عصابات تنظيم داعش. وذكر أن القائد العام للقوات المسلحة أعطى الأوامر بضرورة تطوير المؤسسة العسكرية وتسليحها بشكل صحيح يتلاءم مع مسؤولية مواجهة الإرهاب. وكانت وزارة الدفاع هي أول وزارة قام الكاظمي بزيارتها بعد تسلمه مهامّه، وذلك قبل أن يقوم بزيارة مماثلة إلى مقر جهاز مكافحة الإرهاب، حيث شدّد على أهمية الحفاظ على استقلالية هذه المؤسسة وتعزيز قوتها ودورها في حماية الدولة وضرورة إبعادها عن التدخلات السياسية.

مشاركة :