سفن البحث والإنقاذ في زمن الإغلاق العام بسبب فيروس كورونا

  • 5/16/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في معظم مدن أوروبا، يعيش المواطنون وغير المواطنين في ظل ظروف الإغلاق العام. وقد أدت جائحة كوفيد-19 التي أثرت في العالم، وفي أوروبا قبل غيرها، إلى تطبيق تدابير جذرية تحد من حرية الأفراد.في الوقت ذاته أغلقت الحدود الأوروبية أمام المسافرين وكذلك أمام طالبي اللجوء في أوروبا، أو الفارين من العنف في مراكز الاحتجاز الليبية. في يوم 23 فبراير تم وضع سفينة أوشن فايكينغ التي تسيرها أطباء بلا حدود بالتعاون مع إس أو إس ميديتيراني في الحجر من قبل السلطات الإيطالية، مباشرة بعد إنزال الركاب البالغ عددهم 276 الذين كانوا على متنها ووضعهم في الحجر على البر. بعدها بأسبوعين، سُمح لأوشن فايكينغ العودة إلى البحر ومن حينها وضعت في مرفئها الأساسي في مرسيليا. منذ ذلك الحين، لم يذهب إلى البحر سوى سفينة بحث وإنقاذ واحدة، هي سفينة ألان كردي التي تشغلها منظمة سي آي الألمانية. وسرعان ما أجرت سفينة ألان كردي عمليتي بحث وإنقاذ، وحملت 150 شخصاً. وبعد بضعة أيام من التجول في البحر وبعد قرار الحكومة الإيطالية يوم 7 أبريل أن موانئها ستبقى مغلقة أمام سفن البحث والإنقاذ لأسباب صحية، سمحت روما بنقل المنقَذين إلى سفينة أخرى حيث تم وضعهم في الحجر، ومازال مصيرهم غير واضح بعد انتهاء مدة حجرهم. الحكومة الإيطالية ليست الوحيدة في اتخاذ إجراءات تؤثر في قدرات عمليات البحث والإنقاذ في البحر المتوسط في وقت تشتد الحاجة فيه إلى تلك العمليات كما هو عهدها. وفي رسالة بتاريخ 6 أبريل، طلبت الحكومة الألمانية من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال البحث والإنقاذ ألا يعودوا إلى البحر وطلبت رجوع الذين كانوا في البحر مسبقاً. ويوم 11 أبريل تبعت الحكومة المالطية نهج إيطاليا في إغلاق موانئها أمام سفن البحث والإنقاذ. إجراءات الإغلاق والحجر هذه تمييزية في معظمها، وغير منسجمة إطلاقاً مع الغايات المعلنة لها. كما أنها متناقضة مع مقترح المفوضية الأوروبية الذي تبناه مجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ 17 مارس بالسماح باستثناءات معينة من القيود المفروضة على السفر إلى الاتحاد الأوروبي: وبالأخص مختصي الرعاية الصحية والعاملين الإنسانيين في سياق أدائهم لعملهم والناس المحتاجين لحماية دولية أو مساعدة إنسانية. وأكدت كذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أن الإجراءات المقيدة الناجمة عن ظروف الجائحة يجب ألا تمنع الحماية الدولية والمساعدات الإنسانية بما في ذلك البحث والإنقاذ في البحر.من غير المنطقي استنتاج أن السبب وراء خطر ملموس على السلامة العامة ناتج عن محض افتراض ظني – أي احتمال وجود أشخاص مصابين على متن السفينة. هل من المقبول حقاً أن يُفرض مثل هذا الإجراء الجدي الذي من شأنه التأثير في الحقوق الأساسية للناس المنقَذين من البحر، بناءً على أساس وقائي صرف؟ فحالما ينزل الناس من السفن، لا يوجد هنالك ما يحول دون تطبيق التدابير الوقائية، تماماً مثل ما قد يُتخذ من إجراء مع أي شخص آخر عائد إلى الأراضي الأوروبية، شريطة أن تكون التدابير متوافقة مع طلبات الأشخاص المنقَذين فيما يخص بالحماية. الحجر بذاته يمكن أن يكون إجراءً مشروعاً – في الواقع عرضت أطباء بلا حدود أن تنشئ مرافق حجر في صقلية من أجل الذين يتم إنقاذهم من البحر. لكن في الوقت ذاته ما يقلقنا هو فرض الحجر الجماعي على المهاجرين وطالبي اللجوء في إيطاليا واليونان ضمن ظروف تعرض صحتهم للخطر. يجب أن يحصل الناس الخاضعين للحجر على مساحة تمكنهم من تطبيق التباعد الجسدي؛ ويجب أن يتوفر لهم الطعام والماء والصابون والرعاية الصحية. ويجب أن يتم فحصهم حيال مرض كوفيد-19. وضع الناس في مكان واحد وفي ظروف دون المستوى المطلوب تحيل الإنسان الصحيح مريضاً – إما بكوفيد-19 أو بشيء آخر – لا يعتبر استجابة مقبولة للصحة العامة. وقد شاهدنا جميعاً معدلات انتقال الفيروس على السفن السياحية. فالحجر الجماعي إجراء غير ضروري كلياً عندما تكون هناك بدائل أخرى متاحة.إغلاق إيطاليا ومالطا لموانئهما أمام المنقَذين من البحر قد أدى بالفعل إلى عواقب صادمة، في سياق باتت فيه قدرات البحث والإنقاذ في المنطقة الوسطى من البحر المتوسط ضعيفة لدرجة أنها تعتمد الآن بشكل حصري تقريباً على خفر السواحل الليبي. في الأيام الأخيرة، تُركت ثلاثة قوارب على الأقل بدون مساعدة كانت تواجه محنة في البحر وتحمل أكثر من 200 شخص من ليبيا. ووصل قاربان من الثلاثة في نهاية المطاف إلى ساحل صقلية لوحدهما، بينما ما يزال مصير القارب الثالث غير معروف. وتم إنقاذ ركاب قارب رابع من قبل سفينة أيتا ماري الإسبانية؛ وبعد مرور وقت طويل دون السماح لهم بالنزول نُقل ركابها الـ 36 إلى عبّارة إيطالية. وعلى مدى أيام كان موقع هذه القوارب الصغيرة المحمَّلة بأناس مضطرين معروفاً للأوروبيين، ومع ذلك لم يفعلوا شيئاً.في ليبيا، انخفضت المساعدات الموجهة للمهاجرين وطالبي اللجوء بشكل كبير نتيجة للجائحة ولتصاعد القتال. حصل تناقص كبير في الخدمات المقدمة لهم من قبل الوكالات الأممية والمنظمات غير الحكومية، بما فيها أطباء بلا حدود، التي أجبرت على تقليل أعداد طواقمها والحد من تنقلاتهم. كما أن إجراءات الحماية، التي كانت تتسم بالفتور أصلاً، كالإجلاءات التي تنظمها مفوضية اللاجئين، وعمليات ’العودة الطوعية الإنسانية‘ من قبل المنظمة الدولية للهجرة، لم تعد تحدث. بتاريخ 17 أبريل، أعلنت أطباء بلا حدود عن انفصالها عن المنظمة الشريكة إس أو إس ميديتيراني، وأفادت أن سبب ذلك قرار المجموعة تعليق عملياتها للبحث والإنقاذ في ضوء الصعوبات المعقدة للعمل في البحر.ما ينتج عن إغلاق الموانئ أمام سفن البحث والإنقاذ وعن تخلي أوروبا عن جميع جهودها في مجال الإنقاذ، هو موت الناس. الحكم على الناس بالموت كإجراء للحفاظ على الصحة العامة سُخفٌ ينبغي أن يتوقف. وكما هو حال سيارات الإسعاف في أوروبا التي تواصل نقل المرضى والجرحى إلى أقسام الطوارئ بالرغم من سياسات الحظر المتعلقة بالصحة العامة، وكما يتم المحافظة على سير الخدمات الأساسية، كذلك ينبغي أن تواصل سفن البحث والإنقاذ عملها كإجراء طارئ منقذ للحياة، والسماح للمنقَذين بالنزول في أقرب مكان آمن.

مشاركة :