واصل الدكتور أسامة فخري الجندي الداعية بالأوقاف، خواطره الرمضانية في اليوم الثالث والعشرون من شهر رمضان، تحت عنوان: "لا يوجد جمالٌ أحسن من العفو، ولا يوجد خيرٌ أحسن من العفو".وقال الجندي: "اجتهد في طلب العفو من الله (عز وجل) في هذه الليالي المباركة، فلا شك أن الدعاء هو من أكرم العبادات على الله (عز وجل)، والدعاء من العبد لربه من جملة الطاعات، بل هو من أعظم القربات؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر:60] ويكون على الدعاء من الله الإثابة والعطاء، قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة:186]، أي: لكي يهتدوا إلى مصالح دينهم ودنياهم.وتابع: لتأكيد فضل الدعاء بإطلاق، فقد بيّن (صلى الله عليه وسلم ) أنه لن يهلك أحد مع الدعاء، فعن أنسٍ (رضي اللَّه عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (لاَ تَعْجِزُوا عَنِ الدُّعَاءِ ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ)، [أخرجه الحاكم في المُسْتَدْرَكِ على الصحيحين].وأشار إلى أن الله تبارك وتعالى قد منح الصائمين مِنَحًا وفضائل كثيرة، ومنها منحة الدعاء الذي لا يُرد، فعن عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما) قال:قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ). [أخرجه ابن ماجه].وبين: في رمضان الكثيرُ من النفحات والرحمات الإلهية، والتي منها أيضًا: ليلة القدر، حيث عدّ الله (عز وجل) قيامَها سبيلًا رئيسًا لإسقاط الذنوب، بل وفي العبادة فيها يحصُل العبدُ على ثوابٍ وفضلٍ عظيم، هو خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، لافتا قيام هذه الليلة يكون بكلِّ لونٍ من ألوان العبادة، كالقيام، والذكر، والاستغفار، والصلاة على سيدنا سول الله (صلى الله عليه وسلم)، والتسبيح، والدعاء.وأكمل: يستحب أن يجتهد المسلم فيها بالدعاء، ويدعو بما ورد عَنْ السيدة عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا كُنْتُ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي"، وقد اجتهد بعض العلماء متأملًا الفرق بين العفو والمغفرة، (وإن كان العفو قريبًا من المغفرة). فقيل: لأن العفوَ أبلغُ من المغفرة، فلك أن تتخيل أن يقع إنسان في خطأ أو معصية أو ذنب في بعض أعماله، فإن هذه الأخطاء بلا شك تُسجّل عليه في صُحُفِه، ثم يترتب عليها العقوبة، إلا أن الإنسان يتوب إلى الله (عز وجل) ويطلب منه سبحانه وتعالى المغفرةَ والتجاوزَ عن هذه الأخطاء والمعاصي، ويقبل الحق جل وعلا (كما وعد) توبتَه ورجوعَه إليه، فيغفر له هذه الذنوب والأخطاء، ومن ثم يأتي التسامح وتأتي المغفرة، ولا يقع العقاب عليه ؛ رحمة من الله (عز وجل)... والمعنى هنا: أن الذنوب مُسجلة (والتي الأصل فيها أن يُعاقبَ على قدر الأخطاء والمعاصي التي وقع فيها)، إلا أنه كُتب في نهاية السجل غُفِرَ له ما سبق، ورُفعت عنه العقوبة بسبب طلبه المغفرة عن طريق التوبة الصادقة (فحين يخطئ الإنسان في أمرٍ ثم يأتي على هذا الأمر المغفرة، فهذا معناه أن الخطأ موجود ومُسَجَّل غير أنه لا يُعاقب عليه).أما إذا طلب الإنسان العفو، فالعفو فمعناه: محو أثر الخطأ، أي أن هذا الخطأ أو المعصية لن يكون مكتوبًا في سجل الإنسان ؛ لأنه قد مُحي (بفضل الله سبحانه) من السجل وحُذف، مع عدم العقوبة عليه أيضًا، فتخيل نفسك بين حالين أو موقفين، حين تقف لتقرأ كتابَك بنفسك بين يديه (عز وجل).الأول: ألا يُذكر ما قمتَ به من معاصٍ أو أخطاء في جناب الحق جل وعلا (بالرغم من وقوعها في الدنيا ) إلا أنها مُحيت وكأنها لم تقع أصلًا.والثاني: أن تقرأ كتابك، فتجد ما وقعت فيه من معاصٍ وذنوبٍ مُسجلة غير أنه لا تعاقب عليها، مما يجعلك في حياء؛ لأنك تقف بين يدي الله (عز وج)، وهذا بسبب طلبك المغفرة فقط، فأيهما أبلغ ؟؟؟ فالعفو محو، والمغفرة ستر، والمحو أبلغ من الستر (كما ذكر بعض العلماء).
مشاركة :