الشرق الأوسط... في انتظار العاصفة

  • 5/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تتغيّر الأوضاع في الشرق الأوسط بوتيرة لا سابق لها في ظل انشغال العالم بانتشار وباء كورونا... وفي ظلّ ما هو أسوأ من كورونا في المدى البعيد. ما هو أسوأ من كورونا، الذي سيغيّر العلاقات الاجتماعية وعادات العمل، يتمثّل في هبوط سعر برميل النفط الذي سيترك آثارا في بلدان عدّة، ان على صعيد نمو الاقتصاد او الاستعانة بالعمالة الأجنبية... أو على الصعيد الرياضي وكرة القدم وفرقها العريقة في أوروبا.لم يوقف الوباء الاستعدادات للعاصفة المرشّحة لان تهبّ في الأشهر القليلة المقبلة، أو ربّما قبل ذلك على الشرق الأوسط، في ظلّ رفض النظام الإيراني القبول بأنّ ليس أمامه سوى الاعتراف بهزيمة مشروعه التوسّعي والانكفاء في اتجاه الداخل. من المستبعد تراجع طهران التي لا تقبل الاقتناع بأنه ليس لديها ما تصدّره الى خارج حدودها، غير النفط والسجّاد وما يعرف في منطقتنا بالفستق الحلبي!الأكيد أنّ هناك من يرفض رؤية التغييرات التي تحدث في المنطقة، بدءاً بالعراق وانتهاء بلبنان، مروراً بسورية في طبيعة الحال. لا يزال هناك من يعتقد أنّ في الإمكان انقاذ النظام السوري وأنّ لهذا النظام مستقبلاً ما، فيما تبدو روسيا نفسها عاجزة عن إيجاد استراتيجية لها في بلد أرسلت اليه قوات ومقاتلات وقاذفات واقامت فيه قاعدتين عسكريتين وربّما اكثر. تكتشف روسيا في السنة 2020 ان مشاكلها الداخلية، بما في ذلك الانتشار السريع لوباء كورونا، ستكون في المدى البعيد اهمّ بكثير من البقاء في سورية.لعلّ الأهم من ذلك كلّه انّها اكتشفت ان البضاعة السورية صارت كاسدة. لم تعد تجد من يشتريها، بما في ذلك من يشتري العائلة الحاكمة التي بدأت التجاذبات في داخلها تأخذ منحى جدّياً وخطيراً يعمل كبار العلويين على منع تفاقمه.لا يقتصر التغيير على العلاقة بين النظام السوري من جهة وموسكو من جهة أخرى. هناك تغيير كبير يحصل في العراق. ستكون امام البلاد أسابيع حاسمة في ضوء تشكيل مصطفى الكاظمي حكومته. سيتبيّن هل سيكون هناك أمل في انقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق وبناء نظام جديد قابل للحياة على انقاض النظام الذي قام بعد الاحتلال الاميركي في العام 2003 والذي تبيّن انّه أقرب الى كارثة وطنية من أيّ شيء آخر.لا شكّ في أن بارقة أمل عادت تظهر في العراق الذي انطلقت منه الاندفاعة الثانية للمشروع التوسّعي الايراني بعدما سلّم الاميركيون البلد الى ايران محقّقين لـ«الجمهورية الإسلامية» ما يشبه الحلم. انّه حلم الانتقام من العراق الذي خاض حرباً استمرت ثماني سنوات من أجل منع آية الله الخميني من تصدير ثروته الى الخارج في العام 1979. تكمن بارقة الأمل العراقية في استعادة مؤسسات الدولة، خصوصاً الجيش، في ظلّ التحديات ذات الطابع الاقتصادي أوّلا، وهي تحديات جاءت بعد تبديد كل هذه المليارات من الدولارات في السنوات القليلة الماضية.سيكون السؤال المطروح عراقياً، بغض النظر عن التحديات الاقتصادية التي تواجه حكومة الكاظمي، هل سيتمكن العراق من استعادة مؤسساته الوطنية، في مقدّمها الجيش... أم يظل خاضعاً لـ«الحشد الشعبي» الذي ليس في نهاية المطاف سوى تكتل لميليشيات مذهبية تابعة لاحزاب، تابعة بدورها لإيران؟لا مكان في العراق لـ«الحشد» في حال كان مطلوباً القيام بانقلاب حقيقي لاثبات ان لا سلاح شرعياً غير سلاح الجيش وانّ المشروع الايراني في العراق، وهو مشروع قائم على تكرار تجربة «الحرس الثوري» في «الجمهورية الإسلامية» لا مكان له في هذا البلد.اذا وضعنا جانباً المأزق الروسي في سورية والتغيير الكبير الذي يمكن ان يشهده العراق، لا بد من التوقّف عند حدث كبير يفترض عدم مروره مرور الكرام، الا وهو تشكيل حكومة «طوارئ» في إسرائيل. لو لم يكن هناك انطباع بأن المنطقة مقبلة على أحداث كبيرة، لما تشكلت مثل هذه الحكومة مع ما يعنيه ذلك من إعادة اعتبار لبنيامين نتنياهو المتهّم رسمياً بالفساد. هناك جنرالان مهمان في وزارتي الدفاع والخارجية من حزب «أزرق وأبيض» الذي وافق على تعويم «بيبي» مجدداً، هما بيني غانتس وغابي اشكنازي. كان كلّ منهما رئيساً لاركان الجيش. الرجلان معروفان بشراستهما. هل سيشرفان على مشروع ضمّ جزء من الضفّة الغربية لإسرائيل، كما وعد «بيبي» أم يسعيان الى التهدئة حيال تنفيذ مشروع الضمّ؟ الأكيد ان الحكومة الجديدة لن تسعى الى ضمّ جزء من الضفّة فحسب، بل أيضاً الى ضم غور الأردن. ستعمل باختصار على خلق واقع جديد في المنطقة يشكّل احراجاً شديداً للمملكة الأردنية الهاشمية وللملك عبدالله الثاني الذي لم يتردد في التحذير من عواقب مثل هذا التوجه الإسرائيلي وانعكاساته على مستقبل العلاقات الأردنية - الإسرائيلية. اكّد العاهل الأردني أخيراً انّ كل الخيارات ستكون مطروحة. لم يعد في إسرائيل من يريد ان يأخذ في الاعتبار دقّة الموقف الأردني، على الرغم من وجود معاهدة سلام بين البلدين وقعت في أكتوبر 1994.تحوّلت إسرائيل بسبب المشروع التوسّعي الايراني الذي يخيف العرب اكثر من أيّ شيء آخر، الى اتباع سياسة أقلّ ما يمكن أن توصف به بانّها ذات طابع انتهازي. كرست احتلالها للجولان وتريد تكريس احتلالها لجزء من الضفّة وغور الأردن. يحدث ذلك في وقت ينهار فيه كلّ شيء في سورية وفي لبنان، حيث لا وجود لقيادة سياسية تفهم شيئاً عمّا يدور في المنطقة والعالم وكيف تكون هناك سياسة اقتصادية ناجحة. في سورية، رئيس لنظام لا يستوعب معنى الاستعانة بايران وميليشياتها، ولا يعي معنى ان تصبح تركيا امراً واقعاً في الشمال السوري وأن تصبح استعادة الجولان المحتل منذ العام 1967 ملفّاً منسياً. وفي لبنان، حكومة لا تستطيع فهم معنى انهيار النظام المصرفي... وابعاد غياب الجواب المطمئن والواضح عن سؤال في غاية البساطة من نوع: أين راحت أموال اللبنانيين والعرب والأجانب التي أودعت في المصارف؟ لم يسبق للشرق الأوسط أن مرّ بمرحلة شبيهة بالتي يمرّ فيها هذه الأيّام. تنذر كلّ المؤشرات بعاصفة عاتية، ربّما جاء مايك بومبيو وزير الخارجية الاميركي في زيارة خاطفة لإسرائيل في هذا التوقيت بالذات لتأجيلها لا أكثر.

مشاركة :