استأنفت الصين الحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية ، وسط احتواء متزايد لوباء فيروس "كورونا " الجديد (كوفيد-19)، حيث إن أغلب حالات الإصابة الجديدة التي يتم تسجيلها منذ أكثر من شهر إما فردية أو وافدة من الخارج.ووفقا لأحدث حصيلة للجنة الوطنية للصحة في الصين، فإن إجمالي أعداد المصابين منذ اندلاع الوباء بلغ 82947 شخصا، وعدد الوفيات 4634، والمتعافين 78227 شخصا، فيما مايزال نحو 100 شخص يتلقون العلاج في المستشفيات.وفيما تعد الصين قاعدة إنتاج عالمية ومركزا صناعيا مهما وتحتل مكانة مهمة في السلسلة الصناعية العالمية وسلسلة التوريد، فإنه ينظر إلى استئناف الإنتاج في البلاد على أنه مؤشر مهم لتخفيف الصعوبات الاقتصادية العالمية التي سببها الوباء، وتقديم مساهمات مهمة للحفاظ على استقرار السلسلة الصناعية العالمية وسلسلة التوريد.وفي هذا السياق، قال مدير عام فرع شركة "Sintered Metal Company" اليابانية في الصين "ما قند"– في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، خلال جولة لتفقد استئناف مجموعة من المصانع والشركات العالمية نشاطها في العاصمة (بكين)- إن الشركة يعمل بها 6200 شخص، وانتهجت إجراءات صارمة للغاية منذ إعلان الحكومة الصينية حالة اندلاع الوباء، والتي تزامنت مع أهم عطلة سنوية صينية (عيد الربيع) التي تشهد أكبر هجرة موسمية داخلية للم شمل الأسر في الصين.وأوضح "قند" أن الشركة –المتخصصة في صناعة وتوريد مكونات صناعية طبية وغذائية وأشباه الموصلات ومكونات سيارات- طالبت الموظفين من سكان مقاطعة "هوبي" (الأكثر تضررا بسبب كورونا) عدم مغادرة بكين، مع عمل تطبيق على برنامج التواصل الاجتماعي الصيني الشهير (We Chat) لمتابعة درجات حرارة جميع الموظفين مرتين يوميا اعتبارا من 30 يناير الماضي؛ لضمان سرعة استئناف العمل بسلاسة وتخوفا من أن ظهور حالة إصابة واحدة ربما يعني وقف النشاط كليا.وأضاف أن شركته - التي صنفتها "فوربس" ضمن الشركات الأكثر إبداعا لثلاث سنوات متتالية - استطاعت بالفعل استئناف العمل في 3 فبراير الماضي، وقامت منذ ذلك الحين بتوفير كافة المكونات الضرورية لماكينات تصنيع الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي وغيرها.وتابع أن الشركة لم تتأثر طويلا بسبب (كوفيد-19)، حيث ارتفعت معدلات المبيعات لاسيما مكونات أجهزة التنفس الصناعي في شهري مارس وأبريل الماضيين والتي بلغت 10 أضعاف المعدلات المعتادة، لتعوض التأثر الذي تحقق في شهر فبراير.من جهته، قال الرئيس التنفيذي لفرع شركة "مرسيدس بنز" في (بكين ) "آمو فان دير ميني" إن الشركة يعمل بها 13 ألف موظف، ولم يتم تسجيل أي إصابات بفيروس "كورونا " بين الموظفين.وأضاف أن الوضع حاليا يعد أكثر استقرارا مقارنة بالأسابيع الثلاثة الماضية، وأن شركته لديها نظرة إيجابية نحو المستقبل.وتابع أن الشركة أنشأت مركزا طبيا مع بدايات تفشي الفيروس، يضطلع بمهمة توفير كافة الإمدادات اليومية من كمامات ونظارات طبية وسترات واقية وسوائل تعقيم للموظفين، مع متابعة الحالة الصحية للموظفين وقياس درجات حرارتهم، لضمان سلامة الجميع مع استنئاف الإنتاج.وأكد "كوان تشين" المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "Infervision" –المتخصصة في تحليل الصور الرقيمة الطبية للمرضى باستخدام الذكاء الاصطناعي- أن الشركة قامت بتطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي تمكن الفريق الطبي من التعرف على الحالات المحتمل تطور حالتها وظهور أعراض إصابة واضحة بالفيروس عليها، استنادا إلى تحليل الصور التي تلتقطها أجهزة الأشعة لرئة الشخص ومقارنتها بحالات إصابة فعلية، ما يساعد على سرعة عزل ومراقبة المريض المحتمل لضمان عدم نشره العدوى.وأشار تشين ، إلى أن دور التطبيقات التي توفرها شركته ليست بديلة للعنصر البشري، ولكنها مساعد للأطقم الطبية لسرعة التعامل مع حالات الإصابة المحتملة، عبر توفير كم كبير جدا من البيانات ومقارنتها بمختلف حالات الإصابة، ما يمكن الفريق الطبي من سرعة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.وخلال الجولة التفقدية، قالت "وين ياو" نائبة رئيس شركة "Wandong Medical" المتخصصة في تصنيع أجهزة التصوير الرقمي الطبية –في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط- إن شركتها توفر العديد من المعدات الطبية لمختلف دول العالم لاسيما في أوروبا وجنوب شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.وأضافت أن شركتها استطاعت تطوير جهاز تصوير متنقل للرئة، بحيث يمكن نقل الجهاز لمكان المريض المحتمل إصابته بفيروس كورونا؛ تجنبا لعدم تنقله كثيرا ونشر العدوى حال جاءت نتيجة تحليله "إيجابية" للفيروس، مشيرة إلى أن الشركة وفرت خلال فترة الوباء 380 جهازا (Mobile DR) في شتى أنحاء الصين منها 80 جهازا في مدينة "ووهان" (المركز السابق لتفشي الفيروس بمقاطعة "هوبي" وسط الصين).وتابعت ، أن هناك طلبات من بعض دول العالم للحصول على هذا الجهاز لاسيما في أمريكا الجنوبية وإسبانيا وإيطاليا وشرق أوروبا ودول في منطقة الشرق الأوسط كالمغرب واليمن.وشملت الجولة أيضا زيارات إلى شركة "جو تشي شانج" للمستحضرات الصيدلانية، والتي قامت بتوفير منتج عشبي تقليدي يساعد مرضى "كوفيد-19" على التعافي خلال فترة زمنية بين 5 إلى 7 أيام، وزيارة إلى فرع شركة "Renesas Semiconductor" اليابانية في بكين، والتي تنتج نحو 50 مليون وحدة شهريا من أشباه الموصلات للمحركات والاستخدامات الطبية لاسيما لأجهزة التنفس الصناعي والترمومترات وغيرها، وأخيرا زيارة إلى مختبر "Beijing Applied Biological Technologies" التي تنتج مجموعات اختبار (PCR) الخاصة بالإصابات بفيروس كورونا.ويؤكد خبراء صينيون في أمراض الجهاز التنفسي ، أن استئناف العمل فى جميع أنحاء البلاد يجب ألا يتوقف بسبب حالات الإصابة الفردية بكوفيد-19، معتبرين أنه من الطبيعي أن يكون هناك بعض الحالات الوافدة، وأن عددا قليلا من حالات الإصابة يجب ألا يحول دون استئناف الإنتاج ما لم تظهر هناك عودة تفش كبير للمرض.والملاحظ حاليا أن حركة المرور في المدن الرئيسية في الصين خاصة في العاصمة (بكين ) عادت إلى نفس المستوى التي كانت عليه قبل تفشي الوباء، كما أعادت الصين فتح الآلاف من المناطق السياحية، وبدأت مؤشرات الطلب على الطاقة الكهربائية والصلب وتصنيع السيارات في العودة إلى وضعها الطبيعي، فيما وصل متوسط معدل التشغيل للمؤسسات الصناعية فوق الحجم المحدد في الصين إلى 1ر99% حتى نهاية أبريل- وفقا لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية- وبلغ معدل عودة الموظفين 1ر95%، كما بلغ مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في الصين 8ر50%، ما يشير إلى استمرار الانتعاش الاقتصادي. وأظهر مسح أجرته وزارة التجارة الصينية لأكثر من 8200 مؤسسة رئيسية ذات تمويل أجنبي في جميع أنحاء الصين أنه حتى 28 أبريل، استأنفت 6ر76% من الشركات ذات التمويل الأجنبي أكثر من 70% من إنتاجها.وتسعى الصين– ثاني أكبر اقتصاد في العالم- إلى الحفاظ على أساسيات النمو الاقتصادي طويل الأجل دون تغيير، مع دعم التنمية عالية الجودة للاقتصاد، خاصة بعد النجاحات التي حققتها في مكافحة والسيطرة على الوباء الذي لم تشهده البشرية من قبل.
مشاركة :