لم يكن خوارج العصر بحاجة لتنفيذ جريمتهم النكراء ليكتشفوا معدن أهل الكويت الأصيل، الذي يبرز على حقيقته عند المحن، فما جرى بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام الصادق وقت صلاة الجمعة، عاد سهماً إلى نحور من أرسلوا المجرم الذي بعث بنفسه إلى جهنم، بعدما أودى بحياة العشرات من الأبرياء الذين كانوا يؤدون فريضة من فرائض الله، وفي بيت من بيوته. ولعل تواجد صاحب السمو أمير البلاد في موقع الحادث بعد دقائق من وقوعه، قد سحب البساط من تحت كل المتربصين بالوطن وأمنه واستقراره. فالقائد الإنساني، وعميد الديبلوماسية العربية والعالمية، اختصر كل الخبرة بخطوة مباركة بزيارة المسجد المنكوب كانت بلسما للمفجوعين، على الرغم من المصاب الأليم. ثم توالت الزيارات للموقع من قيادات سياسية وأمنية، بدءا من رئيس مجلس الأمة، مروراً برئيس الوزراء والوزراء، فكان ذلك مظهراً حقيقياً لمعنى الوحدة الوطنية التي لا تعنيها الشعارات التي ترفع، بل هي تطبيق عملي يتجلى وقت الشدة. ثم جاءت الفزعة الشعبية الجارفة لتطلق رصاصة الرحمة على مخططات المجرمين الذين أرادوا جر الكويت إلى أتون الفتنة، فخاب مسعاهم وذلوا وتلقوا صفعة كويتية بيد رجل واحد. فمن التداعي إلى بنك الدم للتبرع إنقاذاً للجرحى، إلى موجات الاستنكار الشعبي لهذا العمل الإجرامي، وصولاً إلى إلغاء جميع فعاليات الاحتفاليات الرمضانية تضامناً مع ذوي الشهداء والمصابين، وتوّجه مجلس الوزراء الذي أعلن الحداد ثلاثة أيام حزناً على الشهداء، وأكثر من ذلك تنظيم وزارة الأوقاف مجلس عزاء جماعي ووطني في المسجد الكبير بالتنسيق مع ذوي الشهداء، في صورة عكست للعالم أجمع صورة الكويت الواحدة الموحدة. وفي هذا الإطار ننوه بالاستجابة الفورية كذلك لمجلس الأمة ورئيسه مرزوق الغانم الذي دعا مكتب المجلس لاجتماع طارئ يناقش الاعتداء الإرهابي وتداعياته، وقد استجاب للاجتماع ــ رغم أنه كان في يوم جمعة وبعد الظهر ــ نحو نصف أعضاء المجلس واجتمعوا، وبعثوا برسالة وحدة وطنية يقف خلالها جميع أبناء الكويت كتفاً بكتف في وجه من يريد تفرقتهم وزرع الفتنة بينهم. ولا ننسى ما قامت به وزارة الداخلية التي باشرت منذ وقوع الحادث الإجرامي، تحقيقاتها ومتابعاتها، التي سرعان ما توصلت إلى خيط يقودها إلى الجهات التي تقف وراء هذا العمل الإرهابي، وكيف تم التخطيط له وتنفيذه والكشف عن شخصية المجرم الذي قام به، وهي جهود تشكر عليها وتبعث رسالة طمأنة إلى جميع المواطنين والمقيمين بأن الكويت محفوظة ولها جهاز أمن يحميها ويصون أمنها واستقرارها. أما ما ذكرته بعض وسائل الإعلام عن اكتشاف التحاليل التي أجريت على جثة المجرم عن وجود مواد مخدرة فيها، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العمل الإجرامي هذا لا يمكن أن يقوم به إنسان عاقل واعٍ يملك الحد الأدنى من التفكير الإنساني. إن ما حدث كان اختباراً صعباً، وعلى الرغم من الفاتورة الكبيرة بعدد الشهداء الذين تجاوزوا الـ 27 شهيداً، والمصابين الذي بلغ عددهم نحو 227 مصاباً، فقد نجحت الكويت بالاختبار بامتياز وإن كان مغمساً بالدم، وأظهرت المعدن الحقيقي لشعبها وارتباطه بالأرض والقيادة. بقي أن نشير إلى أننا في مقال سابق انتقدنا إجراءات وزارة الداخلية في التشديد على حماية المساجد، ليتضح من الحادث أنها كانت محقة في ترتيباتها، تحسباً لخطر يأتينا من خلف الحدود، وهو ما لم نكن نتصور حدوثه. نسأل الله أن يقي بلدنا وشعبنا شر الحاقدين المتربصين به وأن يديم عليه نعمة الأمن والاستقرار. إعلامنا الرسمي... راسب أظهر الحدث حالة الترهل التي وصل إليها إعلامنا الرسمي، فبينما العالم كله استنفر وأخذ ينقل الأخبار ثانية بثانية، تركتنا وزارة الإعلام نركض يميناً ويساراً بحثاًَ عن الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الخدمات الإخبارية، وحتى وسائل الإعلام العالمية، بينما تلفزيون الكويت الرسمي يعرض مسلسلاً بدوياً ولا يدري ما يجري، حتى فطن بعد نحو الساعة ليضع على الشاشة مع استمرار المسلسل خبراً عاجلاً عن التفجير...! h.alasidan@hotmail.com @Dr_alasidan
مشاركة :