من المعروف أنه في الكثير من المواقف هناك من يركب موجة السائد المتمكن، من بين التيارات السياسية أو المعتقدات المسيّسة في محاولة لتحقيق مصالحه الشخصية، فهناك من يتحول من المتدين الى ( المتمدن ) في مرحلة صعود نجم التيارات المدنية العلمانية أو غيرها، وعلى النقيض من ذلك هنالك من يتحول الى التدين في مرحلة صعود نجم التيارات الدينية، وكل ذلك في حال التهافت على الوصول الى مناصب قيادية، أو اقتناص ما يمكن اقتناصه من المصالح الذاتية الشخصية أو الفئوية، خصوصاً في المجتمعات الناهضة الحديثة العهد بالمشاركة الشعبية في إدارة الدولة. كثيرة هي النماذج الدالة على أصحاب المواقف الانتهازية الذين اعتادوا على التلوّن حسبما تتطلبه المرحلة في ركوب موجة السائد، ومن بين الأمثلة على ذلك في هذه الأيام تحول الكثير من السياسيين العلمانيين أو الليبراليين إلى دينيين شكلاً، ولا يعلم إلا الله عن حقيقة المضمون، بعد انحسار ثقل التيارات اليسارية عن الشارع خصوصاً في المجتمعات العربية، فاختلفت ممارساتهم لتتطابق مع تغير أشكالهم لأجل تحقيق مآربهم الشخصية التي لم يعد لهم أمل في تحقيقها ضمن مواقعهم في بحر اليسار، الذي تكسرت أمواج مدّه بعدما ارتفعت موجات المد الإسلامي الجارف حين فُتحت أمامه كل السدود، في مواجهةٍ تسيّس فيها الدين ضد تلك القوى التي كانت لها السيادة في قيادة الشارع. مثل تلك التحولات الانتهازية نجد لها نماذج على مستوى كل الشرائح أو الفئات الاجتماعية نظراً لتغير الواقع الاجتماعي أو تطوره، بانتقاله من مرحلة الى أخرى في حركة الصعود والأفول تبعاً للتنافس الدائر بين القوى السياسية المختلفة. وضمن هذا السياق في تصوري الشخصي يأتي استعراض الفنان السعودي ناصر القصبي في مسلسله الرائع سيلفي لتلك الشخصية الانتهازية، التي اختار لها نموذجاً من الوسط الفني ليعبّر، حسب قراءتي لذلك المشهد، عن استغلال الدين بالمبالغة في الشكل لدرجة التشويه من قبل تلك الشخصية التي يصعب عليها طرح ماهية المتدين الحقيقي بالمضمون. ولأن كاتب النص لم يستعرض شخصية واقعية بعينها فمن حقه أن يطرح رأيه في سبب التحول والطريقة التي تم بها لاحتمال وجود حالات انتهازية مختلفة في الأسباب. لا أجد في ما أَقدمَ عليه ناصر القصبي أي إهانة لرجال الدين أو أي من المسلمين الصادقين في تدينهم بشكل عام، حيث أنه اختار نموذجاً طارئاً على الوسط الديني، متحوّلاً عن الوسط الفنّي الذي رأينا منه في الواقع نماذج تظاهرت بالتدين ثم انقلبت على أعقابها. ولذا فأنا أستنكر كل ما تعرض له ناصر من هجوم ظالم، عليه وعلى من قام بالعمل معه، من قبل بعض رجال الدين ومن يبغبغون بالكلام خلفهم بلا بصيرة. وهنا لا بد لي من استنكار ما تفوّه به ذلك الخطيب الذي لم يتعظ بالحديث الشريف: (سباب المسلم فسوق وقتله كفر) قبل أن يكيل تلك الشتائم واللعنات مع الاتهام بالزندقة والعهر بإلفاظ لا يليق أن تصدر ممن يرتقي منبر الخطابة الدينية. لقد بدأ مسلسل سلفي في تصدّيه لاستغلال الدين الإسلامي الحنيف بذلك المقطع القصير في الحلقة الأولى، الذي ظهر فيه أحد الانتهازيين بمبالغة شكلية ليست غريبة على من هم على شاكلته في الواقع. ثم قدم في الحلقتين الثانية والثالثة في مواجهة إرهاب داعش تلك النماذج الخارجة على ديننا بانتهازية تكفيرية - قد يكون بينها مثل ذلك النموذج الذي قدمه في الحلقة الأولى - فاختارت التوحّش لتبطش على الآمنين في ديارهم بسفك الدماء البريئة من كل الديانات وكل الطوائف الإسلامية، بفحش يستنكره كل ذي عقل مهما كان اتنتماؤه العقائدي. وهنا أحييه وكافة العاملين معه في هذه المواجهة الجريئة ضد إرهاب داعش بالرأي، الذي أتمنى أن لا يكون هو السبب في استفزاز بعض رجال الدين ضده فتُحسب تلك المواقف التي كفّرته وعهّرته مؤيدة لتلك الجماعات الإرهابية. لقد علقـت الجـرس يا ناصر فتعرضـت بسلفـك للهجوم الظالــم بقــذف الشاتمين وقدح الذامّين، فلـك علينـا التضامــن معــك وتأييـدك على موقفـك الوطنـي الشجــاع، فشكــراً لك على سلفــي الــذي هــو حـــال سلفــنا، خصوصاً إذا أضفنا لتلــك الحلقات الثــلاث الحلقــة السابعــة التي طرحت المسألة الطائفية بامتياز.
مشاركة :