مخطوطاتنا العربية والإسلامية، بكل ما تحمل من علوم ومعارف وجماليات، هي كنوزنا الروحية، وذاكرة الأمة، ولكن الآلاف منها متناثرة في المكتبات الأجنبية في العالم، حيث اقتناها الغرب عاشقاً وطامعاً، واستولى على كثير منها بعد أن كانت محفوظة في خزائن الكتب في المساجد والمدارس ودور العلم وقصور الخلفاء والأعيان.. وقد استنار الغرب بحضارتنا العربية الإسلامية العريقة، واستفاد منها في علومه ومعارفه، ولذا نسلط الضوء على المخطوطات العربية والإسلامية الموجودة في عدد من مكتبات العالم حالياً. مما لا شك فيه، أن كبار الأدباء أمثال: الريحاني وجبران، وإيليا أبو ماضي، وسواهم من أعضاء الرابطة القلمية، عملوا على تكوين ونشر فهارس موحدة للمواد الشرق أوسطية الموجودة في مكتبات الولايات المتحدة، وأرسوا مبادئ التعاون بين مكتبة الكونغرس وكبريات المكتبات الوطنية في العالم العربي. أما بداية الاهتمام بالمخطوطات العربية والإسلامية، فيعود إلى القرن التاسع عشر. اعتمدت الولايات المتحدة في إغناء مقتنياتها وتكوين مكتباتها على شراء المخطوطات النادرة من مختلف المصادر، وهذه المخطوطات موزعة على مكتبات الجامعات الأميركية بشكل عام، وعلى مكتبة الكونغرس الأميركي بشكل خاص. أكبر عدد من المخطوطات العربية والإسلامية موجود في جامعة برنستون، ومعظمها مزخرفة ومذهبة، وأشهرها «النيازك» لأرسطوطاليس الذي نقله إلى العربية حنين بن إسحاق. في عام 2006 أطلقت جامعة ييل الأميركية أول مكتبة رقمية من نوعها، لحفظ صحف ومجلات شرق أوسطية، وحددت الجامعة قائمة أولية بـ 14 ألف صحيفة ومجلة من الشرق الأوسط موجودة في عشرين مكتبة من أريزونا في الولايات المتحدة إلى اللاذقية في سوريا. وتنوعت مقتنيات المكتبة ما بين عرض صور رقمية للجرائد الرسمية الّتي صدرت فيها القوانين في سوريا وفلسطين، فضلاً عن رقمنة أكثر من 150 ألف كتاب مكتوب بلغات الشرق الأوسط. وأصدرت مطبعة جامعة برنستون مجلداً ضخماً باللغة الإنجليزية يحتوي أسماء المخطوطات التي تضمها مكتبة الجامعة في عام 1977. وقد وضع هذا المصنف الضخم «515 صفحة من الحجم الكبير، مع وصف لكل مخطوط» رودولف ماخ، وفهرسه روبرت د. ماكتشسني. وتحتوي هذه المجموعة على 4800 مخطوط عربي، وتتنوع موضوعاتها من تفسير وحديث، وغيرها إلى طب وهندسة ورياضيات وفلسفة. وتمكنت المكتبة الطبية التابعة للجيش أن تقتني نحو 1500 مخطوط، معظمها باللغة العربية، كما حصلت مكتبات جامعة «ييل» على مجموعة واسعة من المخطوطات العربية القديمة، ومعظمها من مجموعة هارتفورد، التي يتراوح تاريخ موادها بين 900 إلى 1900. وتتألف من حوالي 1613 مجلداً و15 صندوقاً، معظمها بالعربية، وبعضها بالأرمنية والسريانية، والنسبة الأكبر تتناول قضايا دينية، وتمتد إلى الأدب والقانون واللغة والعلوم والفلسفة، وأوراق عن رحلات إلى الشرق الأوسط، وبينها 5 مخطوطات - من القرن السابع إلى التاسع عشر - متخصصة في علم الفلك، وغيرها الكثير. ومن أقدم المخطوطات التي تمتلكها أميركا مخطوطتان للغزالي: «إحياء علوم الدين»، و«منهاج العابدين» تعودان لعام 850 هـ، ومخطوطات عديدة لابن عربي - 978هـ. وهناك «منتخب المحصول في الأصول» للرازي - 712هـ، و«الجامع الصحيح» للبخاري - 880هـ، «كتاب الهداية» لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني - 656 هـ، مخطوطات صوفية - 1280هـ، مخطوطة عمر ابن الوردي عن الجغرافيا والتاريخ الطبيعي «خريدة العجائب وفريدة الغرائب»، مخطوطة «كتاب العبر» لابن خلدون - 1270 هـ، مخطوطة «نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر» لشهاب الدين بن حجر العسقلاني - 915 هـ، مخطوطة «الفتح المبين في شرح الأربعين» لابن حجر الهيثمي، ومخطوطة «مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية» لحسن محمد الصاغيني تعود لعام 765 هـ. وغيرها من المواد المهمة عن تاريخ وثقافة المنطقة لا مجال لذكرها، عدا عن نسخ عن قصائد كثيرة، مثل: «بانت سعاد» لكعب بن زهير، ومجموعة قصائد لعنترة بن شداد. وتمتلك المكتبات الأميركية مجموعة من الخرائط العربية، منها مخطوطات قرآنية عثر عليها في أميركا مكتوبة بالخط الكوفي، والتي تعود للقرن التاسع أو العاشر الميلادي. أما مكتبة الكونغرس الأميركي، فتحتوي نحو 1700 مخطوطة عربية، منها نسخة من القرآن الكريم على رق غزال تعود إلى القرن الرابع أو الخامس الهجري. وفي متحف متروبوليتان للفن بنيويورك، فيضم أوراقاً قديمة جدّاً متفرقة من مصاحف ترجع إلى القرون الأولى للهجرة، أما المعهد الشرقي بشيكاغو فيضم قطعة قديمة من كتاب «ألف ليلة وليلة» تعود إلى القرن الثالث للهجرة، وهي أقدم ما يعرف من نسخ ألف ليلة وليلة. وتحتوي مكتبة الكونغرس على كنوز المخطوطات العربية والإسلامية من الكتب والمخطوطات والمسجلات، جُلبت من أنحاء العالم، فمنها أول مصحف مترجم في العالم عام 1765، ويعتقد أن الرئيس جيفرسون اشترى المصحف لأن دراساته القانونية كانت كثيراً ما تشير إلى القرآن كمصدر للتشريع الإسلامي، ترجمها «جورج سيل»، وهي أول ترجمة للقرآن من العربية للإنجليزية مباشرة، فالترجمات الإنجليزية التي سبقته كانت تنقل عن اللغة الفرنسية، ويُعرف المصحف المترجم في مكتبة الكونغرس باسم «مصحف جيفرسون». ويضم قسم الشرق الأوسط في مكتبة الكونغرس 300 ألف كتاب ومخطوط باللغة العربية ولغات الشرق الأوسط الأخرى، ومعظمها جاء من غرب أفريقيا، وتم وضعتها في جناح خاص وتغطي المخطوطات موضوعات شتى من تعليم القرآن الكريم إلى الرياضيات والفيزياء والطب والفلك، أما الكتب الأخيرة، فقد تم تحديد أماكن وجودها في مالي تمبكتو والبلدان المجاورة، مثل موريتانيا، والنيجر، وبوركينافاسو، ويبلغ عددها التقديري نحو 5 ملايين مخطوطة تنتمي إلى عصور قديمة حتى القرن التاسع عشر. وهناك مجموعة من نسخ القرآن الكريم مخطوطة بالعربية يعود تاريخها إلى مئات السنوات ونسخة أخرى فيها أسماء الله الحسنى. كما توجد في الطب العربي مؤلفات تتحدث عن الأمراض. إضافة إلى لوحة فنية قديمة للمسجد الحرام بمكة المكرمة، ولوحة أخرى للمسجد النبوي في المدينة المنورة يظهر فيها موقع بيت الرسول عليه الصلاة والسلام بجوار مسجده، وهو الذي دفن فيه بعد ذلك، ثم لوحة خطية قديمة تفنَّن فيها الخطاط بكتابة البسملة، ويحتوي قسم الشرق الأدنى في المكتبة التابعة للكونغرس الأميركي على ربع مليون كتاب ومخطوط، بلغاتها الأصلية. وعلى أية حال، يتراوح عدد المخطوطات في لأميركا بين 13 و30 ألفاً، ومن أشهر مكتباتها جامعة برنستون المتضمنة مجموعة يهودا المشهورة البالغة نحو 5 آلاف مخطوطة، وجامعة ييل، وجامعة شيكاغو، ومكتبة الكونجرس في واشنطن، والمكتبة العامة في نيويورك. وتتوفر فهارس المخطوطات في أميركا الشمالية عبر الشبكة، بعض هذه الفهارس إلكترونية وبعضها تصوير لفهارس مطبوعة، وهذا ما يتيح للدارسين والباحثين الإفادة من هذه الكنوز.
مشاركة :