حوار - نشأت أمين: أكّد سعادةُ الشّيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن حمد آل ثاني الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة قطر أنّ زكاة الفطر شرعت في السنة الثانية من الهجرة، وهي السَّنَّة نفسها التي فرض الله فيها صوم رمضانَ، لافتًا إلى أن دليل مشروعيتها ثبت في السنة في أحاديث عدة، منها ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومنها خبر ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر)، وورد غيرُ ذلك من الأخبار التي يفيد مجموعها وجوبَ صدقة الفطر على كل مسلم. وفيما يتعلّق بالحكمة من مشروعيتها، قال سعادتُه في تصريحات ل الراية إن لزكاة الفطر حكمًا عديدة منها: جبران نقص الصوم؛ فقد بيّن صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتقدّم أنّها (طهرة للصائم من اللغو والرفث)، لافتًا إلى قول وكيع بن الجراح رحمه الله: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتَي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة، ومنها أيضًا إغناء الفقراء عن السؤال، ففي الحديث السابق أنها: (طعمة للمساكين)، وإغناء الفقراء من المطالب التي دلت عليها كليات الشريعة ومقاصدها، فضلًا عما تؤدي إليه هذه الصدقة من التكافل بين المجتمع، والتراحم بين طبقاته، وشعور بعضهم ببعض. حكم زكاة الفطر وأوضح أنّ زكاة الفطر تجب على كل مسلم، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، عاقل أو مجنون لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) متفق عليه، قال ابن المنذر: «أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض». وقال إسحاق: «هو كالإجماع من أهل العلم». ونوّه بأنه يشترط لوجوبها أمران: أولًا الإسلام: فلا تقبل من الكافر لقوله تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله). ثانيًا القدرة عليها: بأن يكون عنده يوم العيد وليلته قدر زائد على قوته وقوت عياله ومن تلزمه نفقته، فيخرجها الشخص عن نفسه ومن تجب عليه نفقتهم كالزوجة والعيال. وقت وجوبها وفيما يتعلق بوقت وجوب إخراجها، أكّد سعادتُه أنّ زكاة الفطر تجب بغروب شمس ليلة عيد الفطر، فمن كان من أهل الوجوب حينئذ وجبت عليه وإلا فلا، فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب عليه، وإن مات بعده ولو بدقائق، وجب إخراج زكاته، ومن أسلم بعد الغروب فلا فطرة عليه، ولو ولد لرجل بعد الغروب، لم تجب فطرته، لكن يسنّ إخراجها عنه، بخلاف ما لو ولد له قبل الغروب، فإنه يجب إخراجها عنه. وأما وقت إخراجها فالأفضل أن تُخْرَج صباح العيد قبل الصلاة؛ لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -كما في البخاري-: (كنا نُخْرِجُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام)، وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)؛ ولأن المقصود منها إغناء الفقراء في هذا اليوم عن السؤال، من أجل أن يشاركوا الموسرين في الفرح والسرور. ولفت إلى أنه يجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومَين؛ لما رواه البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطيها -أي صدقة الفطر- الذين يقبلونها، وكان يؤديها قبل الفطر بيوم أو يومين. وشدد على أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لغير عذر، فإن أخرها لغير عذر لم تقبل منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات). تأخير الإخراج وبيّن أنه إذا كان التأخير لعذر، كأن يصادفه العيد في مكان ليس عنده ما يدفع منه، أو من يدفع إليه، أو يأتي خبر العيد مفاجئًا بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمدًا على شخص في إخراجها، فينسى ذلك الشخص أن يخرجها، فله في هذه الحالة أن يخرجها ولو بعد العيد؛ لأنه معذور في ذلك كله. وعن الجنس الواجب إخراجه فقال الشيخ عبدالعزيز إنه من غالب قوت البلد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير)، وكان الشّعير يوم ذاك من طعامهم، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر). وقال إن القدر الواجب صاع من أي من هذه الأصناف، أو غيرها من الطّعام، ويقدر بكيلوين وأربعين جرامًا إلى ثلاثة كيلوجرامات بحسب النوع. ولفت إلى أن بعض العلماء أجاز إخراج قيمة هذه الأصناف للمصلحة والحاجة، والأصل إخراجها طعامًا، مضيفًا إن صدقة الفطر تدفع للفقراء والمحتاجين على الصحيح دون سائر مصارف الزكاة الثمانية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله، ولا يجوز دفعها إلى من تجب على الإنسان نفقته، كما لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة ويجوز دفع زكاة الفطر لفقير واحد، أو عدة فقراء.
مشاركة :