سد النهضة ورقة آبي أحمد السياسية للخروج من مأزق الانتخابات

  • 5/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تتباين المواقف في إثيوبيا بشأن الانتخابات البرلمانية العامة المؤجلة بسبب جائحة كورونا، بين مؤيد يرى ضرورة إجرائها تخوفا من الفراغ الدستوري، وآخر يؤكد ضرورة التأجيل لحين انتهاء تداعيات الوباء من البلاد، لكن للمسألة أبعادا أخرى تتجاوز الداخل الإثيوبي حيث تؤكد رؤى أخرى أن الحكومة الإثيوبية تكثف الأضواء على أزمة سد النهضة مع مصر والسودان، كي تصرف الأنظار إلى الخارج بدلا من الداخل الحافل بالتحديات. وجدت الحكومة الإثيوبية ضالتها في تكثيف الأضواء على أزمة سد النهضة مع كل من مصر والسودان، كي تصرف الأنظار إلى الخارج بدلا من الداخل الحافل بالتحديات، وتتمكن من إعادة ترتيب أوراقها في واحدة من الأزمات الدقيقة التي تعصف بها، وتتمثل في تأجيل إجراء الانتخابات من أغسطس المقبل إلى أجل غير مسمى، بسبب انتشار فايروس كورونا. بدأت القضية تتحول إلى أزمة ساخنة، ودخلت على خطوطها أطياف كثيرة من المعارضة السياسية والمناطقية، وجهت اتهامات إلى رئيس الحكومة آبي أحمد، بأنه اختار طريق التأجيل عمدا ليبقى على رأس السلطة السياسية في البلاد أطول فترة ممكنة، لأنه لا يضمن الفوز بارتياح في الانتخابات التي تتعاظم فيها حظوظ معارضيه. أزمة داخلية تواجه إثيوبيا حزمة من الأزمات السياسية والأمنية بعد فترة وجيزة من الآمال والأحلام التي تعلقت بقدرات آبي أحمد المتعددة في إخراج البلاد من نفق التفتت والتشرذم الجهوي، حتى أصبح الرجل عنوانا محليا للاستقرار، عقب تمكنه من طي صفحات قاتمة في سجل الانقسامات بين الشعوب الإثيوبية في الأقاليم المختلفة. وراهنت عليه دوائر في المنطقة للقيام بدور قيادي وتنموي. وعولت عليه قوى كبرى في أن يأخذ بيد إثيوبيا لتكون في مصاف الأمم الناهضة، ورمانة ميزان للأمن في شرق أفريقيا، وعزز حصوله العام الماضي على جائزة نوبل للسلام ترسيخ أفكاره السلمية بعد نجاحه في تسوية خلافات أديس أبابا المريرة مع أسمرة. ركز خطاب آبي أحمد إجمالا على فكرة “الرخاء” أو الازدهار، وهي الكلمة التي اتخذت عنوانا وشعارا للحزب الحاكم حاليا، غير أن تراجعه خطوات عن فكرة التحول الديمقراطي وفتح الفضاء السياسي وتوفير المزيد من الحريات وحقوق الإنسان التي جذبت إليه قطاعات كبيرة من الشباب، أحدث انتكاسة في مستوى الالتفاف حوله، وأفضى إلى انتقادات قللت من مساحة التفاؤل في المستقبل، حيث بدأ يقارب من وتيرة غامضة خيمّت على أداء سابقيه. الدستور الإثيوبي لم يوضح الحالات التي يتم فيها تأجيل الانتخابات، غير أن الأمر يحتاج إلى تنسيق مع قوى المعارضة وأشارت جماعات حقوقية محلية ودولية إلى عودة الاعتقالات الجماعية في صفوف المعارضة، وهو ما يعد دلالة مزعجة في إثيوبيا لتاريخها القاتم في هذا الاتجاه، قد تفقدها جانبا من بريقها السياسي الذي جذب إليها أنظار المجتمع الدولي وجعلها تعتقد أن آبي أحمد خيارا للمستقبل. كان أمام القيادة الإثيوبية أربعة خيارات للخروج من مأزق تأجيل الانتخابات، وتجاوز العقبات الداخلية التي أفرزتها، وكل منها يحمل مزايا وتحديات، وهي: حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ والتعديل الدستوري والتفسير الدستوري. بدت الخيارات الثلاثة الأولى مكلفة سياسيا ونتائجها غير مضمونة تماما، لذلك اختارت اللجنة المركزية لحزب “الرخاء” الحاكم الخيار الرابع، أي التفسير الدستوري، وهو ما صدق عليه البرلمان مؤخرا، كحل يساعد رئيس الحكومة على إعادة ترتيب أوراقه واستعادة الزخم الذي صاحب فترة صعوده السياسي منذ حوالي عامين. لا تزال تفاعلات هذا الخيار مستمرة، لأنها وضعت البلاد على مشارف أزمة دستورية معقدة، فالسنوات الخمس للبرلمان تنتهي في 5 أكتوبر المقبل، ما يعني عدم وجود مجلس تشريعي وحكومة في البلاد، الأمر الذي تتولى لجنة دستورية تكييفه قانونيا لإيجاد حل يجنب آبي أحمد استهدافه من قبل حملة سياسية واسعة، فلم تقتنع قوى المعارضة بالمبررات القهرية التي ساقها، وتصمم على أن هناك تحايلا لعدم إجراء انتخابات مرجح أن يلقى فيها هزيمة مرة، ويتعرض فيها حزب “الرخاء” لمحنة ربما تعصف به قبل أن يتمكن من تثبيت أقدامه. وتعامل آبي أحمد مع المسألة بطريقة حملت نوعا من الاستخفاف بمعارضيه، حيث قال “أنا وحكومتي باقيان حتى تنظيم انتخابات تشريعية في أمان”، في إشارة تنطوي على رغبة في التمديد بدون تحديد سقف زمني معين، وعلى قوى المعارضة أن تتعامل مع هذا الواقع. يبدو أن آبي أحمد لم يتوقع أن يأتي رد الفعل متشددا من المعارضة، والتي ضاعفت من انتقاداتها وشككت مبكرا في قيام حزب “الرخاء” يتهيئة الأجواء لتزوير الانتخابات، على غرار ما حدث في انتخابات 2015، وحصلت فيها الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على 95 في المئة من مقاعد البرلمان، قبل أن يتم حلها ويرثها حزب “الازدهار” الجديد، وينضم إليه غالبية النواب. بدأت أبعاد الأزمة تتخطى حدود التأجيل لأسباب خارجة عن الإرادة، ووجهت قوى معارضة انتقادات لآبي أحمد باستغلال مرض كورونا لتفكيك الدستور ووضع قواعد لحكمه تمكنه من السيطرة على الأمور، بما يفيد بالرغبة في إعادة إنتاج سياسات القبضة الحديدية السابقة. تحدت جبهة تحرير تيغراي، وهي من أهم الجبهات المعارضة، فكرة التأجيل وأعلنت أنها تعتزم تنظيم انتخابات في المنطقة التي تسيطر عليها في إقليم تيغراي، وهو ما وجد أصداء من قوى سياسية أخرى، إذا صممت الحكومة على المضي في طريق التأجيل لأجل غير مسمى. أيدت حركة الأمهرة خيار التعديل الدستوري كحل مناسب للخروج من الأزمة، في حين تمسك ائتلاف وحدة الفيدرالية الإثيوبية بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، ويضم الائتلاف، جبهة تحرير أوجادين الوطنية، وجبهة تحرير أورومو، والكونغرس الفيدرالي للأورومو، والكونغرس الوطني أجاو، وحزب موكا الديمقراطي، وأرينا تيغراي، والحزب الديمقراطي. لم يوضح الدستور الإثيوبي الحالات التي يتم فيها تأجيل الانتخابات صراحة، لكنه يوفر إطار عمل يسمح بها، غير أن الأمر يحتاج إلى تنسيق مع قوى المعارضة لتبديد المخاوف العارمة من التزوير، والتفاهم حول التوقيت، لأن هناك اتجاها قويا للمطالبة بإدارة مؤقتة- انتقالية تشرف على الانتخابات المقبلة، تجبر آبي أحمد على التنحي عن منصبه، وفقدان أحد عناصر القوة والسيطرة. تلحّ قوى المعارضة على الإدارة المؤقتة للانتخابات كضمان للنزاهة والشفافية، حيث قال جوهر محمد، وهو منافس قوي لآبي أحمد، في الأول من مايو، إن الموقف من تاريخ الانتخابات والإدارة المؤقتة التي يمكن الاعتماد عليها خلال الفترة الانتقالية بين سبتمبر وموعد إجراء الانتخابات يجب أن يأتي “بعد حوار مع الأحزاب السياسية يفضي إلى اتفاق”. يحمل التباين بين الطرفين قدرا كبيرا من التشاؤم، ويوحي بعدم استبعاد حدوث صدامات، فإثيوبيا تعيش على فوهة براكين قبلية وإثنية قابلة للانفجار في أي لحظة، وإذا خرج التراشق الحالي بالكلمات ودخل مربع السلاح أو التلويح به يمكن أن تواجه البلاد مصيرا غامضا. وتنصح قوى في المعارضة بإمكانية الاستفادة أيضا من تأجيل الانتخابات في تقوية جبهاتها، وتوثيق عرى التعاون والتنسيق بينها، لكن تحذر قوى أخرى من تعرضها خلال الفترة الفاصلة بين التأجيل وإجراء الانتخابات فعليا من ضربات سياسية وأمنية تفقدها قدرتها على الصمود، لأن الحزب الحاكم يريد حشر المناهضين في زاوية ضيقة وتحويلهم إلى “بطة عرجاء”. يحاول آبي أحمد تطويع المؤسسة العسكرية بكل السبل، وتوظيفها كأداة قوية في قمع معارضيه، لكن العلاقة مترنحة ويسودها توتر يظهر ويختفي من وقت لآخر، وبات الجيش من أكثر الملفات صعوبة منذ توليه الحكم لتأثيره الكبير في الحياة السياسية، كما أن جماعة التيغراي التي قبضت على السلطة من قبله تتحكم في غالبية المناصب الرفيعة، وتكمن الصعوبة في دور الجيش الحيوي في الاقتصاد، بما يقلل مساحة المناورة أمام آبي أحمد. وأصبح سد النهضة هو الورقة الأكثر تأثيرا والتي تلتف حولها غالبية الشعوب الإثيوبية، وتتقاطع عندها كل الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فإذا تمكن آبي أحمد من الشروع في ملء الخزان في أغسطس المقبل، حسب الموعد المحدد وفي هدوء، يكون ضرب عدة عصافير بحجر واحد، وضمن الفوز باكتساح في الانتخابات، ويحتفظ بصورة المخلص والبطل. لذلك لم يظهر هوادة في التعامل مع مصر، أو السودان، ويحرص على أن يكون السد في مقدمة معاركه، كأمل وحيد يعوّل عليه في إسكات مدافع معارضيه واستعادة شعبيته. أما إذا اضطر تحت وابل من الضغوط المصرية والدولية إلى الرضوخ لتأجيل الملء أو التغيير في المواصفات الفنية المعلنة، سيكون خسر معركته السياسية في الداخل وقبل إجراء الانتخابات، ما يعني أن الفترة المقبلة سوف تشهد سخونة أشد في ملف سد النهضة.

مشاركة :