انهيار الليرة يستنزف ما تبقى من اقتصاد سوريا المشلول | | صحيفة العرب

  • 5/19/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عكست محاولات الحكومة السورية المستميتة وإجراءاتها المالية القمعية اليائسة عبر الضغط على رجال الأعمال لتقاسم أرباح شركاتهم مع الدولة، مدى تخبط دمشق في مواجهة أزماتها المزمنة، بعد انغلاق كافة نوافذ التمويل في ظل أزمة لبنان المالية وانقطاع الدعم من إيران الغارقة في مشاكلها الخانقة، الأمر الذي هوى بالليرة إلى مستويات غير مسبوقة. قلّل اختناق الاقتصاد السوري من هوامش تحرك الحكومة في دمشق، والتي لجأت إلى تضييق الخناق على رجال الأعمال، في محاولة يائسة لجمع السيولة النقدية، وهو ما أدى إلى سقوط حر للعملة المحلية. وتسارع انهيار الليرة عقب آخر ظهور لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، منذ بداية هذا الشهر، والذي دخل في خلاف مع دمشق بعد أن شنت حملة ضد أصول وأموال يمتلكها، وذلك بالتزامن مع انغلاق نوافذ تمويل الحكومة السورية. وأدت أزمة السيولة النقدية والاضطرابات في لبنان إلى انقطاع تدفق الدولارات إلى دمشق، في الوقت الذي تلاشت فيه قدرة إيران المختنقة بالعقوبات الأميركية على مد يد المساعدة. وسجلت العملة السورية مطلع الأسبوع الجاري تراجعا قياسيا جديدا في السوق السوداء والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث بلغ سعر الدولار الاثنين 1820 ليرة. وارتفع الدولار منذ بث مخلوف، أحد أكبر رجل الأعمال السوريين ولديه استثمارات في عدة قطاعات مفصلية في الاقتصاد السوري تشمل الاتصالات والعقارات وتجارة النفط، أول فيديو له مطلع مايو الجاري، بنحو 550 ليرة. وتعيش الليرة أسوأ فتراتها منذ تفجر الأزمة قبل تسع سنوات، نتيجة أسباب أخرى مرتبطة بإحكام منع تهريب النقد الأجنبي من لبنان، مصدر الدولار الرئيس في سوريا، عبر حدود البلدين. ومنذ مطلع العام الجاري، يكون سعر صرف الدولار قد صعد مقابل الليرة بنسبة 60 في المئة، حيث أنهت الليرة تعاملات العام الماضي في السوق السوداء عند نحو 915 مقابل الدولار. ويؤكد محللو أسواق المال استنادا على تحرك قيمة العملة منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد حكم الأسد في 2011، أن الليرة فقدت أكثر 34 ضعفا من قيمتها أمام العملة الأميركية، بعد أن كان سعر الدولار بمتوسط خمسين ليرة. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر من داخل سوريا تأكيدها أن عددا كبيرا من الصرافين المتواجدين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام توقفوا بشكل كامل عن بيع الدولار أو صرف العملات الأخرى في ظل التخبط والانهيار، الذي يشهده الاقتصاد. ويعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشّي البطالة والفقر، واللذان يشكّلان دليلا ملموسا على الاقتصاد المنهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي. ووفق أحدث بيانات برنامج الأغذية العالمي فإن نحو 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي في ارتفاع ملحوظ جراء وباء كورونا، قياسا بما تم تسجيله قبل نصف عام تقريبا حين أشارت التقديرات إلى أنهم بحدود 7.9 مليون شخص. وتشهد مختلف المناطق السورية ارتفاعا جنونيا لأسعار السلع الأساسية في ظل انهيار قيمة الليرة المتواصل، وسط استياء شعبي كبير، ولاسيما مع اقتراب تطبيق قانون العقوبات “قيصر”. وهناك مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والإدارية، التي عصفت بنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مما جعل دمشق تدخل في متاهة من المشاكل لا يعتقد محللون أنها ستخرج منها قريبا ولعل انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية، كان من أهم الأسباب، التي أثّرت بشكل سلبي على الدول الداعمة لدمشق، بسبب اعتمادهم على تجارة الطاقة بشكل كبير في اقتصاداتهم، وانخفضت على أثره مساعدات إيران النقدية لسوريا. ويبدو خلو البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب عاملا مهما لبلوغ الاقتصاد السوري هذه المرحلة الحرجة، حيث يعتبر وجود احتياطي العملات الأجنبية والذهب الركائز الأساسية التي تستند عليها العملة المحلية. وقد أصبح المركزي فارغا من احتياطي النقد الأجنبي بسبب توقف ايرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف حركة التصدير، المساهم الأكبر في إيرادات العملات الاجنبية. وأثّر التوقف شبه الكامل لعجلة الإنتاج على البلاد، فأصبح النظام يستورد السلع الضرورية، حيث تتم عمليات الشراء بالنقد الأجنبي وخصوصا الدولار، مما أدى إلى زيادة الطلب عليه، ونقصه في السوق، وبالتالي ارتفاع سعره على حساب الليرة. ومن بين العوامل الأخرى عدم سيطرة دمشق على صناعة النفط وقطاع الزراعة وخاصة إنتاج القمح والبقوليات وعدد من السلع الاستراتيجية الهامة في أيدي النظام. وإلى جانب ذلك، توقفت تحويلات المغتربين حيث بات السوريون في الخارج معنيون بدعم وإغاثة أهاليهم الذين تحوّلوا إلى نازحين داخل البلاد، ولاجئين في بلدان أخرى. وعكس تشديد العقوبات بحق كلّ من يتعامل بغير الليرة، الذي جاء في مرسوم تشريعي أصدره الأسد مطلع هذا العام، حجم الأزمة المالية العميقة للدولة. وأمر الأسد حينها “بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية، سواء كان ذلك بالقطع الأجنبي أم المعادن الثمينة”. ورفع المرسوم العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات بعدما كانت تنص على الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع غرامة مالية. الصرافون المتواجدون ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري توقفوا بشكل كامل عن بيع الدولار ويقول محللون إن الأوضاع المالية لدمشق في حفرة مغلقة ولم يعد أمامها أي منفذ للتحسن بعد انقطاع أكبر مصادر تمويلها مع توقف تهريب العملة الصعبة من لبنان والدعم من طهران الغارقة في أزماتها الخانقة. وكانت تقارير محلية قد تناولت في السنوات الماضية ظاهرة دخول كميات كبيرة من العملة السورية لسحب الدولارات من السوق اللبنانية لتمويل حاجات دمشق. وأعلن مصرف لبنان المركزي في نوفمبر الماضي عن إحباط محاولة 3 صيارفة إدخال عملات نقدية عربية إلى الأراضي اللبنانية لتبديلها في أسواق بيروت إلى الدولار، في إشارة واضحة إلى تهريب العملة السورية بحسب محللين. وأظهرت دراسة نشرها المرصد العمالي للدراسات والبحوث السوري في يناير الماضي عن مدى تأثر الاقتصاد المحلي من تجميد ودائع السوريين في لبنان. وبدأت الآثار النقدية والمالية للأزمة اللبنانية بالظهور بشكل سريع مؤخرا على الاقتصاد السوري خاصة مع القيود المشددة التي وضعها المركزي اللبناني، إلى جانب العقوبات الغربية على دمشق. ولكن الأرقام تشير إلى أكثر مما كان متوقعا، إذ أن إيداعات السوريين الأفراد في المصارف اللبنانية تبلغ حوالي 45 مليار دولار، إلى جانب نحو خمسة مليارات دولار ودائع لشركات ومصارف سورية. وكانت تقديرات سابقة تشير إلى أن حجم الودائع السورية في لبنان لا يتجاوز الثلاثين مليار دولار. بينما لا توجد معطيات دقيقة من المؤسسات المالية الدولية حول ذلك.

مشاركة :