الشيء المدهش أن أرسطو أدرج الدراما ضمن كتب المنطق والتي تصنف تحت (الأرجانون) Organon إلى جوار الخطابة والفلسفة والقياس والبرهان والجدل والمقولات، والأرجانون تعني (الآلة) في اللغة الإغريقية، لهذا صار المنطق عند أرسطو هو آلة العلم، فكلما كان العمل الفني أو الفلسفي أو الشعري محتكماً للمنطق أو بعبارة أخرى منطقياً صار له قبول وتأثير ودهشة, ولكن عندما يختل المنطق في العمل الفني أو الدرامي يصبح مثيراً للاشمئزاز ولا تقبله النفس ويصبح محل تذمر. عندما نمر على مثل هذه المعاني التي أرساها أرسطو من 23 قرناً نعرف يقيناً أزمة أعمالنا الدرامية بشكل أكثر عمقاً تتجلى في غياب المنطق, فكثير منها لا يسير على معايير ولا منطق ولا إقناع لهذا تبدو للمشاهد مبتذلة ورخيصة وتافهة, يراها أقل مستوى فكري مقارنة بفكره, يراها مفككة وغير مترابطة. عندما تقدم للمشاهد مادة أقل منه فكرياً ومنطقياً وثقافياً وفنياً فإنه لا يقبلها ولا تثير اهتمامه ويشعر أنه أهين وقلل من شخصيته, حتى الصغار يشعرون بذلك إذا اختل المنطق في العمل الفني الذي يشاهدونه. المنطق لا يمكن شرحه بسهولة, ولا يمكن تعليمه بتلك البساطة التي يتوقعها البعض, ولكن ليس مستحيلاً لأولئك الذين يرهفون السمع ولديهم عقلية قابلة للتعلم, أما المكابرون فلن يتعلموا أبداً. عندما تكتب سيناريو لعمل درامي (مسلسل, فيلم, مسرحية) فإن أول شيء ينبغي أن تراقبه بشكل دقيق هو منطقية الأشياء في العمل, وليس بالضرورة أن يكون المؤلف لديه الحس المنطقي العالي, ولكن بعد أن يفرغ من عمله يعرضه على أناس متخصصين في المجال الدرامي لقياس مدى منطقية الأشياء وهي مرحلة أولى للتقييم قبل عناصر البناء الدرامي وقبل الميزانية والتجهيزات الفنية والموارد البشرية. النص الدرامي إذا اختل فيه المنطق فلا تتردد أن ترميه في أقرب سلة حاويات, مثله مثل التفاحة الفاسدة التي باتت عناصرها غير فعالة وغير مترابطة ورائحتها كريهة, لهذا يستطيع المتبحرون في تقييم الأعمال الدرامية الحكم على العمل الفني من الصفحات العشر الأولى, واستنادهم في ذلك على المنطق, صحيح أنهم يمرون على الفكرة والحدث والشخصيات والحوار واللغة ولكنهم في ذات الوقت يراقبون مدى ترابط عناصر العمل الفني منطقياً, فإحساسهم العالي بملامح المنطق يمكنهم من إطلاق حكم نهائي على العمل إما عملاً جيداً أو ضعيفاً, أما المشاهد فيحكم من الدقائق الأولى إما يستمر أو يقلب القناة.
مشاركة :