غياب مرجعية موحدة يعطل حسم آلاف القضايا

  • 6/29/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

موافقة المرجعية العليا أو الشارع من جانبه يقول الشيخ السيد مجيد المشعل، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي العلمائي، "إن هناك من يحاول استغلال بعض المشاكل في المحاكم ومعاناة المرأة لإبراز الحاجة إلى صدور الشق الجعفري من قانون الأسرة رغم أن المحورين مختلفان"، في إشارة ضمنية إلى جميع الأطراف الحقوقية والنسوية والدينية من الشيعة أيضاً التي تقف موقفاً إيجابياً من القانون. "المشكلة ليست في عدم وجود الشق الجعفري، ولكن لعدم عمل القضاة ساعات العمل المحددة"، يضيف الشيخ السيد مشعل، مستدركا: "نحن نتعاطف مع بعض الحالات غير المبررة، وليس لدينا استنقاص للمرأة، ولذلك نرى أنه تجب زيادة أعداد المحاكم والقضاة". الشيخ المشعل آخر رئيس لـ "المجلس العلمائي" (إطار 3) يقول: "في حال صدور القانون بشكل منفرد؛ فإن القيادات الدينية الشيعية ستدعو الناس للخروج إلى الشوارع رفضا للقانون الذي يجب أن يأتي بموافقة من المرجعية العليا بالنجف الأشرف". ويؤكد الشيخ المشعل أن قيادات المجلس العلمائي، استعرضت القانون فيما بينها، وتكاد تكون متوافقة في قبول بنوده، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في مجلس النواب الذي سيمر عليه القانون ويقره. إذ سيغدو متحكما فيه، وبالتالي يشترط "العلمائي" الحصول على ضمانات من الحكومة، تتمثل في عدم تعديل القانون إلا بإشراف من القيادات الدينية الشيعية المتمثلة في المجلس العلمائي الذي تستقي منه المعارضة مواقفها. ويستطرد الشيخ المشعل "الأسرة هي الشيء الوحيد الذي بقي لنا بعيداً عن الأهواء الشخصية.. والعلاقات الأسرية أمر حساس للغاية، ويجب أن يُحكم وفقاً للشريعة لأنها ترتبط بالأعراض والإرث". ويضيف "نحن لا نقبل أن يضع رئيس الأوقاف الجعفرية (الشيخ محسن العصفور)، بنود القانون، لأن المرجعية العليا هي مرجعية دينية. لا توجد لنا حالياً أي اتصالات مع الحكومة أو مساعٍ لإقرار القانون.. جلسنا من قبل مع بعض الجهات الحكومية وأكدنا أن أي تغيير يجب أن يكون بإشراف المرجعية العليا بالنجف، مثلما الحال بالنسبة للشيعة في الكويت الذين لم يقبلوا أن يكون القانون تحت إشراف البرلمان، فما هو موقع البرلمان فقهياً وشرعياً حتى تكون لديه سلطة في الأمور الدينية"؟ رسميو الشيعة يدعمون ولكن طرفاً في الشارع الشيعي ذاته، متمثلاً في مجلس الأوقاف الجعفرية التابعة لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، له وقفة مضادة لرأي الشيخ المشعل. إذ يرى المجلس أنه "آن الأوان لإصدار هذا الشق الذي مازال عالقاً، ودعا الإعلام والمنابر ومؤسسات المجتمع المدني إلى القيام بحملات توعية لإزالة أي ملابسات أو مخاوف قد تعتري البعض إزاء إصدار هذا القانون". ويؤكد رئيس الأوقاف الجعفرية الشيخ محسن العصفور، أن إصدار الشق الجعفري من قانون أحكام الأسرة "بات ضروريا لا يقبل المماطلة"، مؤكداً دعمه اللامحدود لتحركات النواب والمجتمع المدني وكل الساعين إلى إنصاف المرأة البحرينية. ويعرب الشيخ العصفور عن استغرابه من حديث "معرقلي القانون" عن "ضمانات مقابل إقرار القانون فيما يتغاضون عن معاناة المرأة البحرينية ذات المصير المعلق في المحاكم الجعفرية منذ سنوات". في مجلس الأوقاف نفسه، يوجه بعض الأطراف (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) الاتهام لرجال دين شيعة بعرقلة إقرار القانون من أجل استمرار نفوذهم وسيطرتهم على القرارات الدينية المتعلقة بالطائفة. وعبّرت هذه الأطراف عن استغرابها من الإصرار على رفض القانون دون إبداء أسباب مقنعة، والتلويح بتنظيم مظاهرات في الشوارع والدفع بالنساء جبراً حتى يقلن إنهن ضد القانون لأنه مخالف للشريعة الإسلامية. يرد الشيخ المشعل توصيف المناهضين لأحكام الأسرة الجعفري بذوي النفوذ، بالقول إن القيادات الشيعية لا تسعى وراء نفوذ شخصي، واصفاً إياهم بـ "الزاهدين في الحياة". ولم تشأ س (32 عاما) أن تعرج كثيرا على تفاصيل معاناتها مع زوجها أمام المحاكم الجعفرية، نظراً لأبعاد أسرية ودينية، فتكتفي بالإشارة إلى تعرضها للإجبار من بعض رجال الدين للتظاهر عام 2006 وهي تحمل كفنها، في مسيرة احتجاج ضد إقرار الشق الجعفري باعتباره (مخالفا للشرع)، مستذكرة المظاهرة الكبرى التي خرجت فيها أعداد كبيرة من النساء الشيعيات للإعلان عن تضامنهن مع رأي رجال الدين الرافض للقانون. بوجه تكسوه ملامح الحزن تقول: هذا هو العذاب بعينه، عندما تتظاهر وتحمل كفنك لرفض قانون سوف ينقذك، لقد أجبرت أن أقول (لا) للقانون ولكنني أشعر اليوم بالغصة. الشيخ المشعل ينفي مجدداً هذه الرواية قائلاً: الناس خرجوا بإرادتهم. الاتحاد النسائي : كفتان لا تتساويان يؤكد مكتب الدعم الأسري والقانوني بالاتحاد النسائي البحريني ارتفاع حالات النساء المتعرضات للعنف الأسري ممن لديهن قضايا في المحاكم الجعفرية، وانخفاض تردد الكثير من الحالات من الشق السني بعد صدوره. واهتم الاتحاد النسائي (المؤلف من ممثلات من الجمعيات النسائية البحرينية) بتشكيل مكتب للدعم الأسري والقانوني في سبتمبر 2008، ليستقبل - بالتعاون مع جمعيات أهلية وجهات رسمية - كافة النساء المتضررات. فخرية شبَّر، الأخصائية في المكتب، تقول إن الكثير من النساء يعانين عدم أقرار الشق الجعفري، الكثير منهم متضررات ومعنفات من عدة نواحٍ، وهناك الكثير من الحالات مازالت تتذوق مرارة العذاب جراء سنوات الانتظار. ساردة قصة امرأة ملّ زوجها عشرتها، فطلب إليها رفع الدعوى ودفع كافة مصاريف الزواج والمهر والتنازل عن الأبناء، على الرغم من أنه هو من يريد الطلاق، واستمرت القضية ست سنوات في المحاكم الجعفرية وذلك لعدم قدرتها على تسديد المبالغ الذي طلبها منها. ارتباك محامين تؤكد المحامية ريم مدن، أنها ترافعت خلال 2014 عن أربع قضايا شرعية، اثنتان منها للقضاء السني واثنتان للجعفري، فلم يستغرق صدور الأحكام وفقا للقضاء السني سوى أسابيع قليلة لأن القاضي يبت في الطلاق سريعاً إذا أصرت الزوجة بأنها لا يمكن أن تعيش مع زوجها، في حين أن القضيتين في المحاكم الجعفرية ما زالتا عالقتين لعدم وجود نصوص واضحة. وتعود صليبيخ للقول إن عدم المساواة بين النساء في البحرين "يتناقض مع الدستور الذي ينص، بما لا يدع مجالاً للبس، بأن الجميع متساوون أمام القانون". صليبيخ بدأت بالامتناع عن الترافع في القضايا الجعفرية بسبب ضبابية الإجراءات، إذ تقول: "كنت أترافع عن إحدى الموكلات في قضية مخالعة، وانسحبت من القضية بعد مرور سنتين رفضتْ خلالهما المحكمة الجعفرية النظر في القضية أساسا". وتتابع "مع الأسف، المحاكم الجعفرية لا تنظر إلى الضرر المعنوي الذي يلحق بالمرأة نتيجة تصرفات زوجها غير الأخلاقية مثلاً، أو انقطاعه عنها لسنوات وسنوات، وإنما تنظر فقط في حالات الضرر المادي". "قضاة المحاكم الجعفرية يحكمون بين الناس اليوم من دون قانون"، هذا ملخص ما قاله المحامي سامي سيادي، الذي يشير إلى "غياب قاعدة شرعية استرشادية ضمن إطار قانوني يسترشد فيها المتعاملون في قضايا في المحاكم الشرعية، وعلى رأسهم القاضي الذي يفترض أن يقضي بين الناس بالعدل". تقوي: الصدور حتمي رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب سابقاً، وعضو الشورى حاليا سوسن تقوي تشير إلى أن الاقتراح بقانون الذي قدمته مجموعة من النواب بشأن إصدار قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري) جرى تسليمه لمكتب رئاسة مجلس النواب في ديسمبر 2013، ومن المفترض أن يسير طلب الاقتراح بقانون وفقاً للأصول الدستورية والقانونية المعمول بها، لكنها أضافت أن حركة إصدار هذا التشريع المهم بطيئة جداً. ويمكن للبرلمان اقرار القانون سريعا مثل قضايا أخرى لم تستغرق أشهراً قليلة، ولكن البرلمان لا يريد فرضة على "فئة" من المجتمع. تصريحات صدرت عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار سالم الكواري، نشرتها الصحافة في 30 أبريل 2015، يقول فيها إن إصدار الشق الجعفري من قانون الأسرة "بات أمرا ملحّاً لتحقيق رقابة أفضل من محكمة التمييز"، ويضيف أنه "يأمل في إصدار قانون موحد للطائفتين" وأضاف أن الخلاف بين الشقين لا يتجاوز الـ 5%، لافتاً إلى "نتفق على 95 % ونخرج بقانون موحد يؤكد اللحمة الوطنية". خلال إحدى جولاتنا في المجلس الأعلى للقضاء، وقف محام مصري يتحدث مع امرأة شيعية معنفة تأخذ رأيه في قضيتها، رغم أن القانون البحريني يشترط على النساء توكيل محامين بحرينيين فقط في القضايا الشرعية، التفت المحامي إلى معد التحقيق وقال بصوت مرتفع: "اعملوا شيئاً لهؤلاء النساء... هذا ظلم حقيقي وذل لا يرضى به الله.. الكشوفات تقول إنهن أكثر من 10 آلاف". أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) www.arij.net وبإشراف الزميل غسّان الشهابي. إطار - 1 يشير موقع جهاز المساحة والتسجيل العقاري الرسمي إلى أن "الديانة الرسمية في البحرين هي الإسلام. يشكل المسلمون 81.2 % من عدد السكان بالإضافة إلى 9 % (مسيحيون)، و9.8 % من الديانات الأخرى (كاليهودية والهندوسية والبهائية والسيخ)". ولا توجد أرقام رسمية لنسبة الشيعة والسنة بين المسلمين في البحرين. ويبلغ سكان البحرين بحسب تقديرات 2014 الصادرة من الجهاز المركزي للمعلومات مليوناً و314 ألفاً و562 فرداً. إطار - 3 الخلع تم تطبيق قانون الخُلع منذ العام 2009، وقد أجاز للمرأة طلب خلع زوجها (أي طلب الطلاق منه) إذا كان هناك علل أو ضرر أو شقاق وعدم إمكانية إصلاح الوضع بين الزوجين للغياب والفقدان وعدم الإنفاق. يتضمن قانون أحكام الأسرة (السني) في شأن الخلع مادة (97) الطلاق الخلعي في الأحكام الجعفرية السائدة حاليا: الطلاق الخلعي: ويكون هذا الطلاق في مقابل بذل مال (عقار أو منقول) أو منفعة لها قيمة من الزوجة للزوج نظير أن يطلقها. الطلاق على بذل مال: وفي هذه الحال تتفق الزوجة مع زوجها على أن تعطيه مالاً معيّناً أو منفعة لها قيمة مالية نظير أن يطلقها طلاقاً عادياً ليس خلعياً، فيكون الطلاق رجعياً أو بائناً حسب الأحوال ويبدو أنه لو رجع الزوج في العدة كان للمرأة حق الرجوع فيما بذلته له من مال. إطار - 4 المجلس الإسلامي العلمائي المجلس الإسلامي العلمائي هيئة إسلامية علمائية شيعية بحرينية، مهمته الاهتمام بشؤون المجتمع على المستوى الفردي والاجتماعي، وفق رؤية إسلامية شرعية شاملة ومتكاملة. تأسس في ٢١ أكتوبر 2004، وفي أدبياته، فإنه المجلس الإسلامي العلمائي المحافظة على وحدة المجتمع وخدمته، والمحافظة على الهوية الإسلامية للأمة من الطمس والتشويه والدفاع عنها أمام جميع أشكال الغزو الثقافي، وتنمية الوعي الإسلامي الشامل للمجتمع، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، والإسهام في بلورة رؤى الإسلام، ونشرها وتركيزها في وعي ووجدان وسلوك المجتمع، وخلق الشخصية الإسلامية الرسالية الهادفة المؤهلة لحمل الرسالة ونشرها، والعمل على تصحيح الرؤى والأفكار والسلوك والقيم المنحرفة في المجتمع، ورعاية الواقع العلمائي في مختلف أبعاده ومنها البعد الروحي والعلمي والعملي وتحريكه لأداء دوره على أكمل وجه وتوفير الإمكانات المساعدة على أداء هذا الدور. في يوم الاثنين، 16 سبتمبر 2013م، رفعت وزارة العدل البحرينية دعوى قضائية لإيقاف أنشطة "المجلس الإسلامي العلمائي" وتصفية أمواله وغلق مقرّه، معتبرة أن المجلس "تنظيم غير مشروع" وأنّه يُمارس "نشاطاً سياسيّا بغطاء ديني طائفي"، وفي ١٥ يونيو من عام ٢٠١٤ صدر قرار من المحكمة البحرينية بحل المجلس الإسلامي العلمائي وإغلاق مقره. إطار - 5 أحوال الشيعة في الكويت المحامي محمد ذعار العتيبي يقول إن الدستور الكويتي كفل في مادته الخامسة والثلاثين حرية الاعتقاد واعتبرها من الحريات المطلقة التي لا يجوز تقييدها، كما كفل حرية ممارسة الشعائر الدينية وفرض على الدولة حمايتها وقيدها بقيد مطابقة العادات المرعية وعدم الاخلال بالنظام العام. كما ينص قانون الأحوال الشخصية الحالي رقم 51 لسنة 1984 بمادته رقم 346 بفقرتها الأولى على استحقاق من لا يتبع مذهب الإمام مالك بأن تطبق عليه أحكام مذهبه الخاصة . كما اشار العتيبي بأنه توجد على وجه العموم مشكلتين تواجهان المذهب الجعفري في الكويت، وهي عدم وجود قانون للأحوال الشخصية وفقا للمذهب الجعفري. إطار - 6 القانون في المحافل الدولية أوصت لجنة اتفاق مناهضة التمييز ضد المرأة (سيداو)، في 14 نوفمبر 2008، بضرورة إسراع البحرين في إصدار قانون أحكام الأسرة، وتنفيذ حملات التوعية في أوساط المجتمع لتحقيق الاستقرار الأسري، وذلك وفقا للبند 38 من الاتفاق الذي وقعته البحرين. وفي سبتمبر 2013، أبدت منظمات حقوقية عالمية دعمها سن الشق الجعفري، خلال مشاركة وفد جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان بجلسة البحرين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، ومن إحدى توصيات المراجعة الشاملة لمجلس حقـوق الإنســان التابــع للأمــم المتحدة أيضــا، إصدار قانــون ينظــم الأحــوال الشخصيـة في البحرين.

مشاركة :