ينبغي تصنيف جنوب السودان باعتبارها الدولة الأكثر فشلاً في قارة إفريقيا، إلا إذا أخذنا في الاعتبار أنه لم يصل عمرها إلى أربع سنوات. ووصل الصراع السياسي والإثني بين الرئيس سيلفا كير ونائبه ريك مشار إلى أكثر حروب إفريقيا توحشاً، والأكثر قساوة وحماقة في القارة الإفريقية، والتي تطورت إلى حالة لا ترحم أبداً. وتناول تقرير نشرته صحيفة ذي تايمز الأسبوع الماضي الأعمال الوحشية التي لا توصف ضد الأطفال والمدنيين. وذكرت الصحيفة أن أكثر من 1.5 مليون شخص أجبروا على الهرب من منازلهم، وكيف أن نصف تعداد السكان البالغ 12 مليوناً يواجهون خطر الجوع، وغالباً لا يستطيع عمال الإغاثة الوصول إليهم عبر مناطق القتال. والأمر الذي يجعل هذه الكارثة الواقعة في جنوب السودان أكثر إثارة للذهول أن هذه الدولة كانت تعتبر نصراً للسياسة الخارجية الأميركية. وخلال الحرب الأهلية الطويلة والدموية بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة السودانية في الشمال، قام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وعدد من أعضاء الكونغرس بدعم جنوب السودان الذي معظم سكانه من المسيحيين، إضافة إلى قبائل وثنية في الجنوب ضد المسلمين في الشمال، ولعبت إدارة بوش دوراً أساسياً في المفاوضات التي أدت إلى اتفاق سلام عام 2005، نجم عنه استقلال جنوب السودان في يوليو 2005. وأصبح الرئيس بوش مقرباً شخصياً من الرئيس كير. وبدأت تتكشف المتاعب في ديسمبر عام 2013 عندما اتهم كير وهو من قبيلة الدينكا نائبه مشار من قبيلة النوير بالتآمر عليه للإطاحة به. وعندها أخذت القبائل بالاصطفاف إلى جانب أحد الرجلين. ولم ينقض زمن طويل قبل أن تغرق دولة جنوب السودان التي تعتبر الأصغر عمراً من بين دول العالم، في الفوضى. ويعاني اقتصاد البلد من انحدار عمودي، على الرغم من جميع محاولات حفظ السلام في جنوب السودان. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يهتم كثيراً بالقدر نفسه الذي كان عليه بوش، إلا أن إدارته بذلت جهوداً كبيرة لجلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات. ولكن الحرب انفلتت من سيطرة واشنطن واستمرت بصورة مجنونة متحدية كل الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لوضع حد لها.
مشاركة :