كان أحد المسلسلات التي استحوذت على اهتمام المشاهدين خلال شهر رمضان الكريم، وقد تابعت أغلب حلقاته التي نقلتني إلى فترة سمعت وقرأت عنها في صغري، كونها إحدى أهم المراحل الاجتماعية والاقتصادية والتجارية التي ربطت بين الهند ودول المنطقة، وخاصة عمان والبحرين والكويت خلال فترة العشرينيات إلى الأربعينيات من القرن الماضي.استطاع القائمون على المسلسل من مخرجين وممثلين وممثلات أداء أدوارهم بكل اقتدار، ما جعلنا نتعايش مع تلك الفترة التي لم نعاصرها عندما هاجر كثير من مواطني دول المنطقة إلى الهند، وخاصة مدينة «بومباي» ويطلق عليها الآن الاسم الجديد «مومباي» طلبا للرزق والتجارة وفرص العمل والعلاج والدراسة، وبعضهم أقام بها إقامة دائمة وهناك الكثير من بيوتات العوائل الخليجية كانت ومازالت محفورة في وجدان الأشخاص الذين عاصروا تلك الفترة من هنود وخليجيين. صرح الفنان الكويتي الكبير محمد المنصور بأن تجربته في المسلسل الذي يخوض به الماراثون الدرامي الرمضاني، شديدة الأهمية وأنها تجربة درامية تلفزيونية رفيعة المستوى، وانه سعيد بالتعاون مع الفنان القدير سعد الفرج والنجوم جاسم النبهان وهيفاء عادل وخالد أمين وجيل الفنانين الشباب الذين يشكلون ذلك الهارموني؛ للمضي بالعمل إلى آفاق التميز، منهم بثينة الرئيسي وحسين المهدي وحصة النبهان ومنى حسين وعبدالله بهمن وقال: «إن شخصية شهاب التي أجسدها في المسلسل هي رسالة في غاية الشفافية لأبناء وأحفاد تلك الشخصيات الشريفة التي ظلت تعمل بكرامة من أجل ممارسة حرفتهم».واعتبر منتج العمل المخرج عبدالله بوشهري، أن المسلسل أضخم إنتاج تلفزيوني خليجي لعام 2020، ويمثل تجربة إضافية لرصيد الدراما الكويتية والخليجية.يناقش المسلسل الاجتماعي والرومانسي المكون من 30 حلقة بعض القضايا الاجتماعية والتجارية في تلك الحقبة الزمنية، منها تهريب الذهب بين الكويت والهند وصراع التجار في أربعينيات القرن الماضي، وتشمل موضوعات وشخصيات مختلفة، وتدور حول حقائق مخفية عن ماضي الناس، وتدور أحداثها في سفينة النواخذة شهاب، وفي الكويت حيث تعيش زوجته فوزية وبناته الثلاث «موزة، مريم، ومنيرة» والتي تخفي سرا أو لعنة تؤثر على نساء العائلة فقط وورثتها من والدتها وستنقلها إلى بنتها مريم وهناك أسرار والغاز قديمة ستظهرها سلطانة التي تعمل خادمة في بيتهم لتصلح خطأ قديما دام أكثر من 30 عاماً، وكما نتعرف على أحداث شارع محمد علي وعلاقة شهاب وصديقه التاجر الكويتي الكبير عبدالوهاب والذي يغدر بشهاب بعد أن تعرض عبدالوهاب للإفلاس وقراره تهريب الذهب، وتعامل مع تجار أقل شأنا لتسهيل التهريب مثل التاجر مشاري المجدمي، وهو شريك شهاب الذي لا يعلم أن مشاري يهرب الذهب، وهناك أحداث مثيرة تظهر العلاقات الطيبة من قيم الأمانة والوفاء والصداقة، والسيئة من انتقام وتشفٍ وغدر في عالم التجارة، وقصة الشاب الطموح حسين الذي يرعى والدته وأخاه الصغير عبدالله منذ وفاة والده وهو رئيس البحارة ومساعد نواخذة السفينة التي سيبحر فيها شهاب إلى الهند، والتي ستكون رحلته الأخيرة. كما يتطرق المسلسل إلى قصة الفتاة الجميلة نجلاء ابنة عبدالوهاب التي لم تزر الكويت، وتقع في حب حسين ويعيشان قصة حب، ولكن وفاة والدتها في حادث يؤدي إلى تغير حياتهما للأبد، وكان من المفترض تصوير المشاهد الخاصة بالهند هناك، إلا أن بسبب تفشي مرض كورونا، وإغلاق المطارات تقرر بناء ديكورات خاصة بالمشاهد وتصويرها في الكويت.تبادل العديد من المشاهدين بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات على المسلسل مثل: اعتذار المخرج مناف عبدال وتلفزيون الكويت عن الخطأ غير المقصود من قبل الفنانة فاطمة الحوسني التي خلطت بين اسمي النبيين يوسف ويونس عليهما السلام في أحد مشاهد المسلسل ونفي المخرج بأن المسلسل مس سكان جزيرة فيلكا الكويتية بقيام أحد شخصيات المسلسل بإثارة استياء شديد بين النشطاء الذين اعتبروا أن تجسيد هذه الشخصية هو إساءة إلى فئة من مكونات المجتمع الكويتي. وقد لعبت الفنانة هيفاء عادل هذا الدور المثير للجدل بكل اقتدار، وهو دور سيدة من الجزيرة تترك ابنها وتتوجه إلى منطقة أخرى في الكويت للعمل كخادمة لدى إحدى عوائل التجار الثرية وهي عائلة النواخذة شهاب. وقد أدى اسم محمد علي رود الى التباس لدى غالبية المشاهدين، بأن الشارع الذي تدور فيه الأحداث والموجود في مدينة «مومباي» وكان ملتقى التجار والنواخذة والطواشين والزوار والسواح العرب، وخاصة الخليجيين بأنه نسبة الى السيد محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان أو الوالي محمد علي باشا والي مصر، والصواب أنه نسبة إلى السيد محمد علي جوهر، الذي لم يأخذ حقه في الإعلام العربي وسوف أذكره في المقال التالي. نشر الأخ العزيز الأستاذ عبدالنبي الشعلة منذ أسبوعين مقالين في صحيفة «البلاد» عن المسلسل وتاريخ محمد علي رود ووصفه بطريقة شاملة ومشوقة ودقيقة، ما دعاني إلى الاتصال به هاتفيا وشكره على المقالين وما احتوياه من معلومات قيمة، ومعاتبته لأنه لم يترك لي وللآخرين مجالا للكتابة عن المسلسل والشارع المشهور. وكما نشر الأخ العزيز الدكتور عبدالله المدني مقالا ممتعا ووثائقيا عن شارع محمد علي في صحيفة «الأيام» في عام 2014، وذكر أسماء التجار ونواخذة الخليج الذين ارتبط اسمهم بهذا الشارع والشارع الآخر «ناجديفي ستريت» وذكر أن الباحث والمؤلف الكويتي الأستاذ خالد عبدالرحمن العبدالمغني ذهب شخصيا إلى «بومباي» للاطلاع عن كثب على أماكن إقامة وعمل الرعيل الخليجي الأول في الهند، وجمــع ما يدل على ذلك من رسائل ووثائق ومستندات، وحينما عاد من رحلته الاستكشافية المضنية نشر ثمار عمله الميداني في دراسة نشرتها صحيفة «القبس» الكويتية على حلقات في مايو 2013.لذا، سوف أكتفي بنقل خواطري عن المسلسل الذي احتوى كثيرا من الغموض رغم أن فكرة المسلسل جميلة وواقعية لولا المبالغة في أغلب أحداثه. وقد أظهر المسلسل الكثير من العادات والموروث الخليجي والهندي بشكل جميل، لكن قبل ذلك لا بد أن أذكر أن هذا المسلسل حقق رغبة في نفسي وفي نفس بعض الإخوة والأخوات من رجال وسيدات الأعمال الذين كانوا ضمن الوفد الذي زار جمهورية الهند بدعوة كريمة من سعادة الدكتور حسن عبدالله فخرو وزير الصناعة والتجارة السابق خلال الزيارة التاريخية لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في عام 2014، وخلال تلك الزيارة أبدى الأصدقاء الهنود من مسؤولين وأفراد اهتماما منقطع النظير بزيارة جلالته والوفد المرافق في جو ساده الاحترام والمودة، ما جعلنا نتبادل الأحاديث الودية عن العلاقات الخاصة بين البلدين الصديقين بشكل خاص وبين دول المنطقة بشكل عام في الماضي والحاضر، وتطرقنا إلى السفرات التي قام بها الآباء والأجداد من خلال الأحاديث التي نقلوها إلينا أو سمعنا عنها، وكنا نتساءل فيما بيننا، لماذا لم يتم توثيق هذه العلاقات المميزة من خلال عمل سينمائي مشترك لتلك الحقبة الزمنية التي أظهرها المسلسل، والتي عرفت بوجود الكثير من العوائل العربية، وخاصة الخليجية في بعض المدن والمواني الهندية وبعض تلك العوائل سبق وجودها حقبة المسلسل بقرن من الزمن، والذي أدى إلى ألفة وتواصل مع العوائل الهندية من مختلف الأعراق والطوائف في مجالات عديدة ومنها: التجارة والثقافة والزواج والسياحة والصداقة والعلاج وقصص النجاح والثقة المتبادلة بين الهنود والتجار والنواخذة وملاحي السفن الشراعية الخليجية والعمانية المصنوعة محليا من الخشب والمعروفة بأسماء «البوم والبغلة والبتيل» الذين كانوا بكل فخر ربابنة الخليج والمحيط الهندي. فقد استطاعوا ربط مدن وسواحل الخليج والمحيط الهندي ببعضها بكثير من المهارة والخبرة المكتسبة، رغم عدم توافر أجهزة الرصد الحديثة في تلك الأوقات ووصلت سفنهم إلى: مومباسا، نيروبي، دار السلام، زنجبار، مدغشقر، جزر القمر، ساحل أسمرا في إريتريا ووصلت السفن العمانية إلى جاوة في إندونيسيا والملايو في ماليزيا ومدن فطاني في تايلاند وكانتون في الصين، وتستغرق عادة رحلة الإبحار إلى بومباي حوالي أسبوعين. وعند إضافة مدة المكوث وتصريف وشراء البضائع والانتظار حتى هبوب الرياح الموسمية في الاتجاه المعاكس وهي مهمة للسفن الشراعية فإن الرحلة بمجملها تستغرق ثلاثة أشهر، ما مكن البعض من السفر مرتين في السنة مع الأخذ بالاعتبار نوعية السفن والأحوال الجوية ومهارة وخبرة النواخذة «القبطان» في الملاحة والبحارة العاملين معه ونوعية الحمولة وما يتعرضون له من شقاء وتعب وأمراض وقرصنة ورياح وعواصف وضباب وكوارث، وكما توافرت سفن حديثة وسريعة تعمل بالبخار وبعدها بسنوات تعمل بالديزل، ما سهل السفر بين دول الخليج والهند. yousufsalahuddin@gmail.com
مشاركة :