عبد اللطيف الزبيدي هل يمكن أن يمر الشهر الفضيل ولا نتذكر الإنشاد الديني؟ يعاودك الحنين إلى التفكير فيه كظاهرة لم تقبل قط التطوير. يحتاج المرء إلى أن يوظف دماغه كما لو كان مركز بحث علمي متخصص في الموسيقى عامة، والإنشاد الديني تخصيصاً. بعملية تفكيكية، يصبح فهم القضية يسيراً: المنطلق هو أن الإنشاد الديني لا يملك من حصانة المقدسات ولا حتى قطرة واحدة من مياه الكوكب. خذ الأمور ببساطة. أيّ عمل من هذا القبيل فيه ما في الأغاني من عناصر. بالجملة، نص شعري أي كلمات، وجانب موسيقي فيه لحن في مقام معين وأداء بالحناجر، والآلات الموسيقية، الوترية والنافخة، أو من دونها، وآلات ضبط الإيقاع، وغير ذلك من التنويعات. باستثناء مؤلفات الموسيقى الروحية بالأوركسترا من دون نصوص وأصوات بشرية. هل الصورة واضحة؟ الآن، عند نقد النص المستخدم في الإنشاد الديني، نتناوله كتقنيات وجماليات وسلامة لغوية ومُكنة أسلوبية وقدرات تعبيرية، ومفردات وجمل مناسبة للأداء الموسيقي، تماماً كما لو كان النص غزلاً أو حماسة أو حبّاً للأبوة والأمومة والوطن والطبيعة إلخ. إذا كان النص متردياً أو نطيحاً أو غثاء سيل الرداءة، فلا يشفع له كونه مكتوباً للمدائح والأذكار. بالعكس، فأسوأ قلة الأدب أن يُخاطب بديع السماوات والأرض، ويُخاطب خاتم النبيين، بغير سحر البيان. تخيل نشيداً في تمجيد القرآن، مفعماً بالأخطاء اللغوية وركاكة التعبير. شناعة فعلها المطرب «كريم» العام الماضي في المولد النبوي، أطلق أغنية يخاطب فيها الرسول: «يا أغلى هدية من ربّي..يا متأدب ومتربّي». من شواهد حرية التعبير أنه لم يُكافأ بدرس في التأديب والتربية. المهزلة الأخرى، هي الجانب الموسيقي. صحيح أن الكثير من ألوان الإنشاد الديني استخدمت الوتريات والنافخات، لكن فِرقاً شتى في البلدان العربية انطلت عليها مسألة تحريم الآلات الموسيقية، ذلك منذ قرون بعيدة، في حين أن ظاهرة تحريم الآلات يهودية في الأساس قطعاً، وانتقلت إلى الإنشاد الجريجوري المسيحي. لكن الغرب أدخل الآلات إلى الإنشاد الديني، وألف آلاف الأعمال الروحية بلا كلمات. بل إن اليهود أبطلوا تحريم الآلات منذ القرن السابع عشر. وظل بعضنا على الخط. لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفية: لدينا بضع قمم مثل ولد الهدى، نهج البردة، سلوا قلبي (شوقي، السنباطي، أمّ كلثوم)، ثم سنة ضوئية نزولاً. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :