هل ينجح الكاظمي في مغامرة الإصلاح التدريجي؟ | | صحيفة العرب

  • 5/21/2020
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

يسعى رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي إلى السير في طريق سياسي مغاير لمن سبقه من رؤساء الحكومات، بطرحه استراتيجية تقوم على تقديم شيء جديد للعراق قوامه الإصلاح التدريجي بدل إضاعة الوقت في التسلح بشعار التغيير الجذري لإسقاط عقيدة سياسية تمكنت في العراق خلال العقدين الأخيرين. ويحاول الكاظمي، للمضي قدما في تنفيذ خطته هذه، توظيف ما حققه من قبول دولي علاوة على ما يبدو من شعبية نسجها داخل الشارع العراقي المحتج. يتحرّك رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي بحذر لإجراء إصلاح تدريجي لإنقاذ البلد مما أفرزته الطبقة السياسية المتناحرة على السلطة طيلة عقدين تليا سقوط النظام السابق الذي قاده صدام حسين. ويحاول الكاظمي من أجل تطبيق خطته الطامحة لإرضاء الشارع المحتج الاعتماد على ما حققه مؤخرا من نجاح بعدما أحاط نفسه نسبيا بنوع من القبول الدولي والإقليمي لقيادة العراق في المرحلة القادمة، لكن الوضع السياسي الشائك في البلاد يضع الكاظمي مستقبلا أمام تحديات كبرى سيواجه فيها أهم خطوة تتعلق بالإصلاح التدريجي. وتركز الاستراتيجية التي يقدمها الكاظمي لاستعادة ثقة الجمهور على إصلاح النظام الانتخابي وإصلاح قانون الأحزاب السياسية والانتخابات المبكرة. وبينما يبقى القانون الانتخابي مسألة برلمانية، يأمل رئيس الوزراء في تشكيل لجنة لتوجيه العملية التي ستشمل نشطاء بارزين في المجتمع المدني. إقامة التوازن رغم هذه الاستراتيجية الطموحة، فإن مواجهة رئيس الوزراء العراقي لأزمة داخلية مستفحلة ومزدوجة كان سببها الأساسي تناحر الأحزاب السياسية على السلطة وخاصة إقدام الأحزاب الشيعية على رهن القرار السياسي في البلاد للنظام الإيراني، تطرح السؤال في الشارع العراقي، هل سينجح الكاظمي في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر؟ وعلاوة على الحلول التي يجب عليه تقديمها للشارع الذي خرج للاحتجاج بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة أو للثورة على نظام سياسي طائفي طيلة عام 2019، فإن الكاظمي تعترضه أيضا عقبات عدة من أهمها كيفية احتواء وحدات الحشد الشعبي الموالية لإيران وكذلك الخروج من الحرب على كورونا بأخف الأضرار وتأمين البلد من عودة تهديدات داعش. ويراهن الكاظمي على دعم الرئيس برهم صالح الذي سيعمل معه، حيث ساهم الرئيس العراقي في إيقاف مسيرة بعض المرشحين السابقين لمنافسة الكاظمي على رئاسة الوزراء. وقطع برهم صالح الذي كان منذ البداية داعما للكاظمي الطريق أمام مرشّح ائتلاف الفتح المرتبط بقوى الحشد الشعبي الشيعية الطائفية القوية، محافظ البصرة أسعد العيداني الذي كان المحتجّون يكرهونه. وسلط تقرير صارد عن مجلة “فورين بوليسي” الأميركية الضوء على أهم الأولويات المطروحة على طاولة الكاظمي في قادم الأيام، كاشفا خطورة ما ينتظر العراق من أزمات خطيرة قد تغرقه مجددا في الفوضى. ويقول ريناد منصور في مقاله بالمجلة الأميركية، “رغم السيناريو الرهيب الذي ينتظر العراق، فإن رئيس الوزراء الجديد ليس ثوريا ليُصلح النظام ولا رجلا قويا فيحكم قبضته على السلطة. بل إن الكاظمي سيسعى، بدلا من ذلك، إلى إصلاح تدريجي داخل النظام الحالي حيث تكمن رؤيته في إقامة توازن جديد بين الإصلاحات والوضع الراهن”. وبحسب التقرير الأميركي لا يعدّ الكاظمي أول رئيس وزراء جديد يَعِد بإصلاح شامل. ولذلك فإن أيامه الأولى في منصبه من المؤكد أنها بينت له لمحات عن التحديات التي سيواجهها وقدّرت له فرصه في التغلب عليها. وتستند استراتيجية الكاظمي على وجوب إقناع المتظاهرين بأنه يمثل صوتهم بعدما فقدت ففي السنوات الأخيرة الحكومة العراقية الكثير من شرعيتها بعد أن خسرت المصداقية التي كانت تمكّنها من التحدث نيابة عن ناخبيها. وتأكدت رؤية الكاظمي الجديدة بعدما أشاد بقائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبدالوهاب الساعدي. وكان رئيس الوزراء السابق، عادل عبدالمهدي، قد أقال الساعدي من منصبه في سبتمبر 2019، مما أخرج المتظاهرين ليطالبوا بإعادته إلى منصبه. وفي السياق نفسه أصدر رئيس الوزراء الجديد، عندما قتلت جماعات مسلحة متظاهرا في البصرة في الأسبوع الأول من توليه منصبه، بيانا طالب فيه بالتحقيق في جميع حالات قتل المتظاهرين وسجنهم، وقال إنه سيشكل لجنة للتحقيق في استهداف المتظاهرين.لكن السؤال الذي يثير المحللين والعارفين بخبايا المشهد السياسي المتمرس في الحكم في السنوات الأخيرة يتمحور حول هل سيستطيع الكاظمي تحويل هذه الإجراءات الرمزية إلى تغيير حقيقي؟ رسائل سياسية تتراكم الإشارات السياسية الهامة التي تشي بأن رئيس الوزراء الجديد سيصر على المضي قدما في ترسيخ عقيدته السياسية الجديدة، حيث أظهرت مفاوضات تشكيل حكومته أنه بدا مستعدا لخوض طريق يترجم مطالب الاحتجاجات الشعبية وعامّة السكان بدلا من الأحزاب السياسية. كما أظهر في جل إطلالته بأنه ذاهب إلى التغيير في محاولة لقبر السياسة العراقية التقليدية القائمة على المحسوبية أين تعمد الأحزاب السياسية للسيطرة على الوزارات لضمان المكافآت والسلطة الاقتصادية. وترجم الكاظمي هذا التوجه، حين تقدم اختياراته وترشيحاته للحقائب الوزارية إلى الأحزاب للموافقة أو الاعتراض عليها، كما أنه لم يوافق رؤساء الأحزاب إلا على المرشحين الذين يتميزون بالكفاءة. ولم يؤمّن الكاظمي في البداية سوى 15 من أصل 22 وزيرا، وخسر العديد من الحلفاء المقربين الذين أرادهم في حكومته في البداية. وانتظرت بعض الأطراف حتى اللحظة الأخيرة لفرض تنازلات، لكن رغم ذلك حرص الكاظمي على أن يترأس جنرالات أكفاء معروفون بانضباطهم ولم يشاركوا في الاقتتال السياسي وزارتي الأمن أي الدفاع والداخلية. ولم تعد وزارة الداخلية في قبضة وزير من منظمة بدر وهي جماعة مرتبطة بالحشد الشعبي. وبدلا من ذلك، أصبحت تحت قيادة جنرال عسكري متمرس، عثمان الغانمي، الذي لا يزال عليه أن يعطي لمنظمة بدر بعض الضمانات للحصول على المنصب. وسيُكلّف الغانمي بالإشراف على التحقيق في الجماعات التي هاجمت المتظاهرين من داخل الوزارة، وهو ما سيختبر التزامه بالعدالة الشاملة. وفي هذا الصدد، سبق أن كشفت مصادر دبلوماسية لمراسل “العرب” في بغداد أن ملف الحشد الشعبي والسيطرة عليه، سيكون من بين أهم بنود مفاوضات العراق والولايات المتحدة المنتظرة الشهر القادم، حيث سيعاد رسم ملامح العلاقة بين البلدين، بعد مرحلة من الشد والجذب. وتقول مصادر إن تحركات الكاظمي تترجم خطته لـ”الاحتواء البارد” لمراكز التوتر في البلاد، وعلى رأسها ملف الحشد الإشكالي، الذي يشاع على نطاق واسع أن العديد من فصائله الضاربة تأتمر بأوامر إيران طيلة حقبة ولاية رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي. ويتحدث أعضاء في فريق الكاظمي عن نية تفكيك قيادة الحشد الشعبي الحالية، عبر تحويل فالح الفياض إلى مستشار أمني رمزي لا يتمتع بأي صلاحيات تنفيذية، فضلا عن إزاحة “أبوفدك” من الواجهة، لصالح شخصيات أخرى موالية للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني ورئيس الوزراء العراقي. ويؤكد تقرير “فورين بوليسي” هذا الصراع المنتظر بتأكيده أنه ليس للكاظمي أصدقاء في حكومته. وأنه سيحاول حشد الحلفاء في محاولته للتغيير التدريجي، لكن عليه أن يلعب وفقا للقواعد من خلال تقسيم الغنائم بين مختلف الاتجاهات السياسية. وفي السنوات القليلة الماضية، كانت الحكومات العراقية تشمل التكنوقراط المستقلين. فقد حاول رئيسا الوزراء حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، ردا على احتجاجات 2015 و2016، استعادة ثقة الجمهور من خلال تعيين وزراء غير سياسيين من الكفاءات، مقدّمين وهمًا بالتغيير. وفي عصر حكومات التكنوقراط، أصبح الخط الثاني من المسؤولين في الوزارات (المدراء العامون ونواب الوزراء) أقوى من الخط الأول القيادي، ما أجبر الوزراء في كثير من الأحيان على اتخاذ قرارات مبنية على توجّهاتهم السياسية. وعلى عكس الحكومات السابقة، تستند حكومة الكاظمي إلى ركائز مختلفة تتمثل في الكفاءات المستقلة من أصحاب “المفاهمات”الضمنية مع الأحزاب أو الذين أبرموا صفقات صريحة معهم، علاوة على الموظفين المدنيين السابقين الذين أمضوا سنوات وهو يعملون كوكلاء داخل نظم الأحزاب الحاكمة. وبدرجات متفاوتة، توصل الوزراء بالفعل إلى اتفاقيات مع الأطراف السياسية التي يمثلونها لضمان الحفاظ على أنماط المحسوبية والفساد. ورغم أن الكاظمي يعارض الفساد المرتبط بهذا النظام السياسي، إلا أن ذلك كان بمثابة الورقة التي مكّنته من أن يصبح رئيسا للوزراء ويتبع استراتيجيته الإصلاحية. وستكون معركة الكاظمي الأساسية على مكتب رئيس الوزراء الذي يضم مجلس الأمن القومي، وقوات العمليات الخاصة العراقية، ولجنة الحشد الشعبي، وجهاز المخابرات الوطني. خاصة أن سلفه عبدالمهدي مكن الأحزاب السياسية، وخاصة الصدريين والفتح، من الهيمنة شبه الكلّية على هذا المنصب. حتى أنه فقد السيطرة على دائرته الداخلية من المستشارين الذين أصبحوا وكلاء للأحزاب السياسية.

مشاركة :