صدرت عن «المركز القومي المصري للترجمة» النسخة العربيّة من كتاب «حروب الغذاء» من تأليف والدن بيللو، وبترجمة وتقديم خالد الفيشاوي. يعرض الكتاب عبر سبعة فصول توزّعت على 206 صفحات، تفاصيل كثيرة في أزمة الغذاء. ويبيّن هذه التفاصيل عبر عناوين هي: رأسمالية ضد الفلاح، انحسار الريف المكسيكي، صناعة أزمة الرز في الفيليبين، تدمير الزراعة الأفريقية، الفلاحون والحزب والأزمة الزراعية في الصين، الوقود الزراعي وأزمة الغذاء، والمقاومة والطريق نحو المستقبل. وفق المترجم، فإن الكتاب قوبل بكثير من الاهتمام والاحتفاء، لتزامنه مع انفجار أزمة الغذاء وتفاقمها منذ عام 2006. فقبل تلك الأزمة، كان صعباً على الرأي العام أن يتقبّل اتهام الزراعة الرأسمالية الحديثة بالعبث، أو الحديث عن تطوير الأساليب التقليدية في الزراعة باعتبارها أكفأ من أساليب الرأسماليّة الحديثة، بل أقدر منها أيضاً. وكذلك لم يكن مقبولاً القول إن الزراعة على مساحات صغيرة من الأرض أعلى إنتاجية من المزارع الرأسمالية الضخمة، والبذور المُهَجّنة وراثياً Genetically Modified Seeds تدمّر الزراعة عمليّاً، والإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية مضرّ بالإنسان والبيئة، بل أنه يدمّر كنوزاً من البذور وسلالات النباتات التي تطوّرت عبر قرون على أيدي الفلاحين وبجهدهم الدؤوب والمتناغم مع الطبيعة والبيئة. صحوة... ولو متأخّرة جاءت أزمة الغذاء لتوقظ الرأي العام من خدر ادعاءات كاذبة طالما روّجتها شركات الزراعة الرأسمالية الكبرى، تزعم أن الزراعة الرأسماليّة قادرة على توفير الغذاء للبشر كلّهم، والقضاء التام على شبح المجاعات وسوء التغذية وارتفاع أسعار الغذاء. ووفق الكتاب، تؤكّد تقارير الأمم المتحدة و «منظمة الأغذية والزراعة» التابعة لها، أن العالم لا يعاني من ندرة الغذاء، وتشدّد على أن الأزمة الراهنة هي أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية. ويلفت الكتاب إلى أن العالم يُنتج ما يكفي لإطعام ثمانية بلايين إنسان، طبقاً لإحصاءات المؤلف، وعشرة بلايين إنسان وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. ويبيّن أن الأسعار المرتفعة للغذاء، هي نتيجة لتحكّم الاحتكارات العالميّة الكبرى في إنتاجه وتسويقه، ما يؤدي إلى حرمان ما يزيد على بليون إنسان من إمكان الحصول عليه. ويشير أيضاً إلى مشكلة ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء في نمط الإنتاج الزراعي الرأسمالي، ما يضع أسعاره خارج قدرة أصحاب الدخل المحدود. ويرى أن هذه المأساة تبلغ ذروة عبثيّة عندما يتكلّف نقل المحاصيل الزراعية من مراكز الإنتاج (المزارع) إلى المستهلك ما يعادل عشرة أمثال الطاقة التي يحصل عليها البشر من استهلاك الغذاء نفسه! وكذلك ينبّه الكتاب إلى أن «قمة الغذاء» Food Summit التي عُقِدت في روما في حزيران (يونيو 2002)، وَعَدَت بخفض أعداد الجوعى من 800 مليون آنذاك إلى 400 مليون بحلول عام 2015. وعلى رغم هذا الوعد الخلّاب، تتزايد أعداد الجوعى في شكل مستمر، بل إنهم تجاوزوا البليون جائع. ويستنتج الكتاب أن هذه الوقائع تؤكد حقيقة فشل النظام الزراعي والغذائي الراهن الذي تفرضه الشركات الزراعية المتعدّدة الجنسيّة، كما تروّج له مؤسّسات دُوليّة كـ «منظمة التجارة العالميّة» و «صندوق النقد الدولي» و «البنك الدولي»، و «منظمة الأغذية والزراعة» («فاو») وغيرها. وإذ يراقب الكتاب انهيار الاقتصاد عالميّاً، والتحرّك المُتسارِع نحو الإفلات من العَولَمَة المفروضة على الإنتاج والتسويق، فإنه يلاحظ أن الزراعة المعتمدة على صغار المزارعين والفلاحين على المستويين المحلي والإقليمي، أصبحت البديل الاقتصادي المُستَدام الذي يجدر بالبشر السعي لتبنّيه. ويشغل مؤلف الكتاب والدن بيللو، منصب أستاذ علم الاجتماع في جامعة الفيليبين، وهو مؤسس «معهد دراسات جنوب العالم»، وموقع «نظرة على الجنوب»، إضافة إلى كونه رئيساً لـ «الحملة الدوليّة لإلغاء الديون» وعضواً في اللجنة الدوليّة لـ «المنتدى الاجتماعي العالمي». واختارته «الجمعية الدولية للدراسات» كأحد أبرز علماء الاجتماع في عام 2008. ووضع بيللو عدداً من الكتب والدراسات والبحوث والتحليلات السياسية عن أزمات النظام الرأسمالي العالمي، كأزمتي الغذاء والمال، مع رؤية نقدية لـ «منظمة التجارة العالمية» و «صندوق النقد الدولي» و «البنك الدولي». وسبق للمترجم الفيشاوي ترجمة كتب «بانوراما الحركة العالميّة لمُناهَضَة العَولَمة» و «مُناهِضو العَولَمَة في حرب تحرير العراق» و «أحوال الصين».
مشاركة :