يقال عنه إنه مفخرة العقول المغربية المهاجرة ذات اللمحة النيرة التي سابقت الزمن لتصل إلى العالمية بمجهود جبار ومثابرة كبيرة وعقلية شفافة، طموحه كان كبيرا لفعل أشياء يمكن أن تؤثر على العالم إيجابيا في علم اللقاحات الفايروسية، ما جعله يدرك مبكرا أن العمل في شركة أبحاث سيسمح له بالوصول إلى نتائج عملية أكثر بكثير من البيئة الأكاديمية. خبرته العلمية والمخبرية الفذة وشبكة علاقاته المعقدة داخل المجتمع الطبي أهلته ليكون رئيسا للجنة التي كلفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتطوير لقاحات وعلاجات لفايروس كورونا، حيث سيساعد العالم المغربي منصف محمد السلاوي، على تنسيق العمل في إطار جهد مشترك بين عدة قطاعات وزارية والتي تسابق الزمن من أجل إيجاد لقاح فعال مضاد للفايروس. رؤية استشرافية كان الاختيار دقيقا ومبنيا على معلومات ومعطيات دقيقة بالنظر إلى مؤهلاته الأكاديمية والعلمية ومنجزاته العديدة في هذا المجال، ولا يمكن فهم قرار الإدارة الأميركية إلا في سياق ما تكشفه الأبحاث والدراسات المستجدة حول الفايروس ومكوناته وطفراته حسب النطاقات الجغرافية وتجمعات السكان، خصوصا مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن الأمر يتعلق بفايروس محير وشرس للغاية، وأن إنتاج اللقاح المضاد أو العثور على دواء فعال أمر صعب. أحد العناصر المحددة للاختيار ما حققه السلاوي في علم المناعة، من نتائج مبهرة طوال حياته المهنية في مجال اكتشاف العديد من اللقاحات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالملاريا والفايروس العجلي ولقاح عنق الرحم والمكورات الرئوية وغيرها، ونجاحه في ترؤس “غلاكسو سميث كلاين”، بين عامي 2011 و2016، والتي أنتجت 24 دواء ولقاحا جديدا لفايروسات جد متطورة، والتي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأميركية بشكل رسمي، إلى جانب عمله عضوا بمجلس إدارة موديرنا، وهي الشركة التي أجرت أول اختبار للقاح استعمل لعلاج مصابة في أميركا قبل أيام. أدرك السلاوي المولود بمدينة أغادير جنوب المغرب عام 1959 والمقيم في الولايات المتحدة، بأن المعركة الآن ومستقبلا ليست متعلقة فقط بمن يملك صاروخا عابرا للقارات أو دبابة تنتظر من يحركها في جغرافية ضيقة المساحة والمدى، بل بمن سيتمكن من الإمساك بزمام المختبرات وشركات الأدوية واللقاحات، فالمستقبل المنظور مرتبط بحروب من جيل آخر يتداخل فيه التقني بالتواصلي مع البيولوجي. مساره العلمي والأكاديمي غني جدا، منذ أن تبع طموحه نحو فرنسا ليكمل دراسته ثم استقر بعدها في بلجيكا، حيث درس البيولوجيا الجزيئية، وتخرج من جامعة بروكسيل الحرة، ليحصل على الدكتوراه في علم المناعة، من جامعة لافال في كندا، وليهاجر بعدها إلى الولايات المتحدة، رفقة زوجته، وهناك أكمل مساره العلمي والعملي في مجال تخصصه، وأصبح أستاذا في جامعة هارفارد. لا شك أن السلاوي يتابع ما يحدث بالمغرب في مواجهة الوباء، لأنه كما يقول بنفسه ”في المقام الأول بلدي“، ويضيف “كنت سعيدا جدا بالإجراءات التي اتخذتها الدولة المغربية لأنها كانت سريعة ومطلوبة للحد من عدد الحالات مما سمح بلا شك بتجنب العديد من الوفيات”، مشددا على ضرورة توسيع مجال الاختبارات لتجنب الأسوأ. المغرب وكلفة اللقاح وهو يرى أنه حتى يتمكن المغرب من تطوير شركات في مستوى “موديرنا” التي يقودها بالولايات المتحدة، والتي تكلف فيها الأبحاث ما قدره 500 مليون دولار سنويا، لا بد من الاهتمام بمجال البحث العلمي، لأن المواهب المغربية موجودة في أفضل مختبرات البحث في العالم. وهناك إمكانية للمغرب الذي يتمتع بمزايا تنافسية أن يخلق شركات في هذا المستوى، لهذا ولكي يتم تطوير مجال البحث العلمي فأنت بحاجة إلى فرق وبحاجة إلى نظام جامعي متطور، ومئات من الشركات المتكتلة، وقبل كل شيء إلى الكثير من المال. السلاوي كان واضحا عندما أكد أن الأبحاث ما زالت جارية حول اللقاح الفعال، وهو ما يتوافق مع تصريح المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس في مؤتمر افتراضي، حيث قالت إن بعض العلاجات قد يمكن أن تحد من شراسة أو فترة الإصابة بالمرض، لكنها أقرت أنه من المبكر أن يتم الحديث عن دواء أو لقاح فعال. التحدي اليوم، كما يقول، هو ضمان بقاء النظم الصحية العالمية قادرة على الاستجابة للوباء وعدم وضع الطواقم الطبية أمام الخيار الصعب المتمثل في من ينقذ ومن يترك للموت، عند حدوثه، وللأسف هذا ما وقع بالفعل في العديد من البلدان. فالتلقيح هو أكثر التدخلات تأثيرا على الصحة العامة بعد الحجر والنظافة الشخصية اليومية، لذلك لا يجادل السلاوي في القيمة المضافة لتطعيم العديد من شرائح مختلفة من السكان دون الاقتصار على الرضع والأطفال الصغار، ولكن هناك أيضا شرائح مهمة جدا مثل المراهقين والبالغين، ويوجد ضمن البالغين عدد من السكان المعرضين للخطر مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية. وتعتبر اللقاحات المركبة مهمة جدا كوسيلة حاسمة لتعزيز التغطية الصحية العامة من خلال التحصين من الفايروس التاجي، وهنا يركز السلاوي، من منطلق أبحاثه وخبرته على أنه إذا لم تكن لديك خمسة أو ستة لقاحات مجمعة في جرعة واحدة، فلا يمكنك الدخول في لعبة هذه الصناعة، وهذا يحتاج الى محفظة مالية كبيرة لتذليل العوائق الفنية وهو ما يفسر السبب في أن هناك عددا قليلا جدا من اللاعبين وأن قليلا جدا من اللاعبين قادرون على دخول هذه اللعبة. يعمل السلاوي على رأس شركة “موديرنا”، التي أعلنت عن تطوير لقاح للفايروس، لكنه لم يطرح في السوق لاعتبارات أجملها في أن البحوث لا تزال في مراحل الاختبار ولا يمكن طرح لقاح في السوق بمجرد تطويره حتى يتم التأكد من أنه فعال ولا يؤدي إلى آثار غير مرغوب فيها على البشر. وبعيدا عن الجشع والأنانية التي أظهرها البعض في أوروبا، حسم السلاوي، بأنه ضد أي نزعة عنصرية لتجربة أي لقاح على البشر لدواع عنصرية أو مادية، بالطبع وبصفته عالما، صدمه التفكير في الأمر بهذه الطريقة، بحيث يمكن للمرء أن يقول إنه من الضروري بدء الدراسات السريرية الأولى في بعض الفئات السكانية الفقيرة للغاية بينما الوباء عالمي، على أي حال، يؤكد أنه ليس ضمن معاييره الأخلاقية استخدام السكان الفقراء كخنازير غينيا. وفي هذا السياق يعترف منصف السلاوي، أن الشركة التي يرأسها موديرنا، لن تسعى لتحقيق أرباح غير معقولة من بيع الدواء واللقاح خلال الوباء، وسيكون منفتحا للتعاون مع منظمة الصحة العالمية لأننا نعلم أننا سنتمكن على الأكثر من إنتاج ملايين اللقاحات وليس المليارات. ومع ذلك فقد أعلن تبرعه بأرباحه شخصيا من عملية مواجهة كورونا لصالح أبحاث السرطان. أولويات لتحقيق أولوياته سيعتمد السلاوي، داخل اللجنة التي اختاره ضمنها الرئيس ترامب، على الموارد المتاحة من برامج بحثية وشبكات التجارب السريرية وتتمثل الأولوية البحثية الأهم في تطوير لقاحات آمنة وفعالة لحماية الأفراد من العدوى ومنع تفشي المرض في المستقبل، والتي لا بد من أن تتماشى والخطة الاستراتيجية الجديدة التي حددتها فرقة العمل المعنية بالفايروس التاجي في البيت الأبيض وتمثل جهدا شاملا ومنسقا لتطوير أدوات طبية حيوية فعالة لمكافحة كوفيد – 19. ومن خلال خبرته في المجال سيعمل السلاوي مع فريقه على تكييف اللقاحات والعلاجات والأساليب المستخدمة سابقا لمعالجة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ذات الصلة بفايروس ميرسن والفايروسات التاجية الحادة الوخيمة سارس وتطبيقها على الوباء الحالي. ستكون تحت تصرف السلاوي وفريقه، البنية التحتية التجريبية السريرية الواسعة لتطوير اللقاحات التجريبية خلال المرحلة الأولى من اختبار السلامة والجرعات والتخطيط في وقت واحد للاختبارات السريرية المتقدمة للمرشحين الواعدين، وسيعمل مع الشركاء الحكوميين للتأكد من أن أي لقاح آمن وفعال سيتم تصنيعه بكميات كافية للسماح بالتوزيع المناسب على الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة. ورغم أن اللقاح شيء مهم واستراتيجي إلا أن هناك أولوية توصيف واختبار العلاجات المحتملة لـمرضى كوفيد – 19، ستشملها جهود فريق السلاوي، لتحديد وتقييم الأدوية المعتمدة بالفعل لعلاجات أمراض أخرى يمكن إعادة استخدامها في علاج الفايروس التاجي، مع اختبار مضادات الفايروسات الجديدة واسعة النطاق، والعلاجات القائمة على الفايروسات التي تستهدف الأجسام المضادة والأجسام المضادة وحيدة النسيلة. مجال جديد في صراع النفوذ موازاة مع ترفيع السلاوي في هيكلية القرار الاستراتيجي الصحي بالولايات المتحدة، يستمر الصراع على من ستكون له الكلمة الأخيرة في صناعة اللقاح وتسويقه. إنها حرب تموقع عنوانها محاصرة الفايروس واكتساب الرقعة الاستراتيجية عالميا من بوابة الصحة العالمية، ونظرا لخطورة الوضع والصراع غير الخفي بين واشنطن وبكين بشكل خاص، فإن السلاوي يدخل بالضرورة تحت بروتوكولات الحماية رفيعة المستوى التي تقوم بها الوكالات الأمنية الأميركية تحصينا للمعلومات التي تقع تحت يديه. والكل اطلع على تأكيدات مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنى التحتية في الولايات المتحدة، أنه تم رصد محاولات من جانب جمهورية الصين الشعبية تهدف إلى البحث عن ملكيات فكرية قيّمة وبيانات للصحة العامة، على صلة بلقاحات وعلاجات وفحوص من شبكات وطواقم على صلة بالأبحاث حول كوفيد – 19، وتم تنبيه المنظمات التي تجري أبحاثا حول وباء كورونا المستجد من استهداف مرجح وخروق للشبكة من جانب الصين. وبغض النظر عن مستوى الصدقية في ما ذهبت إليه المخابرات الأميركية، فالواقع أن صراعا قائما بين الصين والولايات المتحدة تستخدم فيه جميع الأسلحة والطرق والإمكانيات. ويؤكد خبراء في العلاقات الخارجية على أن جائحة الفايروس التاجي ستفيد الصين في نهاية المطاف أكثر من بقية العالم، وخاصة الولايات المتحدة. فبعد كل شيء، أصبحت أميركا الآن البلد الأكثر تضررا على وجه الأرض من حيث الخسائر البشرية. ويدخل في هذا الخضم من الصراع تكليف السلاوي، بمهمة استراتيجية في البحث الحثيث عن مركب لقاحي يكون أميركيا خالصا، ولهذا يقول أكثر من خبير في مراكز أبحاث عالمية إن هذه الأزمة قد تساعد الولايات المتحدة في الواقع على إعادة تنظيم تفكيرها الجيوسياسي تجاه جمهورية الصين الشعبية، وتتحد فيه النخب السياسية والاقتصادية والعلمية في واشنطن بتحويل الاهتمام الجيوسياسي الأميركي تدريجيا نحو الصين وجنوب شرق آسيا. ومن منطلق خبرته في ميدان علم الفايروسات يتفق السلاوي إلى جانب عدد من العلماء، على أن هناك حاجة أكبر بكثير للشفافية في القضايا المتعلقة بالتعامل مع الكائنات الحية المسببة للأمراض مع إمكانية المصاحبة لإطلاقها العرضي، مع أن الهدف من هذه الشفافية هو حماية السلامة العامة على جميع المستويات وضمان اتخاذ إجراءات علاجية فورية في حالة وقوع حادث. المهم عند هؤلاء العلماء ألّا يكون اللعب في نطاق تنافسي خطير وغير أخلاقي بين القوى الكبرى دون ضمان سلامة جميع المختبرات الحيوية، سواء كانت موجودة في الصين أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى.
مشاركة :