الشارقة: علاء الدين محمودكثيرة هي الأعمال السردية التاريخية التي تناولت الأندلس ذلك الفردوس العربي المفقود، ولكن رواية «ربيع الأندلس»، لمحمود ماهر، الصادرة عن دار «عصير الكتب للنشر والتوزيع»، عام 2019، جاءت تحمل ملامح اختلاف كبير، وبذرة فكرة تعمل على مراوغة التاريخ عبر عمل إبداعي يجمع بين السرد الروائي والتوثيق التاريخي والسياسي والاجتماعي، ليضع كل ذلك أمام أسئلة الراهن المعاصر، فهذا العمل ليس مجرد احتفاء بالماضي، بقدر ما هو سرد يعزز فكرة النقد، ويمارس لعبة استنطاق التاريخ وتقديم إضاءات كثيفة على كثير من البؤر المعتمة فيه.والرواية هي تكملة لمشروع سردي قام به المؤلف عبر روايتين سابقتين هما: «خريف شجرة الرومان»، و«جارة الوادي»، وهي تستعيد ذلك التاريخ الإسلامي المجيد من خلال أزهى عصور الأندلس وأكثرها قوة، وتتناول سيرة قائد كان له سيرته الناصعة، وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بالخليفة الناصر لدين الله، الذي أعاد للأندلس هيبتها، ويتوقف السرد عند منعطفات مهمة مثل الصراعات السياسية والاجتماعية والفتن والحروب، ودور بعض الشخصيات في تلك الفترة، ولعل تلك الأسئلة التي يثيرها العمل هي واحدة من الأدوات التي استعان بها المؤلف في عملية تمرير عوالم الرواية وتخفيف ثقلها، إضافة إلى المقدرة الرفيعة في وصف الوقائع والأحداث، وصناعة الصور والمشاهد، كذلك رسم الشخوص وتعدد الأصوات السردية، وتجاور الحكايات مع الإبقاء على خيط سردي ناظم ينهض عليه البناء الدرامي، وهي التقنيات التي جعلت العمل مشوقاً وجاذباً.الرواية وجدت صدىً مميزاً في المواقع القرائية المتخصصة، وأجمع الكثير من القراء على تميزها عن الأعمال السردية التاريخية، وتتوقف إحدى القارئات عند حجم المعلومات الكبيرة في العمل، وتشير إلى أن المؤلف قد استعان بالبحث والتقصي في صناعة عمل روائي اكتسب تميزه عبر تعدد المراجع التي لجأ إليها الكاتب. فيما تصف قارئة أخرى الرواية ب«العمل المدهش»، حيث إن الكاتب قد أفلح في تفادي الرتابة التي تتصف بها الأعمال التاريخية، ونجح في صناعة المتعة والإثارة عبر تشكيل درامي عميق يقوم على قوة الوصف وتكوين المشاهد إضافة إلى رسم بورتريهات لشخصيات وأبطال العمل.«ملحمة عربية»، هكذا وصف أحد القراء العمل، مشبهاً إياه بالأعمال الإبداعية الملحمية التي وثقت للحضارة والثقافة الغربية، وذكر أن النص السردي جاء خالياً من «المحسنات والمزينات»، فهو لم يقدم صورة أسطورية لأبطال الرواية، بل غارقة في الواقعية ولكن قوة السرد نجحت في تناولهم من زاوية غير مطروقة. فيما لفت قارئ آخر إلى أن الرواية صنعت جسراً خفياً غير مرئي يربط بين الأمس واليوم، وذلك من خلال تركيزها على أحداث مشابهة لما يجري في الراهن العربي السياسي والاجتماعي، وكذلك من خلال «المعاني والدروس»، التي خلص إليها العمل والتي تفيد أن الفتن والصراعات الداخلية هي العدو الأكبر للعالمين العربي والإسلامي.
مشاركة :