تحقيق:محمد إبراهيم لم تكن جائحة كورونا السبب الوحيد الذي دفع إدارات مدارس خاصة، إلى الاجتهاد في وضع إجراءات من شأنها ضياع حقوق المعلمين والكوادر الأخرى، الذين كانوا خط الدفاع الأول لمنابر العلم، خلال تداعيات فرضت على العالم قيوداً أغلقت المدارس، وحرمت ملايين الطلبة من التعليم. ففي الوقت الذي يستعد فيه العام الدراسي الجاري 2019-2020 للرحيل، وينهض فيه موسم الإجازة الصيفية للقدوم، نجد أن إدارات مدارس خاصة، استنهضت طاقاتها، بحثاً عن إبداعات جديدة «تستبيح» من خلالها رواتب المعلمين، بقرارات غير «مشروعة»، تتنافى مع اللوائح، ولا تحاكي نصوص القانون.أعرب عدد من المعلمين ل «الخليج» عن استيائهم، بسبب القرارات التصعيدية، التي اتخذتها إدارات مدارسهم، وتمس حقوقهم المالية مباشرة، إذ ذهبت لتخفض رواتبهم بنسبة تصل إلى 85% حتى نهاية أغسطس المقبل، وأخرى حجبت أجور معلميها الشهرية، لتجبرهم على التوقيع على عقود جديدة تفقدهم أكثر من نصف رواتبهم، هروباً من عواقب المحاسبة والمساءلة من قبل الجهات المعنية، وثالثة علقت جداول معلميها، وأوقفت مستحقاتهم بلا مشورة أو استشارة. وركزت مطالبات الميدان التربوي بمختلف فئاته على أهمية تشديد الرقابة على المدارس المخالفة التي تضرب بعرض الحائط اللوائح، والرقابة عليها بفاعلية، ولا سيما أنها تدير جائحة كورونا بحسب مصالحها الخاصة، من دون مراعاة للظروف الحياتية لمعلميها وكوادرها. بعض الجهات المعنية تفاعلت مع السيناريوهات «غير القانونية» لتلك المدارس التي تتجدد يوماً بعد الآخر، ولا سيما أنه من شأنها إهدار حقوق المعلمين، إذ طالبت تلك الإدارات بتقديم إفادات عاجلة وموثقة، حول أسباب تخفيض الرواتب وإنهاء الخدمات، للحصول على موافقات خطية قبل التنفيذ. رصد الميدان «الخليج» تعود مره أخرى للميدان التربوي، للوقوف على أبرز التجاوزات الجديدة، لبعض المدارس الخاصة في تلك الفترة، والتي تعتبر خطوة جديدة لها لتظفر برواتب معلميها في ظل جائحة كورونا، واقتراب مجيء الإجازة الصيفية. البداية كانت مع رصد للميدان التربوي خلال الأيام القليلة الماضية، إذ تبين أن هناك ثلاثة تجاوزات جديدة من قبل بعض المدارس الخاصة، التي لم تلتزم بتوجيهات الجهات المعنية، وذهبت مجموعة تعليمية تضم 9 مدارس لتصعد إجراءاتها بحق المعلمين، وتخفض رواتبهم حتى 85% لأربعة أشهر مقبلة، وثبتت رواتب البعض عند 1500 درهم لنهاية العام، دون إخبارهم ومن دون مبررات، في وقت نجحت تلك المجموعة في تحصيل أكثر من 95% من الرسوم الدراسية من أولياء الأمور.وفي تجاوز آخر أوقفت مدارس رواتب معلميها وكوادرها، لحين حضورهم للتوقيع على عقود جديدة، خفضت رواتبهم لأكثر من النصف، في محاولة منهم للتحايل على الإجراءات التي عممتها الجهات المعنية مؤخراً، وألزمتها بعدم التغيير في رواتب المعلمين إلا بالعودة إليها، والحصول على موافقة خطية بهذا الخصوص.أما التجاوز الثالث، فكان لمدارس خاصة، طالبت معلميها بالتوقيع على تخفيض رواتبهم بنسبة 10-20% نظير عملية التعقيم، ولا نعلم ما علاقة تلك المدارس بعملية التعقيم الوطني، وما دورها الذي فرض عليها الاستقطاع من رواتب معلميها وكوادرها، في وقت رفضت إدارات تلك المدارس الرد على ما تم رصده من تجاوزات وأسباب تواجدها، ولماذا توجد في مدارس وتختفي من أخرى؟ وقفة مع المعلمين وفي وقفة مع عدد من المعلمين المتضررين، أكد «أ.شكري، م.سعد، ف.علي، و.س، ص.حسين»، أن مدارسهم اتخذت إجراءات تصعيدية، بدأت منذ يناير الماضي، بتخفيض رواتبهم للنصف، وإنهاء خدمات البعض، وإيقاف البعض الآخر، بحجة تداعيات فيروس كورونا، على الرغم من تحصيلها لأكثر من 95% من الرسوم الدراسية للعام الجاري.وأضافوا أن الإجراءات تتطور شهرياً بشكل متسارع ومن دون مبررات، إذ تجاوزت نسب تخفيض الرواتب لتصل إلى 85%، على الرغم من التزام المعلمين بنصاب الحصص، ومسارات التعلم عن بعد، مؤكدين أن التحديث الأخير لمدارسهم، جعل الحد الأقصى لرواتب جميع المعلمين والكوادر الأخرى 1500 درهم حتى نهاية أغسطس المقبل، ليفقدوا مستحقاتهم المالية خلال شهور الصيف. وأفادوا بأن مدارسهم ادعت أنها حصلت على موافقات خطية من الجهات المعنية، التي تنظر شكواهم حالياً، معتبرين أن القرارات الأخيرة، تتنافى مع اللوائح ولا تحاكي نصوص القانون، والغرض منها ضياع حقوق المعلمين المالية في إجارة الصيف. حجب الرواتب وفي رواية جديدة أكدت مجموعة، تضم «مها.ع، نوال.ز، ومحمود.ح، ع.كامل، رزان.م» أنهم لم يحصلوا على رواتبهم حتى الآن، حيث حجبت مدارسهم الرواتب، لإجبارهم على مراجعة الإدارات، والتوقيع على عقود جديدة، تقضي بتخفيض رواتبهم إلى النصف، موضحين أن البعض منهم رضخ للضغوط، ولكن لم يحصلوا على الرواتب حتى تاريخه، إذ إن مدارسهم طالبتهم بالضغط على بقية زملائهم للتوقيع مقابل الراتب. وأفادوا بأن مدارسهم منعتهم من الاطلاع على العقود الجديدة، وما تتضمنه من شروط أو بنود، وهو ما يعني أنها لا تتطابق مع عقود العمل التي أقرتها وزارة الموارد البشرية والتوطين، مطالبين بتدخل الجهات المعنية لإنقاذ الموقف، ولا سيما أن معظمهم يلجأ إلى الجمعيات الخيرية، لتساعده على مجابهة الظروف الحياتية، ومواصلة المعيشة. تفاوت الإجراءات ومن خلال مكالمات هاتفية، أكد معلمون «فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، أن تخفيضات الرواتب في مدارسهم، جاءت متفاوتة، تتراوح بين 10 و 20%، بحجة الإسهام في البرنامج الوطني للتعقيم، الذي دعت إليه تداعيات فيروس كورونا المستجد، موضحين أن مدارسهم نبهت عليهم بأهمية عدم التواصل مع وسائل الإعلام، أو تقديم شكاوى للجهات القائمة على شأن التعليم الخاصة في الدولة، ليتجنبوا إنهاء خدماتهم. تدخل الجهات المختصة في المقابل أكد التربويون «إبراهيم القباني، وريبال غسان العطا، ريهام فاروق، وخالد عبد الحميد» أن ما اتخذته بعض المدارس الخاصة من إجراءات بحق المعلمين، يعتبر جريمة، ولا سيما أن قطاع التعليم لم يتوقف، ولم تصبه آثار «كورونا» السلبية، مقارنة بالقطاعات الأخرى.وأشاروا إلى أهمية تدخل الجهات القائمة على شأن التعليم الخاص، بقرار حاسم لوقف فوضى القرارات التي أثارتها مجموعة من الإدارات المدرسية غير المسؤولة.وعلى غير العادة، تفاعل الطلبة وأولياء أمور مع قرارات تلك المدارس، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما أن البعض منها دمجت الفصول الدراسية لتصل الكثافة العددية للطلبة إلى 50 طالباً تقريباً، لتقليص أعداد المعلمين، فضلاً عن إيقاف معلمي المواد الأساسية، والاستعاضة عنهم بإداريين لا يملكون خبرات تربوية، وليس لديهم دراية كافية حول المناهج الدراسية، وهو الأمر الذي دفع عدداً من الطلبة إلى مطالبة الجهات المعنية بالتدخل لإيقاف فوضى القرارات التي تتبعها مدارسهم وعودة معلميهم ومعلماتهم من أجل مستقبلهم الذي يتعارض مع تطلعات ملاك بعض المدارس. إفادة من المدارس بعض الجهات المعنية تفاعلت مع إجراءات تلك المدارس، وطالبتها بتقديم إفادة حول أسباب قرارتها، من خلال تقديم تقرير مالي مدقق معتمد من الجهات المعنية، للسنة المنتهية في 31 أغسطس 2019، وخلال الفترة من 1 سبتمبر 2019 حتى 31 مارس 2020، والأثر والعائد المالي المتوقع تحقيقه عند تنفيذ الإجراء على فئة المعلمين، وتقرير حول الرسوم الدراسية القابلة للتحصيل ونسبة العجز، مع ذكر الإجراءات التي سيتم اتباعها لمعالجة الوضع المالي الراهن، فضلاً عن كشف بالرسوم الواجب على المدارس ردها مقابل خدمات النقل المدرسي والتغذية. وفي خطوة للمحافظة على حقوق الكادر التعليمي، طالبت الجهات المعنية، بكشف مفصل للهيكل التنظيمي الإداري والتعليمي لكل مدرسة، قبل وبعد تنفيذ إجراء تخفيض الأجور، وأنصبة المعلمين، وعقود العمل القديمة والجديدة، المعتمدة من وزارة التوطين والموارد البشرية. على قدم وساق علمت «الخليج» أن مجموعة تعليمية تضم 9 مدارس وروضتين تعمل على قدم وساق، لتتوسع في أعمالها واستثماراتها، ولكنها استندت إلى سياسة «تخفيض رواتب معلميها وإنهاء خدماتهم» لتحقيق طموحاتها، ولم تكتفِ بالمبالغ الطائلة، التي وفرها لها التعلم عن بُعد من تكاليف استهلاك المياه والكهرباء وأعمال النظافة والأدوات والأحبار وغيرها. غياب العدالة ترى غاية عيسى اختصاصية في علم النفس أن عدم استقرار المعلم، وشعوره بعدم العدالة في الأمور التي تخص تقييمه مهنياً ومعرفياً، فضلاً عن حقوقه المادية من رواتب وبدلات ومحفزات، كل ذلك يولد شعوراً بعدم الثقة، ويثير لدية حالة من القلق وعدم التركيز في أداء مهامه وواجباته. وأكدت أن حالة عدم الاستقرار تؤثر سلباً في أدائه المهني، ونواتج التعليم، إذ يفتقر للقدرة على الإبداع والابتكار في البيئة التعليمية، فضلاً عن أنه يواجه مشكلة اختيار مبادئ التعلم التي تتفق مع طبيعة المواقف التعليمية، التي تفرضها عليه شروط النشاط التعليمي الذي يقوم به، والسبب في ذلك تنوع وتعدد أنواع السلوك التي تمارسها الإدارة المدرسية التي يعمل تحت إشرافها. عقوبات رادعة الخبير الدكتور إبراهيم الحربلي، أكد أن تجاوزات بعض المدارس الخاصة، تحتاج إلى رقابة يقظة مستدامة، لتقليصها والحد من آثارها على مجتمع التعليم الخاص، ولا سيما أن بعض الإدارات لا تعي أهمية تطبيق قرارات وتوجيهات الجهات المعنية، التي تتجاوز طموحات تحقيق الأرباح، مؤكداً ضرورة وجود رقابة فاعلة تشرف على قرارات وإجراءات المدارس في الفترة الأخيرة، فضلاً عن آليات وطرائق التدريس، تجنباً لأي خلل قد يحدث بسبب تخفيض رواتب المعلمين أو إنهاء خدماتهم، والاستعاضة عنهم بكوادر إدارية تفتقر إلى الخبرات التربوية، وهو ما ينعكس سلباً على المخرجات، وأوصى بضرورة وجود عقوبات رادعة لضبط كفتي الميزان، وإيقاف القرارات والإجراءات التي فرضتها بعض المدارس، التي لا تتماشى مع اللوائح والقوانين، ولا تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة.
مشاركة :