نجد في كل ديار الإسلام، في هذا الشهر المبارك، رمضان الشريف، أن الشعراء والأدباء والظرفاء والحكواتية كثيرًا ما يتجمعون في زاوية من المساجد أو المقاهي بعد أداء صلاة العشاء، لينطلقوا في جميل القول من حكايات وأشعار. وغالبًا ما يتطاردون بما يخطر لهم من قصيد. يقضون السهرة كذلك حتى وقت السحور في كثير من الأحيان. وهذا تقليد بديع ومؤنس نجد نتفًا منه في بطون الأدب والتاريخ. سبق لي أن استشهدت بما جرى منه في صحن مسجد الإمام علي بن أبي طالب في النجف، حيث اعتاد الشعراء النجفيون مثل هذه اللقاءات. وفي هذا السياق، لا أتمالك غير أن أنتقل إلى زاوية أخرى من العالم العربي؛ لبنان. كان الشاعر اللبناني الصيداوي مصباح رمضان قد عانى كثيرًا من مصاعب الصوم فأفطر، ولكنه ارتجى الحصول على فتوى بالإفطار من صديقه صاحب مجلة «العرفان». كان الشاعر العراقي الشيخ محمد رضا الشبيبي في زيارة إلى صيدا، ثم غادرها وسافر في شهر رمضان إلى بيروت، ربما ليعطي نفسه عذرًا للإفطار بالسفر! وكان مصباح رمضان قد لازمه طوال إقامته في صيدا فافتقده كثيرًا بعد رحيله عنها، فبعث إليه بقصيدة طويلة بث فيها لواعج شوقه إليه، بدأها بهذا المطلع المشرق: أعدت شبيبتي بعد المشيب بصيدا في لقاء رضا الشبيبي إمام الفضل أشعر من حبيب ومن يبكي على ذكرى حبيب ثم انتقل إلى شكواه من صيام شهر رمضان، والتمس فتوى صاحب «العرفان»، فقال: ولست بفاطر إلا بفتوى صديقي عارف الزين الأريب فطمت عن الطعام فهل سمعتم بمن فطموه في سن المشيب؟ رد عليه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة إخوانية تضمنت شتى العواطف إلا الفتوى بالفطور: لقد أهدى لي المصباح شعرًا وقلدني من النظم العجيب مصابيح العيون لها انطفاء ولكن أنت مصباح القلوب فات على شيخنا (رحمه الله) أن يذكر مصباح رمضان باسمه ويقول له كيف تريد أن تفطر واسمك على اسم هذا الشهر المبارك وأنت مصباحه؟ ولكن لشهر رمضان مشكلة أخرى، هي التخمة والنهمة في الأكل بعد الفطور. فمن المعتاد أن يواجه الصائم شتى الأطباق اللذيذة والطريفة عند استضافته للفطور مع أحد من أصدقائه. وهو ما كان يتوقعه علي الجارم عند دعوته من قبل أحد كبار الأغنياء في مصر. ولكنه لم يجد أمامه غير الشحيح من الطعام، فخرج وقال: أتى رمضان غير أن ثراتنا يزيدونه صومًا تضيق به النفس يصومون صوم المسلمين نهاره وصوم النصارى حينما تغرب الشمس
مشاركة :