القاهرة: محمد شبانة في روايته «جنازة جديدة لعماد حمدي»، يقودنا الروائي وحيد الطويلة، إلى عالم شديد الثراء والتنوع، من الشخصيات، وكأنها مرثية، وفي الوقت نفسه رسالة أمل، بأن الغاية في النهاية هي الإنسان. هو يرى أن الموهوبين ماتوا مكلومين تقريباً، وإذا كنا نحتاج لعمل جنازة جديدة، فلتكن لهم، بدلا من الجنازة التي نراها لأحلام الناس، في الشوارع، ولإحباطاتهم، كلما تمشي خطوة، تشعر بأن جزءاً من حلمك مكسور. حول أحدث أعماله الروائية، كان لنا معه هذا الحوار. * ما سر هذا العنوان؟ -«جنازة جديدة لعماد حمدي»، فيه أكثر من وجهة نظر، زاوية من ضمن الزوايا، أرى أن عماد حمدي، حالة من ضمن الحالات، التي تعتبر هي الأعم. من يسعدوا الناس يموتوا مكلومين، لا أريد أن أقول إنه نوع من «نعي السعادة»، لأني أهدف لأن أغير هذه الجملة تحديدا. ما حدث، هو أن هناك تشظياً في المجتمع، وأن الموهوبين كلهم، ماتوا مكلومين تقريباً، وإذا كنا نحتاج لعمل جنازة جديدة، فلتكن لهم، بدلا من الجنازة التي نراها لأحلام الناس، في الشوارع، ولإحباطاتهم، كلما تمشي خطوة، تشعر بأن جزءا من حلمك مكسور، فمن كانوا يستحقون السعادة أولى بالجنازة، إحدى القارئات قالت، إن العنوان، نوع من رد الاعتبار له، فليكن كذلك، بعيدا عن وجهات نظري أنا كمؤلف. * كيف جاءت هذه القصص جديدة حتى على من خاض التجربة؟ -أحد القراء، وأسمح لي أن أستشهد بهم مرة أخرى، قال: إن فضيلة هذه الرواية، أنها كشفت عالما لا نعرفه، لا علاقة له بالكتاب، ولا بالناس، قد تظهر الشخصية، ولكن بدون تفاصيل، هناك عالم اسمه «المسجلون خطر»، وهناك الضابط، لا أحد يعرف المسافة بين العالمين، كيف يتعاملان معا؟ وما انعكاس ذلك على الفرد العادي؟ وما يهمني في النهاية، هو الفرد والإنسان العادي، في هذا العالم. * شخصية أسعد قشطة.. هل كنت تقصد شخصا بعينه؟ على الإطلاق، الناس بشكل عام، تنتظر أي إشارة، من أي شيء، وتسقطها على شيء آخر، لسببين. أولاً : تصنع حالة نميمة، ثانيها: تريح نفسها من التفكير. أسعد قشطة، في الحقيقة، إذا اعتبرنا أن المسألة ليست فيها تخييل، يتكون من سبع أو ثماني شخصيات، لدرجة أن هناك واقعة، داخل مشهد السرادق تحديداً، قد يقول أي أحد إنه قد رآها، لكنه أبدا لم يرها أو يسمع عنها، لأنها لم تحدث أصلا، وجاءتني لحظة الكتابة فقط، فاجأتني أنا، قبل حتى أن تفاجئ القارئ، هناك بالفعل من أكدوا أن هذا الموقف حدث، وأنهم كانوا حاضرين، للأسف الشديد، نحن نحتاج دائما لأن نكون أبطالا، لأشياء مهمة، كل منا يريد حكاية، يكون بطلها، حتى ولو زوراً، أفهم أن يكون هذا جميلا في الفن، لكن في الواقع، بالتأكيد لن يكون كذلك، الرواية إيهام بالواقع، أي تحويل حالة الإيهام، إلى واقع، هذه اللحظة يجب أن أصدقها أنا، كي يصدقها القارئ، ويجب ألا يحدث العكس، أي تحويل الواقع إلى وهم. * لم وضعت اختيارات للقارئ بين عدد كبير من العناوين؟ -أول عنوان جاء في بالي: بعد كتابة مشهدين، هو «جنازة جديدة لعماد حمدي». كل إنسان ينظر للعالم من زاويته، وبينما أكتب تظهر لي عناوين مختلفة، بل أحيانا عندما أقرأ كتابا، لمؤلف آخر، أتخيل أن العنوان، قد يكون كذا، هذه أول مرة، أطرح عناوين، على القراء على فيس بوك، طرحتها، وأنا موقن تماما، أن عنواني هو عنوان الرواية، ما يزيد على خمسين في المئة، ممن استُطلعت آراؤهم، انحازوا لهذا العنوان، عنوان آخر توقعت أن يحل في المركز الثاني هو «عشاء خفيف للأم تريزا»، وبالفعل كان توقعي في محله، كاتب معين، كنت أتوقع أن يختار عنوان «نظرية الشبورة»، و«نظرية الشبورة» كان من ضمن العناوين التي أعجبتني، لكنه لم يكن يناسب القارئ العادي. * «باب الليل» كيف غصت في دواخل كل هذه الشخصيات؟ -عشت في تونس عشر سنوات، قضيت منها أربعاً، أشاهد الناس، خرجت من تونس، سنتين، ثم عدت إليها خصيصاً، لأكتب هذه الرواية، وأرفض من يزايد على كلمة «خصيصاً»، لأن هذا ما حدث. الدكتور جابر عصفور، قال لي هل كل من يكتب رواية يجب أن يعود لنفس المكان؟ قد يكون كلامه صحيحا، لكن عندما عدت، شعرت بالمكان مرة أخرى، وبدأت بعد أسبوع في كتابة الرواية، أنا عشت مع هذه الشخصيات كلها تقريبا، ولأول مرة سوف أكشف سراً، كل أسماء الشخصيات في «باب الليل» حقيقية ما عدا اسم شخص واحد. * ألم تر أن الجو الملحمي في رواية «أحمر خفيف» صعب بعض الشيء؟ -كل رواية لها لغتها، أحاول ذلك باستمرار، وضع خمسة خطوط تحت كلمة «أحاول»، أظن أن اللغة المكتوب بها «أحمر خفيف» غير اللغة المكتوب بها «حذاء فيلليني» غير اللغة المكتوب بها «جنازة جديدة لعماد حمدي»، وهذا ما سوف يبقى مني في يوم من الأيام، وسوف يزعج من يريدون أن يضعونا في تابوهات، استطعت أن أكتب كل رواية باللغة التي تشبه شخصياتها بالضبط، وهذا في حد ذاته شيء مرهق ومتعب جدا.
مشاركة :