كيف يستعصي على الإنسان التعاون أمام شر عام؟

  • 5/27/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

«الخير يخص والشر يعم»، مثل يشخص حقيقة الإنسان وواقعه في جميع المجتمعات البشرية، دون استثناء وبغض النظر عن التاريخ والجغرافيا، وبين جميع صنوف الإنسان وألوانه دون تمييز. لقد أطل علينا عامنا الجديد ذوالرسم الجميل (2020) بحدث كارثي قبيح، وهو شر عام مستطير، ينتشر في العالم كالنار في الهشيم. شعوب العالم تعيش في فزع وتنتظر من قادتها إزالة الشر الوبائي عنها، وهذا هو الذي تمليه طبيعة العقد الاجتماعي بين القيادة والقاعدة. والحدث أعظم من قيادة واحدة وقاعدة واحدة، لأن الوباء مسلط على جميع شعوب العالم بقياداتها؛ فالبشرية، بكامل ألوانها الشعبية، أمام كارثة مشتركة، وكأن الكرة الأرضية تواجه غزوًا من كوكب أخر، والغزومدجج بسلاح لا تفيد معه جميع أسلحة الدمار الشامل التي بحوزة الدولة العظمى والدول الكبرى. هؤلاء العظماء والكبار الذين يتحكمون في مفاصل الحياة في العالم، جاء دورهم أمام هذا التحدي الكبير لإنقاذ الحياة في العالم... إذا لم يتحرك هؤلاء فإن البقية الباقية، من دول نامية وثالثة وخامسة، لا حول لهم ولا قوة، رغم كل ما يبذلونه من جهد جدي صحيح وسليم، إن الشر أعم من أن يواجه بانفراد خاص. إن الأمر يقتضي من هؤلاء الكبار تغييرًا نوعيًا في الأولويات، وأن البقاء على الأولويات السابقة هي إيذان بأن الكارثة ستأخذ مداها. لكن ولهول الأسف، فإن الوباء ينتشر ويتوسع، والقيادات مازالت متمسكة بأولوياتها السابقة، وعلى رأسها الخلافات السياسية والتنافس التجاري والحرب الاقتصادية والمناوشات العسكرية واحتكاك البوارج الحربية بعضها ببعض، واختراق المياه الإقليمية من دولة عظمى لدولة كبرى... العدو مشترك، ويستهدف الجميع دون استثناء، وهذا يقتضي العمل المشترك على المستوى العالمي، ووضع جميع الخلافات والقضايا الأخرى جانبًا، وتأجيلها أو إعادة النظر فيها بما يؤدي إلى التقارب والتفاهم... إن وضع العالم اليوم محشور ومحصور بين وباء من جند الطبيعة ولا مبالاة من الإنسان، فكل ما يجري في مواجهة الوباء لم يتخطَ بعد حدود رد الفعل والعمل على انفراد، بينما الخلافات والمناكفات مازالت على حالها وحدتها، والأولويات لم تتغير، وهي مثلما كانت قبل الغزو الفيروسي، والغازي يواصل تقدمه في جسم الإنسان في كليته البشرية. العالم مقبل على مرحلة حرجة اذا استمر انتشار الوباء على الوتيرة الحالية، وفي غياب التوصل إلى علاج ناجع، وتغيير الأولويات، من أولويات سابقة إلى أولويات مستجدة، فإن العالم مقبل على كارثة داخلية، هذه الكارثة، المتوقعة في غياب العمل المشترك، هي الفوضى العارمة التي ستنطلق من ثنايا المجتمعات وتنتشر مثل الوباء على كامل سطح الكرة الأرضية، وقد ينزلق الإنسان بفعل هذه الفوضى إلى محرقة الجريمة اجتماعيًا (داخليًا)، وقد يتفاقم الوضع على المستوى الدولي إلى مواجهات إقليمية، وهذه بدورها قد تتطور إلى مواجهات أوسع، وتعم الفوضى عالميًا. ولتفادي الفوضى والكوارث الداخلية والخارجية، من المهم التفكير، على المستوى العالمي، في وضع سيناريوهات تضع تصورًا لاحتمالات استمرار حالة الوباء، ووضع استراتيجيات مشتركة لإدارة تداعيات الوباء وكيفية التعامل مع آثاره. إن الوضع، إذا اخذ بالتدهور بشكل مطرد، يقتضي تقنين الانتاج والتوزيع والاستهلاك، للحاجيات الضرورية، وخاصة المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية الضرورية اليومية... وهذا يقتضي العمل المشترك تحت مظلة منظمات الأمم المتحدة وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية... إن الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، وفي مقدمتها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، يقع على عاتقهم مسؤولية النتائج المترتبة على هذا الوباء الآخذ في الانتشار، وأن الوضع لا يسمح بالمماطلة والتأخير في اتخاذ الخطوات التعاونية على مستوى جميع دول العالم. المطلوب هوالعمل المشترك عالميًا في جميع المجالات، وفي مقدمتها الصحية والاقتصادية والأمنية، وعلى جميع المستويات، حتى يمكن الخروج من هذه المأساة البشرية بما يحفظ للإنسان مكانه في الطبيعة ومكانته الإنسانية... عندما يكون الشر عامًا، يقتضي أن يكون العمل عامًا (مشتركًا)... إن الأبواب الخاصة مازالت مغلقة على أصحابها في دورها وصالاتها (أوطانها)، وهذا سلوك لا ينسجم مع وضع وبائي آخذ في التدحرج إلى كارثة عالمية، التنبؤات بشأنها لا تبشر بالخير. الغزو الفيروسي آخذ في الانتشار، وعدد المصابين في ازدياد مطرد، والفارق بين الحالات الجديدة والمتعافين يميل إلى تراكم في عدد المصابين، والوضع الاقتصادي آخذ في تلاطم من الأزمات، وإنتاج المواد الضرورية اليومية (غذائية وصحية وخدماتية) على محك التقلص، والوضع الأمني وطنيًا وإقليميًا وعالميًا معرض للتفكك، وهذا نذير شؤم لابد من العمل المشترك لتفادي آثاره الكارثية. مع كل هذه المؤشرات السلبية، مازال السلوك الدولي على ما كان عليه قبل الوباء، وأن أولوياته لم تتحول بعد من الشأن الخاص إلى الشأن العام. وهذا مؤشر خطير يكشف عن طبيعة إنسانية أخطر، وهو أن خوف الإنسان من أخيه الإنسان أشد وأكثر مدعاة للاهتمام من العدوالوبائي المشترك، وكيف أن روابط الثقة مهترئة متقطعة، وفي معظم وصلاتها مقطوعة؛ وهذا هو الوضع المثالي كي يعبث العدو المشترك، ويسلط سيفه على الجنس البشري كله. إن هذا الشر العام هو نذير وإنذار وإيقاظ للوعي الإنساني، بأن الطريق الذي نحن عليه سائرون غير الطريق الذي يجب علينا أن نسير عليه!!!...

مشاركة :