قبل نحو يومين كان مستشار الأمن القومي الأمريكي "روبرت أوبراين"، في حديثه لشبكة "إن بي سي"، الإخبارية الأمريكية يقارن بين الطريقة التي أخفت بها الصين نبأ فيروس كورونا، والأسلوب الذي اتبعه الاتحاد السوفيتي في التغطية على انصهار قلب المفاعل النووي في مدينة تشرنوبيل بأوكرانيا العام 1986 . المقاربة التي استخدمها أوبراين تؤشر إلى المستوى المرتفع من احتدام المشهد بين واشنطن وبكين، وسخونة الرؤوس التي تحلق فوق الجميع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تشرنوبيل في وقتها، لم يكلف الولايات المتحدة الأمريكية مائة ألف ضحية، وتريليونات الدولارات، كان من المفترض أن تنفق على المواطنين الأمريكيين، كما فعل كورونا. هل المشهد الأمريكي – الصيني يدور في فلك الحرب الباردة، أم أنه يوما تلو الآخر يقترب من حدود المواجهة العسكرية الساخنة؟ باختصار غير مخل يمكننا القطع بأن واشنطن وعلى كافة مستويات إدارة ترامب ، السياسية والاستخبارية، باتت جميعها موقنة بأنها تعرضت لهجوم أبشع مما جرى في بيرل هاربور في أربعينات القرن الماضي، وأشنع من هجمات نيويورك وواشنطن على مشارف الألفية الجديدة ، وإن بطريق غير مباشر ، وعبر استراتيجيات تتسق والرؤى الكونفوشيوسية غير الواضحة إلا في عيون أصحاب هذا الفكر وأتباع تلك العقيدة . أهو فخ "ثيوسيديديس"، ينتظر أمريكا والصين، كما دفع في القديم أثينا وأسبرطه لحرب ضروس قبل ألفي عام؟ من الواضح أن واشنطن لديها طرائقها في الرد والانتقام ، تلك التي ستبدأ عما قريب بعقوبات اقتصادية كبيرة وهائلة على الصين لا من جراء كوفيد-19 ، وإنما بسبب قانون الأمن القومي الصيني الذي تستنه بشان هونغ كونغ ، وينتقص من سيادتها انتقاصا كبيرا . مثل هذه العقوبات ستكون المقدمة ، أما الأسوا فآت لا محالة بمجرد أن تنفض واشنطن عنها أدران الكورونا ، وربما بعد أن يفرغ دونالد ترامب من معركته الرئاسية في نوفمبر 2020 ، ويتمثل ربما في مطالبات تصل إلى بضعة تريليونات من الدولارات ، كتعويضات تراها واشنطن حق لها من جراء الخديعة الكبرى الصينية . الرد الصيني لا يتمثل في واقع الأمر في تصريحات المتحدث باسم وزارة خارجيتها "تشاو لي جيان "، الذي حذر مما أسماه محاولات واشنطن تقويض مصالحها ، فهناك في حقيقة المشهد استعدادات صينية لتدهور العلاقات ما بين البلدين وبصورة سريعة قد تقود إلى ما لا يريده أي منهما في الحال أو الاستقبال . أوائل شهر مايو أيار الجاري، كانت وكالة رويترز للأخبار تتحدث عن تقرير استخباري عالي المستوى رسمته الوكالات الصينية المتخصصة يتناول ارتفاع مد العداوة للصين من الجانب الأمريكي ، هذا المد انتقل من النخبة الأمريكية والمؤسسة الحاكمة إلى مستوى العوام والرأي العام الأمريكي نفسه ، بل إن درجات مقت الأمريكيين اليوم للصين والصينيين تفوق بدرجات عدة حالتهم العام 1989 حين سحقت دبابات الحزب الشيوعي الصيني الشباب المنادي بالديمقراطية في ميدان " تيانانمين "، وخلاصة التقرير الاستعداد لمواجهة عسكرية بين القوتين العالميتين حال الوصول إلى أسوأ سيناريو. . السؤال هنا هل هناك ما يستوجب حدوث مثل تلك المواجهة ، ومن سيكون السبب الرئيس فيها حال حدوثها ؟ مؤكد أن واشنطن تبذل جهودا كبيرة في إطار قطع الطريق على قطبية الصين القادمة ، لكنها لا تفكر في تطويع الآلة العسكرية لتحقيق مآربها على نحو مباشر ومن خلال الحرب الضروس على مثال النسق الاسبرطي – الآثيني ، وهي تفضل دوما الاختراقات المتعددة من الداخل ، ونظرة سريعة على استراتيجية الاستدارة نحو آسيا الصادرة العام 2010 ، والتي هي النسخة الأحدث من ورقة "القرن الأمريكي"، للمحافظين الجدد الصادرة في العام 1997، تؤكد ما نقول به من أن أدوات واشنطن تجاه الصين لا تراهن على المواجهة العسكرية، وإن ظل هذا الرهان أحد أوراق النفوذ الأمريكي لعقود قادمة . غالبا ستكون العقوبات الاقتصادية الهائلة أداة واشنطن في محاولاتها لخنق الصين، والانتقام مما جرى في الداخل الأمريكي بشأن كورونا ، لا سيما حال تعززت الاتهامات التي تؤشر إلى تآمر ما تم بين رئيس منظمة الصحة العالمية غبريسوس الاثيوبي الأصل ، وبين الصين التي دعمت ترشيحه ، والتي تستغل أثيوبيا كحصان طروادة بالنسبة لها لاقتحام القارة السمراء مرة وإلى الأبد، وهي اتهامات تجتمع عليها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأستراليا وكذلك كندا، وغالبا ما تدرك ذلك جيدا اليابان وروسيا . على أن مسألة تركيع الصين عبر الضغوطات الاقتصادية والمالية ، قد تكون المفجر الذي يؤدي إلى الحرب الساخنة بين بكين وواشنطن ، إذ ستتسبب في حدوث قلاقل اجتماعية داخلية يمكنها أن تفخخ وتفجر النسيج المجتمعي الصيني ، الأمر الذي تعتبره الصين خطا أحمر، فالتماسك الداخلي بالنسبة لها هو الذي مكنها من الصعود وإبهار العالم بتجربتها في العقود الثلاثة الأخيرة ، رغم الملامح الشمولية الداخلية وعدم الشفافية . هذا المشهد سيضع من الأعباء الكثير جدا على كاهلي قيادات الحزب الشيوعي الصيني ، والذين سيجدون أنفسهم في مواجهة ثورة الجنرالات الحمر المطالبين بالتصدي والتحدي ، مما يؤدي إلى تسريع المحظور والوقع في فخ الحرب وشهوة الموت . هل الحرب مؤكدة؟ بالقطع لا، فهناك تحليلات أخرى ترى أن الصين حريصة على التماسك والبناء والتنمية لا الحرب ، وأن أمريكا – ترامب تحديدا جل همها هو البناء الاقتصادي ، والرجل من اليوم الأول اعتبر أن بلاده ليست شرطي العالم أو دركه، ولهذا فلا وقت لديه لحروب تزيد من الأعباء الداخلية والخارجية على مواطنيه ،وبخاصة بعد ما تسببت فيه كورونا في الداخل من ارتفاع مستوى البطالة والمرجح أن يصل إلى 15 % قبل انتخابات نوفمبر المقبلة. الخلاصة ..السيناريو الصيني الأمريكي مفتوح على كل الاحتمالات في قادم الأيام.
مشاركة :