تركيا دولة لديها إمكانات غير محدودة وموارد بشرية وطبيعية هائلة وثروات ثقافية يمكن أن تنافس أي دولة متقدمة في كل مرحلة من مراحل الحياة تقريبًا. ولكن الرئيس التركي أردوغان أهدر كل ذلك من خلال وضع مصلحته الذاتية وطموحه الأعمى أمام مصلحة البلاد. سوف يكون إرثه ممّن ضلّ طريقه وترك بلدًا محطمًا في أعقابه. لو قام بفحص إرثه، فلن يجد سوى مواطنين مصابين بالصدمة وإدانة دولية وعار. لقد ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وخان أصدقاء تركيا وحلفائها وقام بتلويث الإسلام للترويج لأجندته الشريرة وانخرط في مغامرات أجنبية باهظة الثمن وأنفق ثروة لشراء النفوذ في الأراضي الأجنبية وصادق أعداء حلف شمال الأطلسي ولم يتوقف أبدًا جشعه المستمرّ عن طلب المزيد من السلطة.ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسانمن الصعب المبالغة في شهية أردوغان للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. لقد استخدم محاولة الإنقلاب الفاشلة للهجوم على أعدائه السياسيين. حقق مع 600 الف شخص، منهم الآلاف لا يزالون يقبعون في السجون دون توجيه اتهام لهم وسجن ما يقرب من 100 الف مواطن بريء بتهم وهمية، وطرد 150 الف من وظائفهم متهما إياهم زورًا بالإنتماء إلى حركة غولن.قام أردوغان بتنحية 4000 قاض ٍ ومدع ٍ عام واستبدلهم بأتباع له لتنفيذ أوامره. لقد اضطهد عشرات الأكاديميين واتهمهم زورا ً بنشر دعايات للمقاومة المسلحة. سجن 165 صحفيا لمجرد الإبلاغ عن الحقيقة وقام بالتمييز ضد الأقليات وكبح جماح وسائل التواصل الإجتماعي واستخدم جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) كذريعة لإصدار تعليمات وقوانين رادعة لخنق المعارضة.مهاجمة ما يتخيلهم أعداء محلييناستقطب أردوغان البلد بين المعارضة الليبرالية المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ وأخذ ينتقد بشدّة البلديات التي يديرها حزب الشعب الجمهوري في معالجة تفشي فيروس الكورونا. حظّر توزيع الخبز حتى على الفقراء خوفًا من أن يحظى رؤساء البلديات من المعارضة بشعبية أكبر من حكومته.يعتبر أردوغان الجالية الكردية (التي تمثّل حوالي 15 بالمائة من السكان) تهديدًا سياسيًا معتقدا ً أنهم يسعون إلى الحكم الذاتي ويحاول قمعهم بشكل حاقد. وبدلاً من إيجاد حلّ للصراع المستمر منذ 50 عامًا مع حزب العمال الكردستاني تخلى فجأة عن المفاوضات في شهر نوفمبر 2015، الأمر الذي صعّد من حدة العنف. وتعهد بقتل آخر مقاتلي حزب العمال الكردستاني المقاوم متناسيًا أنهم ثاروا قبل عقود من وصوله إلى السلطة وسوف يصمدون لعقود بعد تركه منصبه.خيانة حلف شمال الأطلسي (الناتو)يبدو أن أردوغان يعتقد بأنه عضو لا غنى عنه في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأنه يمتلك ثاني أكبر جيش دائم وفشل في إدراك أن قوة الناتو تكمن في الواقع في تماسكه ووحدته. لقد انتهك أحد المبادئ الأساسية لحلف شمال الأطلسي، وهو بالتحديد "تأسيس الحلف على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون" التي حطمها أردوغان بوقاحة في بلاده.لقد عرّض تكنولوجيا الدفاع الجوي التابعة للحلف للخطر من خلال شراء نظام صواريخ S-400 الروسي ورفض دعم خطة الدفاع لبولندا ودول البلطيق ما لم يقدم الناتو الدعم السياسي لقتال تركيا ضد وحدات حماية الشعب (YPG). وهو يهدد بإطلاق ملايين اللاجئين السوريين من تركيا ما لم يدفع له الإتحاد الأوروبي “فدية”. وأخيرًا، إنه يعمل بشكل وثيق مع إيران ووقع اتفاقية تعاون ديني في ديسمبر 2019 ويستمر في زيادة التجارة مع إيران متحديًا العقوبات الأميركية.انخراطه في مغامرات أجنبية مكلفةلا يبدو أن الضائقة الإقتصادية تؤثر على مغامرات أردوغان الخارجية. فمنذ شهر يناير/كانون ثاني نشر أكثر من 3000 من المتمردين السوريين في ليبيا وغزا سوريا في معركته التي لا تنتهي ضد الأكراد السوريين لمنعهم من إقامة حكم ذاتي. ومن خلال غزوه حقّق حلمه الطويل الأمد المتمثل في إقامة موطئ قدم دائم في البلاد.أسس قاعدة عسكرية في قطر بـ 5000 جندي تركي وهي ما يطلق عليها "رمز الأخوة". استأجر جزيرة في البحر الأحمر من السودان، ظاهريًا للسياحة، في حين أنها في الواقع لبناء منشآت عسكرية قريبة من المملكة العربية السعودية التي يعتبرها منافسه الديني القوي لقيادة المجتمع السني العالمي.شراء نفوذ في بلدان أجنبيةتم تصميم الإستثمارات التركية والمعونات المالية والتجارة الموسعة مع دول البلقان لزيادة نفوذ أردوغان. تقوم شركات البناء التركية ببناء وتشغيل 20 محطة كهرباء في صربيا. وتم تأسيس أول شركة طيران وطنية في ألبانيا كمشروع مشترك مع الخطوط الجوية التركية. تعمل حوالي 500 شركة تركية في كوسوفو بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 340 مليون يورو.قامت وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA) بتجديد مئات المواقع التاريخية في كوسوفو أثناء بناء مطار بريشتينا الدولي وشبكة توزيع الطاقة. وعد أردوغان البوسنة بأن تستثمر تركيا 3 مليارات يورو لبناء الطريق السريع بين سراييفو وبلغراد بينما حث الشركات التركية على توسيع استثماراتها في البلقان لجعلها تعتمد بشكل متزايد على تركيا.الإسلام "المنحرف" لتعزيز أجندة أردوغان الشريرةيستخدم أردوغان الدين ببراعة كأداة لدفع أجندته الإسلامية الشريرة. يتذرع باسم الله لتقديس أي برنامج يختار الترويج له، ويستثمر بشكل كبير في بناء المساجد والمؤسسات الدينية في جميع أنحاء البلقان. قام بتمويل بناء عشرات المساجد، بما في ذلك المسجد الكبير في تيرانا بتكلفة 30 مليون دولار – أكبر مسجد في البلقان. كانت "هدية" أردوغان لكوسوفو هي بناء مسجد ضخم على الطراز العثماني في وسط بريشتينا. في غضون ذلك، يدرب ويرسل الأئمة الذين يقدسونه في خطبهم بسبب "توجيهه السماوي" ويحافظ على علاقات وثيقة مع الأحزاب الدينية لتعزيز نفوذه.إنه يستخدم بلا خجل "تقواه" المزعومة كمسلم متدين يسترشد بالفضائل الإسلامية ومكرس نفسه لرفاهية مواطنيه. وفي الواقع أردوغان فاسد في جوهره، لا يرحم في ترهيبه وتهديداته ضد منافسيه السياسيين وهو مدفوع لإحياء عناصر الإمبراطورية العثمانية من خلال السعي بلا هوادة إلى طموحه لجعل تركيا القوة المهيمنة في المنطقة.في الختام، يجب على الأمم المتحدة وكل منظمة لحقوق الإنسان أن تدق ناقوس الخطر بشأن الانتهاكات الفادحة التي يرتكبها أردوغان لحقوق الإنسان والمطالبة بمساءلته وتحذيره من أنه سيعاني من عواقب وخيمة، بما في ذلك عقوبات، إذا لم ينهي انتهاكاته البشعة لحقوق الإنسان.يجب أن تصرّ الديمقراطيات الغربية على أن يستأنف أردوغان المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني وأن ينهي الصراع الدموي المستمر منذ 50 عامًا وأن يسمح للأكراد في تركيا بالاستمتاع بثقافتهم بالحرية والمساواة، وإلا فإنهم سوف يتراجعون عن تصنيفهم لحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.على حلف شمال الأطلسي الناتو أن ينبه أردوغان إلى أن انتهاكه لميثاقه وتعاونه مع روسيا التي تسعى إلى تقويض الحلف أمر غير مقبول، وإلا فإن الحلف سينأى بنفسه عن تركيا وينهي تبادل المعلومات الإستخبارية والتدريبات العسكرية ويفكر في طرده من الناتو.يجب أن تدرك البلدان التي فيها لتركيا وجود عسكري، بما في ذلك سوريا وليبيا والسودان وقطر،بأن الغرض الرئيسي من أردوغان هو إقامة موطئ قدم دائم وممارسة تأثير غير ضروري كجزء من طموحاته المهيمنة.و يجب على الدول المنفتحة على الإستثمارات التركية والتطورات الإقتصادية، مثل دول البلقان، أن تعلم بأن استثمارات أردوغان ليست سوى وسيلة يمكن من خلالها التلاعب بهذه الدول للوقوع في المدار التركي.وينبغي على الأئمة وغيرهم من قادة المؤسسات الإسلامية أن يحدّوا من تدخل أردوغان في شؤونهم. كما وينبغي على دول البلقان على وجه الخصوص حيث عروض أردوغان الدينية معروضة باستمرار أن تكون حذرة من تلاعبه الديني الماكر.من المؤكد أن أردوغان أظهر القدرة والإرادة للقيام بكل ما يتطلبه الأمر – بغض النظر عن مدى كونه غير أخلاقي – لتحقيق هدفه الخطر. لا يدرك أردوغان أنه بشر وأن حكمه سيصل حتمًا إلى نهاية غير شريفة وأن إنشاء إمبراطوريته الخيالية محكوم عليها بالزوال قبل أن يتلاشى ضوء الصباح.
مشاركة :