الثقافة في ظلال كوفيد-19 منصّات عابرة للحدود

  • 5/28/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ربما من السابق لأوانه، الدخول في محاولة استخلاص الدروس والعبر، أو حتى الحسم، في مآلات تحول مجمل النشاط الثقافي حول العالم إلى شكل من أشكال التواصل عن بُعد، ونحن لا نزال على عتبة دهشة البدايات وقلق المآلات مع هذا الحدث الكوني، لكن لا بأس أن نجرب قراءة، وتلمس نتائج بدايات هذه الرجَّة المعرفية المكينة مع هذا التحول المفاجئ والاستراتيجي لمجمل نشاط المؤسسات الثقافية الرسمية، وشبه الرسمية إلى المنصات الأونلاينيَّة، هذا المكسب التكنوثقافي، الذي بات مساحة الاستضافة الوحيدة لمجمل النشاط الإنساني، ونافذة التواصل مع العالم الخارجي، في ظل العزلة القسرية المفروضة على البشرية جمعاء. «الاتحاد» تساءلت: كيف تفاعل المبدع الشاب مع هذه النقلة المفاجئة في استثمار المنصات العابرة للحدود في التواصل والتبادل الثقافي بعيداً عن الوسيط المكاني المعتاد؟ وما هي مآلات هذه الهبّة الثقافية بكثافتها وتعددها وزخمها من ناحية المحتوى والقيمة؟ تقول الكاتبة نورة عبدالله الطنيجي: «بما أنني تقليدية الطباع، كنت أعتقد بأنَّ هذا سيثير في نفسي الضجر والملل، خاصة مع كثرة المواقع والبرامج والندوات، إلا أنني وجدت العكس تماماً، وأصبح ميْلي للاطلاع على النشاط الثقافي، أكثر فاعلية وأكثر حماسة. كما أنه حررني من ثقل الحضور الشخصي للفعاليات الثقافية، وحقق لي شخصياً، ميزة التواصل مع كل ما يجري في العالم من دون قيود المكان أو الزمان، وقد أصبح العالم كله حاضراً على شاشة هاتفي بكل الأوقات، كما أنه حفزني لإتقان مهارات التعامل مع التقنية، بشكل أكثر احترافية». فهم قواعد اللعبة يلفت الكاتب محمد حسن المرزوقي إلى أن «التقنية كانت دائماً متاحة للاستفادة منها، ولكن يبدو أن الكثيرين كانوا غير مقتنعين بها أو لا يرونها. وعندما اضطروا للاقتناع بها، ورأوا بأنه لا مفر من استخدامها، تحولت برامج التواصل الاجتماعي إلى ساحة للفوضى الثقافية مع تهافت الجميع للظهور، لمجرد الظهور، ومن دون وجود أي مادة أو محتوى». ويرى المرزوقي أن السبب في ذلك يعود إلى طبيعة وسائل التواصل الافتراضي، «فهذه الوسائل تعتمد على السرعة والإيجاز، والتكثيف، ليس على مستوى اللغة فقط، بل على مستوى فترة المشاهدة. وبحسب بعض الإحصائيات، فإن متوسط المدة الزمنية التي يمكن أن يشاهد فيها المستخدم مقطعاً مرئياً، لا تتجاوز (5) دقائق (وقد تكون أقل من ذلك)، ومن هنا، يخسر كثيرون من أصحاب المحتوى فرصة كبيرة لجذب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب عدم إدراكهم لطبيعة هذه المنصات، وإصرارهم على ممارسة أنشطتهم الثقافية بشكل تقليدي، سواء من ناحية المحتوى الذي يقومون ببثه، أو من ناحية مدة البث». يضيف: «أدرك جيداً أن هذا التحول، كان مفاجئاً وسريعاً، ما جعلنا عرضة لمثل هذه الأخطاء، ولكن ما لم نتجاوز هذه الأخطاء بسرعة، فستخسر مؤسسات الثقافة فرصة أخرى في العالم الافتراضي، كما خسرت الكثير من فرصها في العالم الواقعي». ومن جانبها، ترى آمنة باروت الحمادي أن هذا التحوّل أسهم - إلى حد كبير- في حل مشكلة غياب الجمهور الذي كان يجري الحديث عنه لسنوات، فالمسافات الجغرافية بين الإمارات السبع، وساعات العمل التي تتجاوز الثماني فعلياً، والازدحام المروري، كانت تدفع المرء إلى المفاضلة بين الفعاليات والأنشطة التي يحضرها. من هنا ربما يبرز الجانب الإيجابي لهذا التحول الذي خلق مساحات افتراضية حرة تصل إلى الأشخاص وهم في منازلهم من دون تضييع الوقت، كما في الحالات الطبيعية. ولكن من سلبيات هذا الوضع، غياب أسس النقد المنهجي، ما أضعف من قيمة المنتج الإبداعي والفكري والمعرفي الذي يقدم، خاصة وقد أصبحت الساحة الافتراضية منصة يرى الجميع فيها أنَه يستطيع تقديم محتوى مهم للجمهور، ويرى الجميع في نفسه، شاعراً وكاتباً وطباخاً، ومغنياً ورساماً، وهو التحدي الكبير الذي سنعاني منه مع كل هذه الكثافة الافتراضية. التحدي الأكبر يعتقد الشاعر حسن النجار أن ما نعيشه اليوم «سيغير كثيراً من نمط التفكير في مفهوم التفاعل والتواصل مع المنجز الثقافي، وقد أصبح اليوم افتراضياً بشكل لا اختياري، وكأنه يقول للجميع: إما أن تكون موجوداً، وإما أن لا تكون، وهذا له إيجابياته من ناحية إغناء المحتوى الإلكتروني، ودفع المؤسسات الثقافية إلى التنافس فيما بينها لتقديم أفضل ما لديها». ويستدرك: «لكن... هنا سيتساوى الفرد والمؤسسة بالإمكانات؛ إذ لا تحتاج العملية سوى جهاز كمبيوتر أو هاتف متحرك، بالإضافة إلى شبكة إنترنت، بل قد يتفوق الأفراد في حالات كثيرة على المؤسسات، بما يحمله البعض من كاريزما، وقبول اجتماعي. وهنا التحدي الذي سيواجه المؤسسات الثقافية والإعلامية معاً، من ناحية تقديم المحتوى الإبداعي بأفكار ابتكارية وعصرية تفعِّل طاقات الشباب وتخاطبهم بلغة اهتماماتهم وهم يراقبون العالم من وراء الشاشة الصغيرة». وتذهب الكاتبة نادية النجار إلى أن القطاع الثقافي «استطاع التكيف مع الوضع الراهن، وتحويل نشاطاته إلى العالم الافتراضي، كبديل ناجح ومفيد في ظل الظروف الراهنة، إلا أنه يفقدنا ميزة التواجد الفعلي في مكان الحدث، والتفاعل الحقيقي مع الأشخاص، ولكن ذلك لا يُقلل من مميزاته الكثيرة في التواصل والتفاعل مع أي نشاط ثقافي يرغبه المرء وفي أي مكان وزمان. فضلاً عن أهمية هذه المبادرات الافتراضية، كونها تبث الراحة والطمأنينة والإيجابية في نفوس الناس، وتجعل الثقافة في متناول الجميع، وتستثمر أوقات الأفراد في البيت، فالبشر مهما اختلفوا، تجمعهم الثقافة والفنون». ومع هذه الإيجابيات، تتطلع النجار إلى اليوم الذي تعود فيه الحياة إلى طبيعتها، و«أن أقدم فعاليات ثقافية على أرض الواقع، وأحضر الندوات ومعارض الكتب والمتاحف، فعلياً لا افتراضياً». خَيار اضطراري لم يتفاجأ سليمان بن عيد الحمادي نائب رئيس جمعية الإمارات للتصوير الضوئي، كما يقول، بتحوّل النشاط العام كلياً إلى شكل من أشكال التواصل عن بُعد، وإن أصبح اليوم مع الظرف الكوروني إلزامياً وليس خياراً إرادياً وهنا الفرق. ففي ظل هذه الأزمة صار إلزامياً على المشتغلين التقليديين بالثقافة التعامل مع هذه التكنولوجيا، بعيداً عن فكرة الزهد بها لأنها لم تعد فكرة واقعية، بل قد يسبب الاستغناء عنها حالة من الأمية التكنولوجية، لذلك، وإلى حد ما، لا أجد أن التباعد الجسدي قد يعرقل الاستمرار في تقديم الأهداف التي نتطلع إليها ثقافياً وفكرياً، ما دمنا نُحسن استخدام تلك الوسائل الحديثة وفق لغتها وشروطها وإلا سيكون ما يُقدم عبرها محتوى أقل نضجاً لعدم ضبطها وإدارتها كما يجب.

مشاركة :