بطالة الأزواج بسبب كورونا تعرقل نفقة المطلقات | أميرة فكري | صحيفة العرب

  • 5/28/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مثلت جائحة كورونا فرصة ثمينة لبعض الأزواج للتنصل من دفع نفقة الزوجية، فمنهم من لجأ إلى الامتناع عن تقديمها للأم بسبب التعسر المادي، فيما ذهب آخرون إلى تقديم وثائق لإثبات عجزهم عن تحمل النفقة بحجة الفصل من الوظيفة، لتخسر المطلقة دعواها قبل أن يُناقشها القاضي، وتواجه أعباء تربية وتعليم وسد متطلبات الأبناء دون مصدر مالي يبعدها عن الفقر. القاهرة – اضطرت ليلى محمود، وهي أم مطلقة ترعى ثلاثة أبناء، إلى رفع دعوى قضائية استعجالية أمام محكمة الأسرة بالعاصمة المصرية القاهرة للحصول على نفقة مؤقتة من طليقها، لإعانتها وأولادها على مواجهة الأعباء المعيشية في ظل جائحة كورونا، لكن طلبها قوبل بالتجاهل، لأن يكون المبلغ المطلوب يفوق قدرة الزوج خلال فترة الركود الاقتصادي. وتعيش الأم وأولادها في ظروف أسرية بالغة الصعوبة، دفعتها إلى حرمانهم من الحد الأدنى لاحتياجاتهم، فلا هي تتمتع بمصدر دخل ثابت يعينها على مسايرة الحياة، ولا هي في عصمة زوج يتحمل معها توفير المتطلبات المالية التي تساعد في مواجهة التحديات الراهنة، ما دفعها للعمل في المنازل كخادمة، لحين رفع دعوى قضائية أخرى للمطالبة بحقها في النفقة. قبل انتشار كورونا، كانت محاكم الأسرة تستقبل دعاوى المطلقات للمطالبة بنفقة مؤقتة لحين الفصل في دعاوى النفقة الدائمة لبقاء الوضع الأسري كما هو دون تغيير يؤثر سلبا على قوامها واحتياجاتها ويدخل الأبناء دائرة الحرمان، لكن تحجج الكثير من الأزواج بالظروف الاقتصادية والتشرد الوظيفي دفع المحاكم لتجاهل طلب النفقة المؤقتة. قالت ليلى لـ”العرب”، إن طليقها كان يعمل في قطاع السياحة، وعلمت أنه تم إنهاء خدمته، لكن ذلك لم يثنها عن طلب النفقة، وتخشى أن يتأثر القاضي بظروف زوجها السابق ويحكم بمبلغ هزيل، أو يرفض قبول الدعوى أساسا، لأنه لا يستطيع تدبير المبلغ شهريا، حيث علمت من المحامي أن قيمة النفقة يتم تقديرها حسب حال الزوج. وجود مظلة حكومية لحماية المطلقات وأبنائهن في الظروف الاقتصادية الاستثنائية أصبح ضرورة حتمية وتظل الثغرات القانونية معضلة كبرى أمام المطلقات لتنفيذ بعض الأحكام القضائية، فإذا قررت مطلقة رفع دعوى لم تعد تستطيع إثبات مصدر دخل طليقها ويمكن بسهولة مع الظروف الاقتصادية التي ضربت كل القطاعات أن يقدم ما يثبت فصله عن العمل وعدم قدرته على تحمل النفقة. وكان بنك ناصر الاجتماعي التابع للحكومة يتكفل بدفع أجزاء من النفقة للمطلقة التي حصلت على حكم قضائي، لكنه لم يعد يستطيع القيام بالمهمة أمام الزيادة المطردة في أعداد المطلقات وتنصل أغلب الرجال من دفع الأموال، حتى أصبحت الأحكام القضائية الصادرة للمطلقات غير قابلة للتنفيذ للظروف الاقتصادية العامة وتبعات الأزمة على الأزواج أنفسهم. ولم يعد البنك الحكومي المعني بصرف قيمة نفقة الزوجية يقدم للمطلقة قيمة 500 جنيه (33 دولارا) شهريا، ولو حكمت المحكمة على طليقها بأضعاف هذا الرقم، أي أن الحصار المفروض عليها متشعب، فلا القضاء ينصفها ولا الزوج يفكر في أولاده ولا الحكومة قادرة على تحمل ظروفها، ما يدفعها لتدبير احتياجات أسرتها بطرق لم تعتدها. وأمام انشغال الحكومة بمواجهة وباء كورونا، لم تعد هناك مطاردات أمنية وقضائية للأزواج الذين تنصلوا من دفع النفقة، فثمة تعديلات تشريعية جرت على قانون النفقة في أكتوبر الماضي، ألزمت الحكومة بتتبع المتهربين واعتبارهم مدينين لها، لرفع هذه المهمة الثقيلة عن كاهل المطلقات حتى يتفرغن لتربية ورعاية أبنائهن، وفي الواقع لم تطبق هذه النصوص. صحيح أن مبلغ النفقة الزوجية غالبا ما يكون هزيلا ولا يرقى لأن يكون سببا في إعانة أسرة، لكنه كان يساعد المطلقة في تدبير مصروفات أحد البنود، وتستكمل باقي تكلفة احتياجاتها وأولادها من عملها، حتى جاء كورونا ليغير الحياة، فهناك من تشردت وظيفيا، وأخرى حصلت على إجازة عمل دون راتب لمراعاة صغارها لظروف غلق الحضانات والمدارس، وأصبح الشح المالي من كل اتجاه. الثغرات القانونية تمثل معضلة كبرى أمام المطلقات الثغرات القانونية تمثل معضلة كبرى أمام المطلقات وإذا اضطرت المطلقة إلى اللجوء لعائلتها لإعانتها على مواجهة أعباء الحياة وتدبير احتياجاتها وأولادها، فكثيرا ما تتعرض للتنمر والمعاملة القاسية لأنها في نظر أسرتها لا تستحق المساعدة باعتبارها السبب في أن تحمل لقب مطلقة، ومهما بررت سوء تصرفات زوجها السابق وصعوبة الحياة معه، يكون الرد بأنه كان عليها التحمل والصبر، ما يدفعها في غالب الأحيان إلى العيش بعيدا عن عائلتها ولو واجهت الحرمان وتسول لقمة العيش. وينعكس التغير في حياة المطلقة بسبب الشح المالي على حياة أبنائها، وتكفي مطالعة أرقام طلبات التحويل من المدارس الخاصة ذات المصروفات العالية قبيل بدء العام الدراسي الجديد إلى أخرى حكومية مجانية كحل اضطراري أمام الأم لاستكمال تعليم أولادها بأقل تكلفة، ما يتسبب في أذى نفسي للطفل الذي عاش سنوات طويلة مع زملاء وأصدقاء في مدرسة راقية. وقالت أسماء عبدالله، وهي باحثة اجتماعية واستشارية في العلاقات الأسرية، إن وجود مظلة حكومية لحماية المطلقات وأبنائهن في الظروف الاقتصادية الاستثنائية أصبح ضرورة حتمية، لأن تخلي كل الأطراف عنهن سوف ينعكس بشكل خطير على أولادهن نفسيا وصحيا وتعليميا، وقد تنتج عن ذلك أجيال غير سوية تتمرد على المجتمع وتنتقم منه مستقبلا، لأنها حُرمت من الحد الأدنى للحياة الآدمية لمجرد أن الأم حملت لقب مطلقة. وأضافت أن الحرمان المادي الذي تعيشه المطلقات لن ينتج عنه قوام أسري متماسك، لأن الأم سوف تواجه الضغوط الواقعة عليها من ناحية الأبناء، في صورة تقشف أو حتى متاعب نفسية، ويصبح الصغار أضعف حلقات الصراع بين الزوجين بعد الانفصال، ما يستدعي تعديلات في قانون النفقة بمصر تستهدف مصلحة الأولاد في المقام الأول، فأيّ مصير ينتظر الابن الذي تم طرده وأمه من السكن لعجزها عن دفع الإيجار الشهري؟ وبغض النظر عن طبيعة معاناة المطلقات التي عمقتها جائحة كورونا، تظل هناك عقبة تكرس الحصار المفروض عليهن، إذ يعتقد بعض الأزواج أن حصول المطلقة على جزء من أموالهم، انتصار يقلل من رجولتهم ولو كانوا مقتدرين ماديا، ولا يدركون أن النفقة توجه للأبناء والتنصل منها ينعكس سلبا على مستقبلهم، ما يفرض على المؤسسات الدينية والحقوقية إعادة تصحيح مفاهيم وأخلاقيات الأبوة عند هذه الفئة.

مشاركة :