التشكيل في الإمارات بين الانطباعية والقراءات شبه الأكاديمية

  • 7/1/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن مسار حركة التشكيل الإماراتي معبّداً بالورود كما يتصور البعض، وهذا أمر طبيعي، وهو من سنن البدايات، لا سيّما أن الذاكرة الثقافية والفنية في أي بلد من البلدان هي بالضرورة سيرة مشاكسة، في معانيها ودلالاتها ومنطلقاتها، بمعنى أنها ليست كماً أو نتاجاً باتجاه واحد، هي بالضرورة خلاصة فكر واختلاف واتفاق وتجارب ومدارس وإخفاقات ونجاحات أيضاً، لا بدّ من المرور عليها ونحن نوثق لمثل هذه التجربة، التي هي في العمق تجربة عربية وعالمية أيضاً، من حيث المحطات التي مرت بها، شأنها شأن التجربة الإبداعية السردية والشعرية والثقافية بوجه عام. تخيلوا الدكتور محمد يوسف، وهو التشكيلي والمسرحي المعروف، والاسم الذي عاصر التجربة من بداياتها جالساً أو متربعاً بين كومة من قصاصات ورق الجرائد، يستعيد ما كتبته، أو وثقته هذه القصاصات عن البدايات حتى عام 1985، وهو عام إنشاء جمعية الإمارات للفنون التشكيلية. المشهد ليس خيالاً برمته، هو مشهد أو صورة حقيقية له، استهلها كتاب النشوء والارتقاء في الفن التشكيلي الإماراتي، للعراقي الدكتور إحسان الخطيب وصدر في الشارقة عام 2014. كومة الجرائد تلك، تدل على أن النقد التشكيلي الإماراتي يدين للتجربة الصحفية والإعلامية، وتلك المقاربات الانطباعية، التي شكلت جزءاً مهماً من مسيرة التجربة ونافذة يتنفس من خلالها التشكيليون، الذين مارس بعضهم - بحسب اطلاعهم وخبراتهم - نوعاً من النقد الذاتي، لا سيّما أن منطلقات هذه التجربة بدأت من البيئة بوصفها فضاء معقولاً، أمكن ترجمته من خلال الخط واللون والرسم التعبيري الذي تدرج لاحقاً، ليستفيد من التجريدية التعبيرية التي غلبت على مسطحات اللوحة، من حيث الكتلة والفراغ، وهما ما ميّزا الحسّ الفني الذي غلب على التجربة برمتها، مثل أعمال: د. نجاة مكي، عبد الرحيم سالم، عبد القادر الريّس، ابتسام عبدالعزيز، عبد الرحيم المعيني، محمد القصاب وغيرهم الكثير، وحتى قبل أن تنفتح التجربة التشكيلية برمّتها على فضاء الفن المعاصر بحداثته، التي اشتملت على النظم والتركيبات وتبنّي بعض طروحات المفاهيمية في الفن، كما هو عند الرائد حسن شريف، وما أعقبه من تجارب لاحقة زادت من استيعابها للفن، محاكية نظام الفيديو آرت وغيرها من التجارب العالمية. رسم عبد القادر الريّس الأبواب والشبابيك بشفافية لونية مستفيداً من المدرسة الانطباعية، وحاكى عبد الرحيم سالم في مرحلة من المراحل التراث الإماراتي موظفا الخرافة بمسحة من التجريد الواضح، كما رسمت د. نجاة مكي ذاكرة الطفولة التي أثرت في وعيها التشكيلي، مستفيدة من الزخارف والألوان والأشكال، ضمن فضاء تعبيري تجريدي أنيق، كما اتجهت فاطمة لوتاه لترسم فضاء من الخطوط والكتل والمنحوتات المترافقة مع تعابير نصية ذات دلالات صوفية شفيفة. أما حسن شريف فانخرط في التجربة المفاهيمية بوصفها واحداً من الاتجاهات المعاصرة في الفن، ساعياً إلى ترسيخ مقولة إن الفن يقوم أساساً على ترجمة الفنان لفكرته باستخدام أي وسيط يراه مناسباً، وتبعه في هذا الخيار أسماء لافتة مثل: محمد كاظم، وعبد الله السعدي وابتسام عبد العزيز وليلى جمعة وغيرهم، والمفاهيمية ضربت أو نحتت اللوحة المسندية خياراً فنياً تقليدياً مألوفاً، وذهبت نحو ترجمة الفن بوصفه منتجاً فكرياً. وعودة إلى نقطة البدء، فقد شكل كتاب النشوء والارتقاء في الفن التشكيلي الإماراتي، ذاكرة للتوثيق الفني من خلال استدراج الفنانين ليحكوا عن تجاربهم الخاصة، تحدث د. يوسف عن إرهاصات تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ودوره البارز في هذا المجال وسعيه لجمع شتات الفنانين التشكيليين في مقرّ يحتضن تجاربهم، مرّ د. يوسف بأسماء كثيرة منها من سبق ذكرهم، وأضاف عليها: عبد الرحمن زينل، وهشام المظلوم، وعبد الكريم السيد، ومحمود الرمحي، ود. يوسف عيدابي، وقال إن مسألة تأسيس الجمعية انطلق فعلياً وتاريخياً من مسرح الشارقة الوطني، بحكم وجودي فيه. أما د. نجاة مكي فقالت ألعاب الطفولة إن كانت ألعاب البنات المعروفة أو ألعاب الأولاد، كدفع عجلات الدراجات الهوائية بالعصا وغيرها، البيوت الشاهقة فوق رأسي، الزخارف العظيمة المحفورة على الأبواب والشبابيك والجدران، الزخارف الموجودة على ملابسنا، وعلى الأقمشة المختلفة، وعند بائع الأقمشة النسائية، كنت أقف عند دكان محمد أسد، عندما تأخذنا الوالدة لشراء ملابس العيد، أقف مبهوراً وأنا أشاهد الألوان والزخارف على تلك الأقمشة... إلخ، كل تلك الأشياء جعلت للدائرة مكاناً خاصاً في أعمالي الفنية في ما بعد، لما تمثله من حركة وتوازن واكتمال جمالي. ختاماً، فإن كتاب النشوء والارتقاء في الفن التشكيلي الإماراتي للدكتور الخطيب، -ومع ندرة الأسماء النقدية في المجال- يدعونا للتنويه بكتابالناقد والتشكيلي علي العبدان القرن الجديد: اتجاهات الفن التشكيلي في الإمارات بعد عام 2000 الذي يسجل فيه نظرته للفن متأثراً بالبيئة المحلية، التي يعترف العبدان أنها - أي البيئة - لم تكن غنية بالألوان بحكم طبيعتها الصحراوية، ويتميّز هذا الكتاب بقراءة شبه أكاديمية واعية لمجمل النظريات الفنية ومدارسها المعروفة، في حين يُعدّ كتاب د. الخطيب كتاباً حوارياً بالدرجة الأولى، وهو مهم أيضاً كونه يسجل على لسان أكثر من عشرين فناناً عاصروا معظمهم بدايات التجربة التشكيلية، ومارسوا شغفاً فنياً استفاد كثيراً من البيئة الإماراتية قدر استفادته من التجربة التشكيلية المعاصرة.

مشاركة :