1- الصلاة تعلِّمنا الحب شيئاً فشيئاً، الحب غير المشروط؛ فهناك ميل فطري لحب الله والنزوع له، والركون إليه، والصلاة تعيدك إلى أصل الحب وحقيقته، لأنك من خلالها تتصل بالله وتتعبده بالحب الحقيقي الذي قدم لك كل شيء ابتداء بحب، ودونما اشتراطات في العطاء العاجل على الأقل. 2- الصلاة تلملم شتات الكينونة المتناثرة، وتعيد الإنسان إلى جوهره، بوداعة ومن خلال طقوس سلسة سهلة؛ فهناك نية ومكانها القلب، وهناك كلمات الصلاة سواء التكبيرات، التسبيحات أو قراءة الفاتحة، وشيء من القرآن، وهي كلمات نورانية، ذات ترددات عالية، تحيي المشاعر القلبية الكامنة كالخشوع، الإخبات، الحب، الامتنان، التفاؤل، السلام، الطمأنينة والرضا وحين يتفق مع العقل بالفهم والتدبر، ويرافقها حركات جسدية موقوفة ومخصوصة نص عليها الوحي، فإذا اتفقت هذه الأبعاد فقد التحمت قطعه المتناثرة وشظاياه المتفرّقة، فبلغ الإنسان معها حقيقته، ونجح في العودة لنفخة الروح المقدسة التي تسكنه. 3- لا يوجد سكوت في الصلاة، ولكن يوجد صمت وسكون؛ بدءاً من تكبيرة الإحرام، التي تصدح بأن الله أكبر، وأن كل هم واهتمام دونه يتضاءل، كما أنه عند قراءة القرآن والتسابيح والأدعية، ففي كل أحوالك أنت قد أغلقت دون نفسك الأمَّارة (الذات السفلى) طوفان من الأفكار المتزاحمة، وأسكنت شرارات المشاعر الغاضبة واطفأت لهيب أخرى طائشة، وهذا تمرين متكرر منك يهيئوك لاحقاً، للانخراط في مشاغل يومك بهدوء وحكمة وتسامح. 4- التكرار مقصود وليس عبثاً، سواء في التكبير، والتسبيح، وقراءة الفاتحة، وهذا التكرار من شأنه أن يعزِّز المعنى والفكرة، ويقوي تأثيرها، ويضاعف صداها، فكم من الإعانات الإلهية تساق لك، وكم من الهدايات الربانية تتقدّم أمامك، وأنت تدعو بذلك وتكرره بنية مقصودة في كل مرة. 5- نون الجماعة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، تكرّس النموذج الموحّد للعقلية الجمعية المؤمنة، إذ تتضمن شكلاً فكرياً ونموذجاً مستقيماً راشداً ينتهي إلى طريق الله جلَّ وعزَّ. 6- نحن نترقى في مدارج الصلاة لبلوغ مرتبة الإيمان، واليقين، فالصلاة طاردة للشك. ومن المعلوم أن الارتياب والشك جالب للقلق وهذا من مقدمات أمراض العصر الحديث. 7- الحضور يُكتسب من خلال دوام الخشوع والتدبر، وهذا تدريب خمس مرات يومياً كاف بتقوية تركيزك، وتحديد وجهة انتباهك، وكمال حضورك. 8- أثناء الصلاة هناك تفاعل وتجاوب يتشارك معك فيه العالم النوراني الذي يحيط بك، فملائكة تؤمّن، وتستمع وترفع صلاتك، وتستغفر لك عن النقص والسهو، ولذا فالمستحب المكث برهة وعدم التحول أو الحديث مع غيرك أو الانصراف المباشر بعد الصلاة، إذ التحول المباشر الفوري من مقام لمقام آخر، يرهق ويستهلك ويحرم المصلي من خير غيبي وفير. 9- الصلاة تعبير تلاحمي بين الإنسان والكون؛ فحين تضع قدميك منتصباً على الأرض وحالما تمس جبينك سطحها، فإن السيئات ومعها كل ما التصق بالذاكرة من خطيئات، تتناثر من على منكبيك باتجاهها، عملية الاتصال والتفاعل هذه تعيدك إلى أصلك الطيني، إذ إنه لا يوجد من يفهمك ويسهم في شفائك، سوى من يشبهك وتعود إليه في أصل خلقتك. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} (الحج: 18). كما أن أوقات الصلاة متزامنة مع حركة أجرام الكواكب ودورانها في أفلاكها، وأدائها في أوقاتها تعبير - ليس شكلياً فقط- عن التناغم مع الكون، والانضمام لجموع الساجدين من مكوناته، ولا شك أن هناك تفاعلاً ربما لم نكتشف أسراره بعد يجري في تلك الأوقات تحديداً يعمل في مصلحة الإنسان ككل (جسد - نفس - قلب - عقل). 10- الصلاة تدربنا على قبول الذات المتجرّدة، بصرف النظر عن تجاربها، وما تحمله من أخطاء وقصور؛ فأنت العبد المفرِّط المقصِّر، مسموح لك بالدخول بحضرة الله في كل وقت، وفوق ذلك ففي {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تتشرف بمقاسمته لك وسرعة إجابته بمجرد مثولك بين يديه بعد حمده والثناء عليه، وتمجيده، ومسموح لك بمخاطبته، ورفع شكواك له بدون حارس، وحاجب وكذلك من غير احتياج لمترجم ووسيط، تبح بأسرارك دون خجل أو خوف ملاحقة أو شعور بندم، والله تعالى وحده من يجبر الكسر ويستر العيب ويلطف بالحال ويدبر الأمر ويقضي الحاجة وهذا ما يساعد على التشافي السريع واستعادة الاتزان النفسي والتقدير الذاتي. فتتقبل نفسك ووضعك.
مشاركة :