نقول “الموت حق”، ولكننا نأمل أن ينسانا ونؤثر أن ننساه. ذلك من طبائع الحياة نفسها. حتى جاء وباء كورونا ليعيد التذكير بالحق، وبأنه أقرب إليك من يديك. تكتشف عندما تقترب من الفكرة، أن عالمك هزيل ومليء بما لا يُحصى من الصغائر. وأن المرء يغلو بها وكأن الدنيا كلها له، وأن الوجود يفترض أن يخضع لإرادته، وأنه بعيد كل البعد عن مواجهة الحق. ماذا يعني أن تعرف أن الموت قريب؟ هل يمكن لهذا القرب أن يغيّر فكرتك عن نفسك والناس والوجود؟ ثم ماذا يُفترض أن تفعل، وأنت ترى أنك يُمكن أن تكون التالي الذي تحمله سيارة الإسعاف إلى حيث لا مخرج؟ لقد راعني أن الله سبحانه، على امتداد القرآن الكريم كله، لم يقسم بشيء من مخلوقاته مثلما أقسم في “الشمس وضحاها”. فلقد تردد القَسَم سبع مرات. ولو أنك عدتَ لتقرأ السورة فلسوف تندهش من توالي القسم من بعد القسم. أما جواب القسم، فقد كان جملة واحدة “قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها”. ربما ليقول لنا ربُنا إن تزكية النفس من أدران الضغينة والحسد والطمع والكراهية والغرور وغيرها، هو المفتاح، لكل ما يعنيه التشدد في القسم الذي تغلظ لسبع مرات. ولقد وضعت الموت قُدّامي، من جديد، أنا الذي رأيته ذات مرة. ولقد كانت تلك المرة كافية لكي أتعلم درسا من أعظم دروس الحياة الدنيا: وهو أنها إلى الوهم أدنى. وكل ما نملكه أو نحرص عليه، هو الآخر وهم. وأعني وهم بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ شيء يشبه جمع الماء في غربال، أو مجرد ظل لحقيقة أخرى خفية، لن نبلغها إلا عندما نغادر عالم الوجود المادي إلى عالم الوجود الحقيقي. “الوجود المادي” يبدو وكأنه حقيقة صلبة. أليس كذلك؟ وفي الواقع، فإن مادية هذا الوجود هي ما يمنحه صورته المخادعة، حتى ليبدو وكأنه هو الوجود الذي لا وجود لسواه. علماء الفيزياء الكونية يقولون الآن شيئا آخر: هناك وجود آخر أقوى بملايين المرات، ولكننا لا نراه. وعندما ترى الموت، سوف تعرف ما معنى قوله تعالى “يوم لا ينفع مال ولا بنون”، لأنك إذ تذهب، فلن تأخذ معك شيئا، إلا نفسك، بما حملت. ألم يقل لك ربك: قد أفلح من زكّاها؟ فقلت لنفسي، طهر نفسك، وطهر جسدك وطهر ثيابك. وقف لتصلي وتستغفر ربك كما تستغفر لكل من حولك. وإذ رأيت الموت محمولا على أكف الفقر والغنى، فلقد شعرت كأني أخشاه وأستهونه؛ أخشاه مما علق في نفسي من أدرانها، وأستهونه رغبة بالخلاص من تبعات الوهم. فكتبت شاهدتي سلفا: أنا الذي بـلَّـغَ المعْـنى مقاصدَه وشاءَ من أمره نأيا لينعزلا وأسلم الأملَ الخلاّبَ مفازته فزادَه النأيُ إعياء بما هزلا بدتْ بخير له الدنيا بما صنعتْ فقام يخلي لها المأمول والأملا حتى أضاء بنور اللهِ خَشْيتَه وكان أحنى جبينَ الذلِّ إذ وَجِلا وقال ربِّ رضاكَ الآنَ أسألهُ “فإنَّ غَـيْمَ التلاشي صار مُـتَّـصِلا” قد كان فيها أبا الزهراءِ ثمَّ مضى فكيف لدونه إبطاءٌ لما عَجِلا
مشاركة :