لن تكون اليونان الجهة الوحيدة المتضررة من تعثرها في سداد قسط من دينها لصندوق النقد الدولي إذ قد ينعكس الأمر سلبا على مصداقية المؤسسة المالية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها. وتسري تكهنات متزايدة منذ عدة أسابيع حول ما سيحل بالاستحقاق بقيمة 1.5 مليار دولار الذي كان على أثينا تسديده. وظل الصندوق حتى أخيرا يستبعد سيناريو التعثر. وفي مطلع حزيران (يونيو) تمسكت مديرته العامة كريستين لاجارد بتأكيدات رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس الذي دعا إلى "عدم التخوف" بهذا الشأن. وقال متحدث باسم المؤسسة المالية الأسبوع الماضي إنه يتوقع من اليونان أن تفي بهذا الاستحقاق الذي يشكل قسطا من خطط المساعدة المالية الضخمة التي منحها الصندوق والاتحاد الأوروبي لليونان. غير أن انقطاع المفاوضات بين اليونان ودائنيها بدد هذه الآمال وقال تسيبراس "هل يعقل أن يكون الدائنون ينتظرون أن نسدد صندوق النقد الدولي في حين أنهم يخنقون المصارف؟". وان كانت المخاطر التي يواجهها الصندوق أقل حدة إلا أنه لن يخرج من المسألة سالما تماما، برأي مختصين تحدثوا لوكالة الأنباء الفرنسية وقال أسوار براساد المسؤول السابق في المؤسسة المالية إن "تعثر اليونان ولو لفترة قصيرة سيشكل وصمة لسمعة صندوق النقد الدولي وسيضعف الفرص في أن تثير خططه المستقبلية للمساعدة تدفق أموال خاصة إلى دول تواجه أزمة". والصندوق الذي تلجأ إليه عادة البلدان عند افتقارها إلى السيولة، سبق أن واجه صعوبات مع اليونان. فقد اضطر من قبل إلى الإقرار بارتكابه خطأ إذ فرض على اليونان نظام تقشف للخروج من أزمتها غير أنه أدى في نهاية المطاف إلى خنق النمو الاقتصادي. كما تعرضت المؤسسة لانتقادات من الداخل أيضا إذ أخذت عليها بعض دولها الأعضاء أنها تخص اليونان بمعاملة تفضيلية بما يخالف قواعد الصندوق التي تنص على عدم منح بلد أي قروض ما لم يكن قادرا على تحمل عبء دينه. وبالتالي فإن تعثر اليونان عن السداد سيعيد فتح جرح لا يزال أليما. وقال بيتر دويل الذي عمل حتى 2012 في قسم أوروبا في الصندوق إن "عدم التسديد سيظهر بشكل جلي بنظر أي كان في العالم أن التزام صندوق النقد الدولي حيال أوروبا واليونان اتخذ منحى سيئا جدا". كما لفت دويل إلى أن المشكلة اليونانية قد تحرك أيضا الانتقادات التي سبق أن تناولت بعض قرارات الصندوق "المثيرة للجدل" وعلى الأخص في أوكرانيا التي حصلت في آذار (مارس) الماضي على خط ائتمان عال من المؤسسة المالية في حين كانت قدرتها على تحمل عبء الدين غير مؤكدة إطلاقا. ورغم ذلك فإن الصندوق حريص بشدة على صورته كحارس متشدد للموارد التي تعهد إليه بها الدول الأعضاء الـ 188. وسبق أن قبل عبر تاريخه بتكبد خسائر في بعض الديون التي منحها، فألغى ديون دول فقيرة مثلما حصل مع هايتي بعد الزلزال العنيف عام 2010 (238 مليون يورو) أو أخيرا أيضا حين شطب 90 مليون يورو من ديون الدول التي ينتشر فيها مرض إيبولا. غير أن الأزمة اليونانية مختلفة. فقيمة القروض التي حصل عليها هذا البلد وصلت إلى 32 مليار يورو منذ 2010 وأي خسائر بهذا المستوى ستهدد سلامة صندوق النقد الدولي المالية. ولتفادي مثل هذا السيناريو، يرى براساد أن الصندوق لم يعد "يمسك بكثير من الأوراق" غير أنه من مصلحته أن تصل اليونان في نهاية الأمر إلى توافق مع الدائنين الآخرين. ويترتب على الصندوق في الوقت الحاضر الامتناع عن صب الزيت على النار في مسألة تعثر اليونان عن السداد. وقال دومينيكو لومباردي العضو السابق في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي "إنهم سيخففون من أهمية تبعات حادث السداد هذا حتى لا يشكل الأمر خطرا على إطلاق مفاوضات مستقبلية" مضيفا "ليس من مصلحة أحد الدخول في مزايدات". وهذا ما تدركه جيدا كريستين لاجارد التي عادت الأحد بعد تصريحات أولى شديدة اللهجة، وسعت إلى تهدئة الأجواء مؤكدة عزمها على "مواصلة الالتزام" إلى جانب اليونانيين.
مشاركة :