مع حالة الإغلاق التي يعيشها العالم بسبب وباء «كورونا»، وإغلاق معظم دور العرض السينمائية وتوقف إنتاج الأفلام، فإن «سينما السيارات» التي يجري التوسع في استخدامها حالياً في عدد من دول العالم، تعد حلاً مؤقتاً على طريق عودة الحياة الطبيعية مرة أخرى، إلى قطاع السينما، ويأمل الكثير من صناع الأفلام حول العالم أن يساهم هذا النوع القديم والجديد من العرض السينمائي في تخفيف حدة الخسائر التي تعرض لها قطاع السينما بسبب الوباء.شركة «فوكس سينما»، بمدينة دبي الإماراتية، أعلنت في منتصف مايو (أيار) الحالي، عبر حسابها الرسمي على «إنستغرام»، عن تجربة سينمائية جديدة في «مركز مول الإمارات للتسوق»، تتيح مشاهدة الأفلام على شاشات عرض عملاقة، مع الالتزام بالمكوث داخل السيارات طوال فترة العرض. وأوضحت الشركة، أن الحجوزات تُجرى عبر الإنترنت، ويسمح بتقديم الطعام والشراب عند نقطة الدخول فقط، كما أوضحت الشركة، حسب شبكة «سي إن إن»، أن ثمة إجراءات أكثر حرصاً تُتخذ من خلال فحص درجات حرارة العاملين، وإلزامهم بارتداء القفازات وأقنعة الوجه. وأوردت الشركة بعض التعليمات الخاصة بالحضور، والتي لا تسمح للأطفال دون الثانية عشرة، أو كبار السن فوق الستين، بحضور العرض.وبعد تجربة دبي، تعتزم إمارة الشارقة افتتاح «سينما السيارات» في الأول من يوليو (تموز) المقبل، مع توفير عروض أفلام مجانية للتشجيع على خوض التجربة.ويرى المنتج السعودي عباس بن العباس في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن عودة الحياة لسابق عهدها سوف تحتاج إلى وقت طويل إن لم يكن ستتغير إلى الأبد، ويضيف «كل الصناعات تحاول العودة بشكل يلائم المستجدات، بما فيها السينما، والتي ستبدأ بحلول سريعة، مثل سينما السيارات، ثم سنرى حلولاً مبتكرة طويلة الأمد تلائم الوضع الجديد».ويعتبر متابعون أن سينما السيارات تجربة جديدة على المجتمع العربي، رغم وجود تجربة وحيدة في مصر، كانت خارج القاهرة لإضفاء طابع من الخصوصية بعيداً عن زحام المدينة، لكن بعد وباء كورونا فالعالم أجمع والعالم العربي بشكل خاص، عليه أن يكون أكثر انفتاحاً وقبولاً للتغيير حتى يتمكن من الاستمرار.وبدأت بعض الدول العربية في اتخاذ إجراءات من شأنها التخفيف تدريجياً من القيود المفروضة بسبب «كورونا»، مع تشديد إجراءات السلامة الشخصية لمنع نقل العدوى.وتعد تجربة «سينما السيارات» أميركية الأصل، فكرة قديمة تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، بعدما دشنها الأميركي ريتشارد هولينجسهيد، في عام 1933 كحل للأشخاص غير القادرين على الجلوس في مقاعد السينما لأنها صغيرة وغير مريحة، وكانت والدته واحدة من هؤلاء، بحسب «الموقع الرسمي لأكاديمية نيويورك للأفلام»، الذي يضيف في تقرير له، أن التجربة حظيت بشعبية هائلة بعد 20 عاماً من بداية انطلاقها، وأفاد الموقع بأنه كان يوجد أكثر من أربعة آلاف سينما تُدار بهذا الشكل في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ومعظمها كان في المناطق الريفية، خلال السبعينات قبل أن تتقلص أعدادها في السنوات اللاحقة، لكنها لا تزال مستمرة بأعداد مناسبة.ويؤكد المنتج السعودي عباس بن العباس، أن تجربة عودة سينما السيارات هذه المرة ستكون مختلفة عما ظهرت عليه في الماضي، بفضل التكنولوجيا التي ستلقي بظلالها على التجربة، وتضيف لها خصائص وظيفية مستحدثة تجعل التجربة أكثر متعة ومرونة.ويعتقد نقاد مصريون، من بينهم رامي عبد الرازق، أن «خطوة دبي جاءت مُتأخرة؛ لأنها تتمتع بمقومات سياحية واقتصادية عالية جداً». ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «ليست مدينة دبي وحدها المؤهلة لإطلاق عروض سينمائية في الهواء الطلق، لكن أغلب الدول العربية تحظى بطبيعة مناسبة ربما أكثر من أميركا وأوروبا بسبب طقسها المعتدل».ويرجِع عبد الرزاق عدم خوض الدول العربية لتجربة «سينما السيارات» بكثرة قبل جائحة كورونا إلى الرفض المجتمعي بالدول العربية لهذا النوع من العرض، مستشهداً بتجربة مصر في التسعينات من القرن الماضي، ويقول «في رأيي أن تجربة سينما السيارات في مصر بالتسعينات كانت ناجحة لأن المجتمع في ذلك العقد كان أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتجارب الثقافية، وعدم استمرار هذا الشكل من الدور السينمائية جاء بسبب تأثير التيار المحافظ في وقت لاحق».وعن مدى إمكانية عودة سينما السيارات في مصر كحل لمواجهة أزمة كورونا، يرى رامي عبد الرازق، أن الظروف مواتية لطرح الفكرة، لكن لن تتحقق من دون قبول مجتمعي ودعم اقتصادي.في السياق، تعد تجربة سينما السيارات في ألمانيا مختلفة؛ لأنها لم تقتصر على الترفيه من خلال عرض أفلام سينمائية؛ إذ تم استخدام شاشات العرض السينمائي في عرض خدمات الكنيسة والحفلات الموسيقية أيضا، في وقت كان كلاهما محظوراً في أوقات جائحة الفيروس التاجي، بحسب موقع « دويتشه فيله» الألماني، الذي ذكر أخيراً أنه «تم افتتاح 30 داراً لـسينما السيارات منذ بداية جائحة كورونا في ألمانيا، ومتوقع أن يصل العدد إلى نحو 50».
مشاركة :