عام 2006، لم يكن انتقال فيروس مجهول من بعض الحيوانات البرية إلى بني البشر، ووصوله إلى مرحلة الانتقال بين الناس والتسبب بجائحة عالمية سوى فكرة بعيدة للغالبية. وبدت مجرّد رعب آت من عالم الخيال العلمي، إلا أن علي خان من المركز الوطني للأمراض الحيوانية والناقلة والأمراض المعوية أو «إن سي زفيد» أوكلت إليه مهمة حلم الكابوس نهاراً. سألت خان عن «كوفيد 19». ما الذي حدث بشكل خاطئ كارثي؟ وأين كانت جهوزية القطاع الصحي التي سبق أن أشرف عليها في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؟ ولماذا لم تكن غالبية البلدان، لا سيما الولايات المتحدة تتمتع بالجهوزية؟ وهل الأمر يعود إلى نقص في المعلومات العلمية، أو في المال؟ «إنه نقص في المخيلة». أجاب خان. لقد كانت هناك عدة تحذيرات أحدها «سارس»، حيث في العام 2002 بدأ «التهاب رئوي لا نموذجي» من مصدر مجهول بالتفشي في جنوب الصين. ولاح في الأفق لغزان أحدهما ملحّ والآخر مقلق: فما هو سبب هذا الفيروس الجديد وما نوعه؟ ومن أي نوع من الحيوانات يأتي؟ اللغز الأول سرعان ما حلّه فريق متخصص بعلم الأحياء الدقيقة. وفي عام 2015، وصل فيروس تاجي من نوع مختلف إلى كوريا الجنوبية في جسد رجل عائد من شبه الجزيرة العربية وظهرت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية أو إنفلونزا الإبل «مرس». تحذيرات أخرى وردت من علماء. في سلسلة من الأبحاث الغامضة إنما المهمة التي نشرت في الأعوام الخمسة عشر الماضية، التي تضمنت بمعظمها كلمة «خفاش» في العنوان واسم زينغ لي شي في قائمة المؤلفين، سلّط الباحثون الضوء على الروابط بين الفيروسات التاجية والخفافيش والناس. ولم تكتف شي وزملاء كثر لها بتحذير العالم قبل ثلاث سنوات من إمكانية نشوء مرض شبيه بـ«سارس»، بل بدأ البحث في متغاير للفيروس قد يسبب جائحة «كوفيد 19». وأضافوا بأن القلق يجب ألا يكون من فيروس واحد بما أن عدداً من الفيروسات الشبيهة بـ«سارس» لا تزال تتنقل بين الخفافيش في المنطقة. بدأ «كوفيد 19» يظهر تدريجياً في ديسمبر الماضي في ووهان. وكان الفيروس قد تفشى في ووهان منذ قرابة سبعة أسابيع مع ثلاثة مفاهيم مغلوطة مترتبة ليس من قبل قادة سياسيين وحسب بل مديري مستشفيات يقولون إن الانتشار بدأ من سوق هوانان للمأكولات البحرية الذي اشتهر ببيع أكثر من ذلك، وبأن الفيروس ليس خطيراً، وأنه لا ينتقل من شخص لآخر. وناقض فكرة أن السوق هو مصدر التفشي بحث علمي صدر في أواخر يناير من قبل مجموعة من الأطباء من ووهان وبكين يصفون السمات السريرية لأول 41 مريضاً مصاباً. ظهرت أول حالة في الولايات المتحدة الأمريكية لرجل يبلغ 35 عاماً قام بزيارة أقارب له في ووهان قبل العودة إلى سياتل في 15 يناير الماضي. وسرعان ما بدأ العلماء في أمريكا بالعمل على عينات متسلسلة، لكن الوقت مرّ دون اتخاذ أي خطوة ذي جدوى. «كل يوم مضى بعد الـ 22 يناير كان يوماً ضائعاً. من قبل الحكومة الأمريكية». قال خان. كان يمكن الاتصال بـ«بيكتون ديكينسون»، شركة التكنولوجيا الطبية العملاقة، وإبلاغها بالحاجة لعينات فحص على امتداد البلاد بحلول الإثنين المقبل، لكن ذلك لم يحصل، لماذا؟ لنقص في المخيلة. كان يمكن للعلماء أن يصفوا المخاطر ولمسؤولي الرعاية الصحية شرح الاستجابة، لكنّ بيروقراطيي الوكالة والقيادة العامة في البلاد فشلوا لإدراك إمكانية حجم التفشي. وفي 30 مارس خرج ترامب ليقول «ما من أحد يملك أدنى فكرة». إن الردّ المتأخر الكارثي وغير الكافي والمرتبك للحكومة الفدرالية بمواجهة «كوفيد 19» قبل وبعد ظهور الحالة الأولى، يعود إلى أسباب وعوامل أكثر من أن نتمكن من ذكرها هنا، لكن اثنين منها تجدر الإشارة لهما، ويتمثلان بالفشل في تقدير تحذيرات «سارس» و«مرس» الناشئين من فيروس تاجي آخر، كما غياب القدرة على أعلى مستوى حكومياً في السنوات القليلة الماضية على استيعاب خطورة تهديد الجائحة وإلحاحها. أما النتيجة فهي ما يصفها خان بغياب المخيلة. وليست الولايات المتحدة وحدها «فالمجتمع الدولي يواجه أوقاتاً عصبيةً في الاستثمار فيما قد نعتقد أنه خطر». فإنفاق الأموال الطائلة مخاطرة بذاتها، لا سيما من المال العام حتى لو كان في سبيل التأمين ضد خطر أكبر. يقول دنيس كارول الباحث المتخصص في علم الفيروسات بأن هناك تردداً في الاستثمار الجدي في الجهوزية للتصدي للجائحات، معتبراً أنه «اضطراب نقص انتباه على نطاق عالمي». * عالم وكاتب وصحافي أمريكيطباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :