إيران والعمالة الوافدة والأزمة المفاجئة تحديات تصدت لها الدول الخليجيةأكد تقرير صادر عن مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية الدولية والطاقة «دراسات» أن دول الخليج استطاعت التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» بجهود احترافية ومتكاملة، وهو ما تؤكده أعداد الإصابات بالفيروس ونسب الشفاء منه، وذلك على الرغم من أن دول الخليج تقع ضمن إقليم مضطرب، موضحة أن أزمة كورونا مثلت تحديًا لدول الخليج بدرجة أكبر من غيرها من الدول لأسباب ثلاثة أولها: أنها دول مجاورة لإيران التي كانت المصدر الرئيسي لانتشار ذلك الفيروس في كل دول الخليج، وثانيها: أن دول الخليج تضم عددًا كبيرًا من الوافدين بما يتجاوز 13 مليونَ عامل من كل دول العالم وتشهد حركة سفر يومية تتضمن انتقال ملايين البشر عبر مطاراتها، وثالثها: كغيرها من كل دول العالم كانت الأزمة مفاجئة وذات طابع سريع فضلا عن كونها أزمة ترتبط بقطاع الصحة، فمع أن الأزمة تطلبت من كل أجهزة الدولة العمل معًا إلا أن العبء الأكبر قد وقع على القطاع الطبي ضمن آليات المواجهة.وقال التقرير الذي صدر بعنوان «دول الخليج وإدارة أزمة كورونا» للدكتور أشرف محمد كشك مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بالمركز إنه لا يمكن منع الأزمات والكوارث من الحدوث، ولكن المعيار الذي يميز دولة عن أخرى يتمثل في مسألة التوقيت، ليس لمنع الأزمة أو الكارثة وإنما الحد من آثارها التدميرية، مشيرًا إلى أنه لم تكن أي دولة في العالم لديها معلومات كافية بشأن طبيعة فيروس كورونا رغم الدور المهم الذي تلعبه أجهزة الاستخبارات في هذا الأمر.وأضاف أن دول الخليج اتخذت عددا من الإجراءات الاحترازية كانت إجراءات نوعية مضمونا وتوقيتا ومنها إجلاء غالبية الرعايا الخليجيين في وقت مبكر من الصين والدول الآسيوية وإخضاعهم للحجر الصحي مدة أربعة عشر يوما للتأكد من خلوهم من الفيروس، وتغليظ عقوبة من ينتهك الحجر الصحي في حين اكتفت دول أخرى بالفحص في المطار وعدم إخضاع الوافدين من الخارج للحجر.كما قامت دول الخليج بتعقيم المطارات على مدار الساعة ونشرت فرقا طبية لفحص القادمين من الخارج بشكل دقيق بواسطة أجهزة متقدمة مثل الكاميرات الحرارية بالإضافة إلى وقف تصاريح العمل الجديد والتأشيرات عند الوصول، ومناشدة بعض الدول الخليجية مواطنيها عدم السفر إلى إيران وتايلاند وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية، وهي الدول التي انتقلت إليها بشكل سريع من الصين، كما اشترطت تحليلا طبيا من بعض القادمين من الدول التي تفشى فيها الفيروس يؤكد خلوهم منه.ولفت إلى تعليق الأنشطة الثقافية والتعليمية والترفيهية في وقت مبكر وكذلك الرحلات الدولية في حين أن هناك دولا لم تقم بتلك الإجراءات سوى في النصف الثاني من شهر مارس بعد تفاقم انتشار الفيروس عالميا.كما تطرق إلى المواجهة الجماعية الخليجية المبكرة من خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء الصحة بدول الخليج في 18 فبراير 2020 والاتفاق على تنفيذ اللوائح الصحية الدولية وتطبيق دليل الإجراءات الصحية الموحدة في المنافذ الحدودية لدول المجلس، بالإضافة إلى تكليف اللجان المختصة بمتابعة المستجدات حول الفيروس وتبادل المعلومات في الوقت الذي لم تظهر آلية جماعية أوروبية على سبيل المثال لمواجهة الفيروس بدعوى أن مسألة الصحة تخص كل دولة وليست من سلطات الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي.وبشأن الإجراءات الأمنية، لفت التقرير إلى أن دول الخليج اتخذت كغيرها من دول العالم عدة إجراءات أمنية للحد من انتشار فيروس كورونا، ومنها التعليمات التي أصدرتها وزارة الداخلية الخليجية بشأن التجمعات وفرض حظر التجول في ساعات محددة، والتدرج في تطبيق إجراءات فرض الحظر، مشيرًا إلى أنه لم تكن هناك مخالفات كثيرة لهذه الإجراءات على غرار الدول الأخرى ففي العراق أشارت المصادر إلى إلقاء القبض على 20 ألف مخالف لقرار الحظر منذ بدء سريانه في مارس 2020.وفسر التقرير التزام مواطني دول الخليج بقرارات فرض الحظر بعدة عوامل منها طبيعة النظم الخليجية التضامنية، التي يعد النسيج الاجتماعي الواحد أبرز ملامحها بالإضافة إلى المستوى التعليمي والثقافي وقناعة المواطن الخليجي بفكرة المسؤولية التضامنية وحتمية التلاحم خلال الأزمات، ومن ثم لم تضطر السلطات الأمنية في دول الخليج للجوء إلى أي إجراءات عنيفة على غرار ما شهدته بعض دول العالم.كما وضعت الدول الخليجية خططا للتعامل مع مخالفي الإقامة، بالإضافة إلى تسهيل السلطات الأمنية عودة الراغبين من العمالة الوافدة إلى بلدانهم وبعض الدول الخليجية أعلنت تحملها كلفة عودة تلك العمالة.وأشارت الدراسة إلى أنه لوحظ زيادة العبء الأمني على قوات الأمن في دول الخليج ليس بسبب طبيعة الفيروس فحسب، بل لوجود عمالة وافدة من جنسيات وثقافات مختلفة وقد أعلن بعضها رغبته في العودة إلى بلاده الأمر الذي تطلب جهودا أمنية كبيرة.وحول دور الإعلام الخليجي تجاه أزمة كورونا، أشار التقرير إلى أنه زادت صعوبة مهمة الإعلام خلال أزمة كورونا لعدة عوامل منها تحدي تحقيق التوازن بين توخي الدقة والموضوعية وتحقيق السبق الإعلامي، بالإضافة إلى أن الإعلام التقليدي دخل في تنافس محموم مع وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن مهمة الإعلام في دحض الشائعات التي كانت سببا أساسيا في حالة التوتر في مجتمعات عديدة.وتناول التقرير دور العمل التطوعي في الأزمة، حيث يبقى للمجتمع المدني والجهود التطوعية دور مهم، وخاصة كلما كانت الأزمة شاملة وحادة، ولقد شهدت دول الخليج جهودا تطوعية ملموسة خلال أزمة كورونا، الأمر الذي أسهم في الحد من تفشي الوباء كما حدث في دول أخرى، مشددا على أهمية العمل التطوعي في هذه الأزمة في ترسيخ الانتماء الوطني وتنمية الإحساس بالمسؤولية، حيث يسهم التطوع في تنمية قيم العطاء والتلاحم بين أفراد المجتمع والذي يبدو جليا إبان الأزمة فهو سلوك حضاري وواجب وطني، كما أن أزمة كورونا تحتاج كل الجهود المجتمعية للعمل جنبا إلى جنب مع الجهود الحكومية، لافتا إلى أن نجاح أي مبادرات حكومية للتطوع يعتمد على الجهود التطوعية الفرعية، ولا تقتصر متطلبات التصدي على الأجانب فقط ولكن تمتد إلى المجالات كافة.وبشأن توظيف التكنولوجيا في مواجهة كورونا، أكد التقرير أن دول الخليج قطعت شوطا مهما على صعيد الحكومة الإلكترونية وهو الأمر الذي منحها ميزة استراتيجية خلال مواجهة أزمة كورونا، من خلال آلية العمل عن بعد إذ أسهمت الحكومة الإلكترونية في انتظام كل المؤسسات الخليجية في عملها دون تأثير على مسارات ونتائج تلك الأعمال إذ تمت العديد من الاجتماعات عن بعد سواء داخل كل دولة خليجية أو فيما بين مسؤولي دول الخليج، بالإضافة إلى بدء المؤسسات التعليمية في دول الخليج بتقديم خدماتها للطلاب والدارسين عن بعد ما يعني انتظام العملية التعليمية وعدم تأثرها جراء الأزمة.كما تم توظيف التكنولوجيا في مواجهة الأزمة، ففي البحرين تم تدشين تطبيق «مجتمع واعي» الذي يتيح متابعة حالات الحجر المنزلي، ورصد الحالات المخالطة للحالات القائمة، وتنبيه المواطنين والمقيمين في حال اقترابهم أو مخالطتهم للحالات القائمة أو المشتبه فيها عبر رصد المواقع الجغرافية.وفي السعودية قامت وزارة الصحة بالتعاون مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ببث أكثر من ملياري رسالة نصية توعوية بشأن الفيروس بـ24 لغة.وفي سلطنة عمان تم الإعلان عن منصة إلكترونية لتقدم الاستشارات عن بعد للحالات غير الطارئة، وإطلاق موقع «بحار» للمزايدة على الأسماك عن بعد في سوق الجملة المركزي للأسماك.وفي الإمارات، تمكن الأطباء في مدينة دبي من ابتكار تقنية بإمكانها فحص المصابين عن بُعد، كما تم ابتكار منصة «الطبيب الافتراضي» لتقييم الكشف عن الحالات المصابة بالفيروس من خلال موقعها الإلكتروني.وفي الكويت تم استخدام الطائرات من دون طيار لضبط منتهكي قرارات الحظر.وشدد التقرير على توظيف دول الخليج للتكنولوجيا في مواجهة أزمة كورونا يدل على أنها أولت قضية التحول نحو الحكومة الإلكترونية اهتماما كبيرا، كما كان لامتلاك الأجهزة الحديثة من الهواتف النقالة وغيرها أثر بالغ في إدارتها للأزمة، في حين أن دولا أخرى واجهت مشكلات في عملية التعليم عن بعد، وكذلك تطبيق قرارات فرض الحظر من خلال التكنولوجيا الحديثة في وقت شددت فيه كل دول العالم على ضرورة التباعد الاجتماعي كمتطلب أساسي وإجراء احترازي لمواجهة هذه الأزمة، بالإضافة إلى أن التكنولوجيا عززت دول الخليج كونها دولا صغيرة تواجه تحديات خلال الأزمات إلا أن توظيف هذه التكنولوجيا قد منحها ميزة استراتيجية وخاصة أنها تضم جاليات من كل دول العالم يتعين مخاطبتها بعدة لغات.وحول الإجراءات الاقتصادية، أشار التقرير إلى أن هذه الإجراءات تعددت وكان لها أثر ملموس في التخفيف من وطأة الأزمة على المواطنين والمقيمين معا، منها ما يتعلق بالإعفاء من رسوم الإقامة أو تجديد التأشيرة وغيرها من رسوم الخدمات الأخرى، بل إن دول الخليج عندما أعلنت عن علاج المصابين بالفيروس مجانا، أكدت أن ذلك يشمل المواطنين والمقيمين على حد سواء، وهو ما يجسد مفهوم دول الخليج لقضية حقوق الإنسان، إذ كانت أزمة كورونا كاشفة للبعد الإنساني ضمن سياسة هذه الدول في تعاملها مع المقيمين على أراضيها وهي قضية يتعين استثمار نتائجها مستقبلا لمواجهة الحملات المغرضة للمنظمات الحقوقية الدولية.وشدد التقرير على أنه على الرغم من أن دول الخليج تعتمد بنسبة كبيرة على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي ومع انخفاض أسعار النفط إلى حوالي 22 دولارا للبرميل لم يحل ذلك دون استمرار اهتمام الحكومات الخليجية بالمواطنين والمقيمين على حد سواء.
مشاركة :