بدأت ملامح عصر ما بعد كورونا تتشكل وتثير جدلا مكتوما بسبب ضرورات مواجهة الوباء، حيث ستصبح بطاقة كورونا الإلكترونية، التي تحدد الوضع الصحي للشخص، أكثر أهمية من بطاقة الهوية وجواز السفر. ويبدو أن الدول الغربية ستضطر لتجرع سياسة "الأخ الأكبر" الصينية، التي تراقب جميع حركات الأشخاص وسكناتهم، بعد أن كانت ترفضها باعتبارها انتهاكا للحريات الفردية. هناك إجماع واسع على أن عالم ما بعد كورونا لن يكون مثلما كان قبله. وإذا كان الجزم بطبيعة الاختلافات يصعب تحديده، فإن التحول الرئيسي سيكون حتما في رسوخ نوع من الحذر والتباعد الاجتماعي وتراجع الميل للاختلاط في التجمعات الكبيرة وملامسة الآخرين. بل إن البعض يذهب إلى نشوء منظومة رقابة صحية إلكترونية تحدد سلامة الأشخاص وفرق العمل لضمان عودة النشاط الاقتصادي خلال أزمة فايروس كورونا الحالية وفي الأزمات المقبلة، التي لم تعد مستبعدة من قبل معظم المحللين. قبل كارثة تفشي الوباء الحالي، كانت التكنولوجيا تتقدم بسرعة كبيرة نحو مراقبة حركاتنا وسكناتنا وخارطة تنقلاتنا وميولنا الاستهلاكية من خلال نشاطاتنا الإلكترونية وكاميرات التعرف على الوجوه في بعض بقاع العالم. كما دخلت ميدان مراقبة الحالة الصحية لأعداد متزايدة من الأشخاص من خلال الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية التي ترصد دقات القلب والتمارين الرياضية وبيانات أخرى كثيرة يمكن أن تضاف إلى السجلات الصحية ومشاركتها مع المؤسسات الطبية. لكن كل ذلك دخل مرحلة مختلفة تماما بعد التحديات التي قذفتها أزمة فايروس كورونا المستجد. انقلاب شامل يبدو أن التحول التدريجي، الذي كان يمكن أن يستغرق سنوات، سوف يحدث الآن على جناح السرعة، بعد أن أصبح ضرورة ملحة لمواجهة مخاطر الوباء ومحاولة إنقاذ الاقتصاد العالمي. اليوم بدأت ملامح عصر ما بعد فايروس كورونا تتشكل وتثير جدلا مكتوما بين المدافعين عن الحريات الفردية بسبب ضرورات مواجهة الوباء، حيث بدأنا ندخل عالما تصبح بطاقة الهوية الصحية الإلكترونية للأشخاص أكثر أهمية من بطاقة الهوية وجواز السفر. ويبدو أن الدول الغربية سوف تتجرع وتضطر لاعتماد سياسة “الأخ الأكبر” الصينية التي تراقب جميع حركات وسكنات الأشخاص، بعد أن كانت ترفضها وتنتقدها بشدة باعتبارها انتهاكا للحريات الفردية. أليكس بنتلاند: الهوية الرقمية للشخص ستحدد قدرته على العمل وممارسة بعض الأنشطة مثل السفر أو دخول تجمعات كبيرة أليكس بنتلاند: الهوية الرقمية للشخص ستحدد قدرته على العمل وممارسة بعض الأنشطة مثل السفر أو دخول تجمعات كبيرة منذ الأسابيع الأولى لانتشار الوباء بدأ استخدام تطبيقات ذكية على الهواتف لتحديد أماكن انتشار الوباء والتنبيه إلى وجود أشخاص مصابين في محيطنا من أجل توخي الحذر، في وقت تبحث فيه الحكومات وقادة الأعمال عن سبل إعادة تشغيل الاقتصاد دون تعريض العاملين للخطر. وهناك خبراء ذهبوا أبعد من ذلك مثل أليكس بنتلاند، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي يدعو لتعميم هوية رقمية تحدد الحالة الصحية للأشخاص لخلق بيئات “آمنة” للعمال والموظفين والزبائن. أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن ذلك سيعزز رقابة الحكومات من خلال “الأخ التكنولوجي الأكبر” الذي يراقب الجميع، مثلما يحدث في الصين، وهو موضع انتقاد الدول الغربية، لكن بنتلاند يؤكد أن ذلك سيحمي خصوصية الأشخاص. وهنا يبدو أن أزمة كورونا فرضت إحداثيات جديدة وأسقطت الكثير من المحرمات، حيث تسعى الحكومات لإنقاذ الاقتصاد العالمي من كارثة مدمرة بأي ثمن. تمييز صحي قد نشهد قريبا استئناف العمل في بعض النشاطات الاقتصادية والسفر وتنظيم التجمعات الكبيرة الرياضية والفنية، لكن الدخول سوف يقتصر على من يملكون سجلا صحيا إلكترونيا يؤهلهم لذلك. ربما يذهب شخصان إلى حفلة موسيقية أو مطعم مزدحم فيسمح لأحدهما بالدخول ويمنع الآخر بسبب امتلاك الأول لجواز كورونا الصحي، الذي يؤكد وجود الأجسام المضادة للفايروس في جسده ويمنع الآخر لعدم وجودها في دمائه. وينطبق ذلك على السفر إلى بلدان أخرى، فيسمح للبعض ويمنع آخرون من السفر أو دخول الملاعب الرياضية والمصانع ونشاطات أخرى. لن يكون ذلك السجل ثابتا بل يتغير ويجري تحديثه باستمرار، وحين يتم التوصل إلى لقاح للفايروس سيضاف ذلك إلى الهوية الصحية الإلكترونية ويتسع عدد الأشخاص الذين يملكونها لتصبح بطاقة الهوية الأكثر أهمية من جميع بطاقات الهوية الأخرى. يعرض بنتلاند فكرة إصدار شهادات رقمية يمكن من خلالها تتبع الأشخاص، ليس فقط على نطاق الدولة الواحدة بل على نطاق عالمي لتأكيد أن الشخص قد تعافى من الفايروس أو لديه أجسام مضادة أو في نهاية المطاف تم تطعيمه حين يتم التوصل إلى لقاح. وتهدف تلك الشهادة إلى تحديد سلامة الأشخاص من أجل إعادة تشغيل الاقتصاد، وبضمنه حركة السفر والسياحة في المستقبل، وقد تصبح هوية لا غنى عنها لتحرك الأشخاص بحرية في مواقع العمل وعبور نقاط التفتيش في المطارات وحتى دخول الأماكن العامة مثل المطاعم والملاعب الرياضية وجميع التجمعات. ولولا كارثة فايروس كورونا، فإن فكرة كهذه يمكن أن تثير جدلا صاخبا، لأنها سوف تؤدي إلى مراقبة جميع تحركات الأشخاص في أنحاء العالم. وهو ما يثير مخاوف المدافعين عن الخصوصية بشأن كيفية استخدام البيانات؟ ومن قِبل من؟ وكيف وأين يتم تخزينها؟ لكن فايروس كورونا فرض أحكامه الاستثنائية، حيث يقول مسؤولو الصحة العامة إن جمع البيانات الشخصية قد يكون الطريقة الوحيدة لتتبع الفايروس ومعرفة من يتمتع بالصحة والقادر على العودة إلى العمل ومن هم الأكثر عرضة للخطر. سياسات ليست جديدة رصد شامل لحالة الأشخاص الصحية المتعلقة بفايروس كورونا يثير جدلا مكتوما بشأن مخاطر انتهاك البيانات والحريات الفردية رصد شامل لحالة الأشخاص الصحية المتعلقة بفايروس كورونا يثير جدلا مكتوما بشأن مخاطر انتهاك البيانات والحريات الفردية يدافع أليكس بنتلاند عن الفكرة في مقابلة أجرتها معه استير شين لموقع تك ريببليك، ويؤكد أنها ليست حالة جديدة وسبق تطبيق سياسات مماثلة. ويشير إلى أنه “في الأوبئة السابقة مثل السل، أصدرت الحكومات والوكالات المختلفة شهادة تثبت مناعة الأشخاص أو حصولهم على التلقيح، الذي يقي من المرض”. ويضيف أن “الأجيال السابقة كانت بحاجة إلى هذه الشهادة للعمل في صناعة المواد الغذائية. وإننا اليوم نحتاج للحصول على العديد من اللقاحات للعمل مع الأطفال أو السفر إلى بلدان معينة”. ويؤكد بنتلاند أن ما يدعو إليه مشابه لتلك الحالات باستثناء أنها هوية رقمية يمكن رصدها من قبل الجهات المختصة. وأشار إلى أن هذه الشهادة يمكن أن تتواجد على الهاتف الذكي للأشخاص، مثل رمز التسعير “الباركود” الذي يوضع على السلع. ومن أجل حماية الخصوصية، يقترح بنتلاند أن تعمل المستشفيات واتحادات الائتمان والبنوك والمؤسسات المدنية الأخرى كمستودعات للبيانات الصحية للأشخاص، تماما كما تفعل المؤسسات الائتمانية الحالية للحصول على المعلومات المالية وغيرها من المعلومات الشخصية. ويقول بنتلاند إن ذلك سوف يشكل أساس “الهوية الرقمية” للشخص، وسوف يحدد قدرته على العمل وممارسة بعض الأنشطة الأخرى والسماح له بالسفر أو دخول تجمعات كبيرة أو أماكن معينة. ويرى بنتلاند، وهو أيضا مدير معهد ماساتشوستس للعلوم، أن “الأدوات الرقمية أصبحت جزءا من الحل لإنشاء قوة عاملة آمنة تساعد في إعادة فتح بلدان العالم والنشاطات”. لكن بنتلاند يدرك مخاوف انتهاك الخصوصية والبيانات الشخصية، ويؤكد أن “هناك حاجة إلى أساليب أكثر تعقيدا للحوسبة، التي تحافظ على خصوصية البيانات الصحية وملكية البيانات”. ويعمل بنتلاند مع الأمم المتحدة ونادي مدريد، وهو اتحاد لرؤساء ديمقراطيين سابقين ورؤساء وزراء، بشأن هذه المسألة. ويقول إنه يمكن من خلال تلك الهوية الرقمية تحديد قوة عاملة آمنة، يمكنها العودة إلى العمل في الوظائف التي تواجه الجمهور، والتي من شأنها أن تسمح للشركات والحكومات والمستشفيات بتعيين موظفين بدرجة أمان عالية. ويضيف بنتلاند أن “هؤلاء الموظفين يمكن أن يقوموا بتقديم خدمات في نقاط التماس مع الزبائن، في حين يجري توجيه العمال المعرضين للخطر لأداء وظائف في الخطوط الخلفية، التي لا تتطلب الاختلاط بالآخرين”. ولم تعد هذه الفكرة مجرد اقتراح، فقد بدأت دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة بتصديق الشهادات الرقمية للأشخاص الآمنين لإعادة تشغيل اقتصاداتها. لكن تلك الدول اعتمدت على بيانات “الأخ الأكبر” الحكومية والتطبيق القسري للحجر الصحي والعزلة في حين أن الدول الديمقراطية تنظر إلى هذا النهج على أنه تهديد للحريات المدنية. ما بعد حالة الطوارئ يقول أليكس بنتلاند إن النقطة الرئيسية هي الاحتفاظ بالبيانات الشخصية في المؤسسات المحلية التي لديها بالفعل “حاجة إلى المعرفة” أو التي تخضع لسيطرة مباشرة من المواطنين وتجنب إنشاء سجلات وطنية لأنها ستكون هدفا مغريا للقرصنة وسوء الاستخدام. ويضيف أن هذه الشهادة الصحية، التي يمكن دمجها بسهولة في البنية التحتية للهوية الرقمية المستخدمة بالفعل لمصادقة المدفوعات، يمكن أن تساعد أيضا في تحديد نوع الأعمال التجارية الآمنة لإعادة فتحها، وجعل تتبع جهات الاتصال أكثر كفاءة، دون تعريض الخصوصية الشخصية للخطر. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام أي من الأساليب التقنية، مثل الحوسبة الآمنة المتعددة الأطراف، والتي تم نشرها بالفعل لبعض أنواع التحديثات على الهواتف المحمولة، أو إنشاء “خرائط مخاطر” بسيطة يتم تجميعها من بيانات مجهولة الهوية وحمايتها باستخدام الخصوصية التفاضلية، مثل الأساليب التي يستخدمها مكتب الإحصاء الأميركي. ويرى بنتلاند أن هذه الهوية الرقمية، تتطلب موافقة الأشخاص للسماح للتجار وأصحاب العمل بالاطلاع على حالتهم الصحية، مثلما يحدث حاليا في التحقق من بطاقتهم الائتمانية أو هويتهم. ويضيف أنها تتيح أيضا معرفة الأماكن الآمنة والأماكن غير المزدحمة أو التي تم تنظيفها ومعرفة ما إذا كان الموظفون الذين يواجهون الزبائن خاليين من العدوى، دون المساس بخصوصيتهم الشخصية. ويقول بنتلاند إن “الحوافز المالية يمكن أن تساعد في بدء العملية، حيث يمكن للحكومة تقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي توظف موظفين آمنين. ويمكن للشركات أن تقدم أجرا أعلى لتحفيز العمال الآمنين على تولي وظائف مواجهة للجمهور”. ويمكن للشركات تقديم أدلة بأنها توظف موظفين آمنين فقط في المناصب العامة، الأمر الذي يعزز ثقة الزبائن. ويؤكد بنتلاند “إن إعادة الناس إلى العمل بأمان حاجة ملحة وأن اعتماد الحصانة بطريقة تحافظ على الخصوصية هي الخطوة الأولى نحو مساعدة الناس على الحفاظ على سلامتهم وصحتهم وخفض تكاليف الأعباء الطبية وإعادة تشغيل الاقتصاد”.
مشاركة :