حكم الشرع في إسلام الزوجة وبقاء زوجها على غير الإسلام

  • 6/1/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حكم إسلام الزوجة وبقاء زوجها على غير الإسلام.. سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية.وأوضحت الدار في إجابتها على سؤال "إذا أسلمت الزوجة دون زوجها، فهل يستمر نكاحهما بعد إسلامها، أم بمجرد إسلامها تحصل الفُرْقَة بينها وبين زوجها: أنه  أسلم الزوجان معًا، ولم تكن الزوجة ممَّن يحرم عليه ابتداء الزواج بها كالمحرَّمة بنسب أو رضاع، فهما على نكاحهما الأول سواء كان هذا قبل الدخول أو بعده؛ لأن الشرع قد أقر الكفار على أنكحتهم، فهم يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلى المسلمين، من غير أن يُنظر إلى صفة عقدهم وكيفيته، ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك؛ فقد أسلم خلق في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم نساؤهم، وأقروا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شروط النكاح ولا كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، وقد نُقل الإجماع على ذلك".وأضافت: وكذلك إذا أسلم الزوج وحده وكانت الزوجة من أهل الكتاب ولم تكن ممن يحرم عليه ابتداءً، فهما على نكاحهما الأول، سواء كان قبل الدخول أو بعده؛ لأن نكاح الكتابيات مباح للمسلم؛ لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ [المائدة: 5]، فالكتابية محل لنكاح المسلم ابتداءً فكذا بقاء.أما إذا أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه، فالمختار للفتوى: أنه إن كان إسلامها قبل الدخول فتتعجل الفرقة؛ لأن هذا هو الأصل، ولا تظهر هنا مصلحة راجحة تصرفنا عنه، وإن كان إسلامها بعد الدخول وأسلم زوجها قبل انقضاء عدتها فهما على نكاحهما، وإن انقضتِ العدة ولم يسلم الزوج خلالها فلها حرية الاختيار، فإن اختارت أن تتزوج من تشاء فلها ذلك، لكن لا بد أن ترفع الأمر إلى القاضي؛ لكي يفسخ عقد النكاح، وإن اختارت أن تتربص وتنتظر إسلامه ولو طالت المدة فلها ذلك، ويعتبر في هذه الحالة النكاح موقوفًا، فإن أسلم فهما على نكاحهما الأول دون الحاجة إلى تجديد عقد النكاح مع اعتبار وقوع الانفصال الحسي وتوقف المعاشرة الزوجية بينهما من أول إسلامها.وهذا الرأي قال به ابن تيمية وابن القيم، واختاره الصنعاني، وارتضاه الشوكاني. "مجموع الفتاوى".والدليل على ما اخترناه للفتوى عدة أدلة:الأول: ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول، فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا" رواه أحمد وأبو داود والحاكم. وفي لفظ: "لَمْ يُحْدِثْ صَدَاقًا" رواه أحمد والحاكم، وفي لفظ آخر: "لم يُحْدِثْ شَهَادةً ولا صَدَاقاً" رواه أحمد، وفي لفظ: "لَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا" رواه الترمذي، وفي رواية: "بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ" رواها أبو داود والحاكم والبيهقي في "الكبرى"، وفي رواية: "بَعْدَ سَنَتَيْنِ" رواها أحمد وأبو داود والحاكم.فقد دل فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا على أن رد المرأة علـى زوجهـا بعد إسلامـه لا يحتاج إلى تجديد وإن طال الزمان وانقضت العدة.وأما ما روي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أنه ردَّها بنكاح جديد، فقد جاء بلفظين:أولهما: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.ثانيهما: "أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَبْلَ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بِسَنَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ فَرَدَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ" رواه الحاكم.ومدار هذا الحديث بلفظيه على الحجاج بن أرطأة، فهو راويه عن عمرو بن شعيب، وقد كان مدلسًا قبيح التدليس، يدلس عن المجروحين. قال أحمد عنه: [هذا حديث ضعيف، أو قال: واهٍ، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمي، والعرزمي لا يساوي حديثه شيئًا، والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرهما على النكاح الأول] اهـ. "مسند أحمد" (2/ 207، ط. مؤسسة قرطبة).وهذا الحديث ضعَّفه الترمذي أيضًا، وقال: [في إسناده مقال] اهـ. وقال الدارقطني عن هذا الحديث: [لا يثبت، وحجاج لا يحتج به، والصواب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ"] اهـ. "سنن الدارقطني" (3/ 253، ط. دار المعرفة).وثاني الأدلة: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أسلَمَتِ امرأةٌ على عَهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، فتزوَّجَتْ، فجاء زوجُها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إني قد كُنْتُ أسلَمتُ وعَلِمَت بإسلامي، فانتزعَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم منْ زَوْجِهَا الآخرِ، ورَدَّها إلى زوجها الأول" رواه أبي داود.وفي لفظ: "أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي، فَرُدَّهَا عَلَيَّ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم.ووجه الدلالة: عدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم هل علمت زوجته بإسلامه قبل انقضاء عدتها أم لا؟ مما يدل على أن العدة لا اعتبار لها، وذلك بناءً على أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال. "البحر المحيط".والاحتمال هنا قائم، هل علمت بإسلامه قبل انقضاء العدة أم بعدها؟ ومع ذلك لم يستفصل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدلَّ ذلك على عموم هذا الحكم للحالين وأنه لا فرق بين أن يقع الرد قبل انقضاء العدة أو بعدها.الثالث: ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "كَانَ المُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَالمُؤْمِنِينَ: كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ، يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ، لاَ يُقَاتِلُهُمْ وَلاَ يُقَاتِلُونَهُ، وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ" رواه البخاري.ومعنى ذلك: أن نكاحها الأول يبقى قائمًا، ولكنه موقوف، بمعنى عدم حل المعاشرة الزوجية بينهما حتى إذا تزوجت من آخر انحل العقد الأول، وإذا أسلم زوجها قبل أن تتزوج غيره ردَّت إليه.الرابع: أن المرأة كانت تسلم ثم يسلم زوجها بعدها والنكاح بحاله، مثل أم الفضـل امـرأة العباس بـن عبد المطلب رضي الله عنهما فإنها أسلمت قبل العباس بمدة، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ بقوله: ﴿إِلَّا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: 98]" رواه البخاري.اقرأ أيضا: خطيب الحرم المكي: طلب السلامة والعافية من أفْضل ما يهبه الله لعبادهوسرُّ المسألة كما يرى ابن القيم: [أَنَّ الْعَقْدَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ جَائِزٌ لَا لَازِمٌ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِيهِ، وَلَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ، وَامْتَنَعَتِ الْمُشْرِكَةُ أَنْ تُسْلِمَ، فَإِمْسَاكُهُ لَهَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا مَصْلَحَةَ لَهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ لَهَا بِمَا تَسْتَحِقُّهُ كَانَ ظَالِمًا، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾".وما اخترناه للفتوى نخالف فيه رأي فقهاء المذاهب الأربعة، حيث يرى المالكية والشافعية والحنابلة أنه متى انقضت العدة ولم يُسلِم الزوج وقعت الفرقة بينهما "الفواكه الدواني".واستدلوا على ذلك بما روي عن ابن شُبْرُمَة أنه قال: "كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته، وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما". وبما روي عن الزهري: "لم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرًا قبل انقضاء عدتها".لكن لا يسلم لهذه الأدلة، فما روي عن ابن شُبْرُمة معضل الإسناد؛ لأن ابن شُبْرُمة غالب رواياته عن التابعين. وقول ابن شهاب الزهري أخرجه مالك في "الموطأ"، والبيهقي في "الكبرى"، وقال الطحاوي: [وهو منقطع لا يصح الاحتجاج به في الأصول] اهـ. كما في "مختصر اختلاف العلماء".ويشكل على هذا كله الحديث الذي ذكرناه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردَّ ابنته زينب على زوجها بالنكاح الأول".ويرى الحنفية التفرقة بين دار الإسلام ودار الحرب، ففي دار الإسلام: إذا أسلمت الزوجة والزوج من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب يُعرض عليه الإسلام، فإن أسلم بقيا على نكاحهما وإلا فرَّق القاضي بينهما، لا فرق بين المدخول بها وغير المدخول، وإذا كان إسلامها في دار الحرب فتتوقف الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيضات إن كانت ممن تحيض، أو تمضي ثلاثة أشهر، فإذا أسلم الزوج خلال هذه المدة فالنكاح باقٍ، وإلا وقعت الفرقة، وهذه المدة ليست عدة؛ لأنها تشمل غير المدخول بها.وإذا كان الزوجان من أهل دار الحرب، وأسلم أحدهما، وخرج إلى دار الإسلام تقع الفرقة؛ لاختلاف الدارين.واستدلوا على الحالة الأولى: بما روي أن رجلًا من بني تَغْلِب أسلمت امرأته، فعرض عمر رضي الله عنه عليه الإسلام، فامتنع، ففرَّق بينهما، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولو وقعت الفرقة بنفس الإسلام لما وقعت الحاجة إلى التفريق، كما أن الإسلام لا يجوز أن يكون مبطلًا للنكاح؛ لأنه عُرِف عاصمًا للأملاك، فكيف يكون مبطلًا لها، ولا يجوز أن يبطل بالكفر أيضًا؛ لأن الكفر كان موجودًا منهما، ولم يمنع ابتداء النكاح، فلأن لا يمنع البقاء أسهل وأولى، وكذلك اختلاف الدِّين فإنه بعينه ليس بسبب لإبطال النكاح، كما لو كان الزوج مسلمًا والمرأة كتابية، إلا أنا لو أبقينا النكاح بينهما لا تحصل المقاصد؛ لأن مقاصد النكاح لا تحصل إلا بالاستفراش، والكافر لا يمكَّن من استفراش المسلمة، والمسلم لا يحل له استفراش المشركة والمجوسية؛ لخبثهما، فلم يكن في بقاء هذا النكاح فائدة، إذن فتفريق القاضي بينهما يكون عند إباء الإسلام، وهذا هو السبب الموجب للفرقة والأمر في ديار المسلمين سهل، فهي لا تمكث معه في بيت واحد، وبمجرد رفع الأمر إلى القاضي سيطلقها، أما في ديار غير المسلمين فالأمر صعب، فإن استطاعت أن لا تمكث معه في بيت واحد فهو المتعيَّن، وإلا جاز، ومع ذلك فلا بد وأن تتحرز من الانكشاف أمامه، وقد يتأخر فسخ العقد إلى سنوات، ولكن عليها بالصبر وعدم الزواج من آخر حتى ينفسخ عقد الزواج رسميًّا، حتى لا تتعرض لمشكلات كثيرة.

مشاركة :