في ضفيرة واحدة | عدلي صادق | صحيفة العرب

  • 6/1/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في حال الجَدْب الراهنة، التي تشهدها الحياة الفلسطينية، يخمد حتى الموات، الإبداع الأدبي، الذي انتعش في مراحل لم تكن تشهد فواجع يومية، وتألق فيها محمود درويش. فقد ظل المبدعون الفلسطينيون بعد استلاب 1948 موصولين في الشعر والأدب، بكنعان القديمة وبفتح القدس، وبحُراسها ومقاوميها. يجددون علاقتهم بالماضي في كل سياقاته التاريخية والاجتماعية والثقافية. لكن الخمود الأدبي اللافت، اليوم، يسجل قبل انقضاء العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين انكفاءً غير مسبوق في الإبداع، يضاهي انكفاء السياسة وجفاف مناقبية الحكم وضآلة الاجتماع السياسي. مشاهد الواقع اليومي المفجع، في الضفة وغزة الفلسطينيتين، لا تلقى استجابات أدبية تعرض صور الواقع، ويُفترض أن تكون معطوفة على كل الذي جرى، ومحمّلة بدلالات معاصرة. فالنصوص الأدبية، في حياة الأمم، تشكل مرجعيات حضارية وثقافية، وتؤسس لعملية التناص والاستمرار في الإبداع الذي يتكفل به الناشئة، من مبدعي الأجيال الجديدة، بالتأثر واستخدام الألفاظ واستحضار المشاهد، وإعادة صياغة الأفكار، وفق تطورات الحدث، لدوام الإلحاح على الوعي الشعبي وتأكيداً على بطلان وهمجية الاستلاب، فيما هو يتدحرج ويلتهم الأرض، وينكر الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية! يذوي الإبداع الأدبي، بتأثير عفونة الحُكم وفرديته. فهذا الأخير، ظل حتى الآن، رهن أوهامه، ينتظر أن يتعقل المحتلون، ولا يفتح أفقاً، للموهوبين والموهوبات، ولا يوفر بيئة مساعدة على التفاؤل، ذلك وهو يرى، بأم عينه، كيف يزداد المحتلون ظلامية وجنوناً، وتوافقاً على ممارسة العنف، وإصراراً على ممارسة الإكراه، ويغرقون في أساطيرهم حتى الثمالة. أرض يَبابٍ مُفتعل، على الجانب الفلسطيني، وأساطير غزاة، مدججون بالسلاح، على الجانب الآخر، يجتمعون في ضفيرة يتداخل بعضها في بعض. الأولى شطبت الطبقة السياسية، وجعلتها قطعة ديكور، فأحبطت الناس وأزكت إحساسها باللا جدوى، فخمد الإبداع. والمحتلون، يمارسون على مدار الساعة، استعراضات القوة والجاهزية للقتل وللمزيد من التوسع. ولا يتبدى في آفاق المرحلة، سوى فرضيات الأسوأ، ما لم يخلع الفلسطينيون عن ظهورهم العباءة المهترئة. فبعد القدس والأقصى، جاءت الخليل والحرم الإبراهيمي. لم تتقدم القصيدة الفلسطينية، كوسيلة إيصال إعلامي وتعبوي، في الاتجاه المعاكس لما يجري. لم تنشأ قصيدة صاخبة، عن المستجد في خليل الرحمن، منذ تحفة عزالدين المناصرة “يا عنب الخليل” في العام 1970 وفيها توظيف رمزي، لـ”بعل” أحد الآلهة الأسطورية الكنعانية، ولعلاقة الإنسان الفلسطيني الأزلية بالأرض، وبمحصول العنب المرتوي بـ”نهور من ذهب”، تفضله الخليل “في الصباح زبيباً ودبساً، إذا كان مَلبَنُهُ صافياً كبنات الشام. سُكراً كبياض خليلية مثل شمسٍ تغار من الشمس”!

مشاركة :