يتوقع الباحثون في المناطق القطبية مواجهة أخطار مختلفة، لكنهم لم يكونوا يتوقعون أن يعرقل وباء كورونا سير نشاطهم، هذا الفريق الدولي المكلف بدراسة تبعات التغير المناخي يواجه اليوم التأخير في إجراء عملية تسليم وتسلم في إطار التناوب على المهام في الأيام المقبلة. برلين - تهيأ أعضاء أكبر بعثة علمية في تاريخ المنطقة القطبية الشمالية لكلّ الاحتمالات حتى لهجمات الدببة القطبية، لكن لم يدرجوا في حساباتهم مواجهة وباء عالمي يهدد استمرار مهمتهم. ومع شهرين من التأخير، سيتمكن أخيرا العلماء في هذا الفريق الدولي المكلف بدراسة تبعات التغير المناخي في القطب الشمالي على مدى عام، من إجراء عملية تسليم وتسلم في إطار التناوب في المهام في الأيام المقبلة. ومن المتوقع أن ترسو السفينة كاسحة الجليد “بولارشتيرن”، قريبا في أرخبيل سفالبارد النرويجي إثر عودتها من القطب الشمالي حيث بقيت طوال الشتاء. وقال عالم الغلاف الجوي بجامعة كولورادو ماثيو شوبي، وهو مشارك على متنها، إن أنباء هذا الوباء تسببت في توتر بين من كانوا على متنها بالفعل. وتأتي بولارشتيرن في نطاق اهتمام ألمانيا بالبحث العلمي في القطب الشمالي، والتي رصدت له 700 مليون يورو. ويشرف معهد ألفريد ويغنير، الذي تجري فيه أبحاث القطبين في بريمر هافن. وقد تأسس المعهد في العام 1980 وهو يحمل اسم أشهر عالم ألماني في مجال أبحاث القطبين الشمالي والجنوبي، وله نظرية مثيرة عن زحزحة القارات، وسافر في رحلة لاستكشاف منطقة جرينلاند في العام 1930 ولم يعد. وستعيد بولارشتيرن نحو مئة باحث دولي أمضوا للتو ما يقرب من ثلاثة أشهر في القطب الشمالي، لتنقل بعدها مئة آخرين من زملائهم بينهم رئيس هذه البعثة ماركوس ريكس على متن سفينتي بحوث من بريميرهافن. وكان عالم المناخ والفيزياء هذا الذي أمضى فترة أولى على متن بولارشتيرن، قد أعد مع فريقه أكثر من عشرة سيناريوهات لمواجهة أي حالة طارئة خلال فترة المهمة الاستكشافية البالغة 390 يوما. وهو يقول عبر الهاتف من سبيتزبرغ كبرى جزر سفالبارد “اضطررنا إعداد خطة جديدة سريعا” بعد ظهور الوباء الذي أوقف عجلة الحياة في العالم. تلف بعض الأبحاث يضيع جهد الشتاء تلف بعض الأبحاث يضيع جهد الشتاء وتهدف المهمة المسماة “موزايك” والتي انطلقت في سبتمبر من النرويج، إلى إجراء بحوث عن الغلاف الجوي والمحيط وبحر الجليد والنظام البيئي لجمع بيانات حول أثر التغير المناخي على المنطقة والعالم أجمع. ويأمل الباحثون في موزايك في التعامل مع مشكلة واحدة في وقت واحد، وبالتالي الحجر الصحي الصارم لتجنب أي فرصة لحمل الفايروس التاجي إلى القطب الشمالي. وقد جمّع العلماء بالفعل بيانات قيمة منذ انطلاق سبتمبر الماضي مع 100 باحث وطاقم من 17 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا. وقال شوبي إن القياسات التي تمكّن العلماء من إجرائها خلال شتاء القطب الشمالي الطويل ستحسّن النماذج التي يستخدمونها لحساب كيف يعزل الثلج الجليد البحري ويؤثر على حركة الطاقة. وعلى مدى 390 يوما، يتناوب نحو 600 خبير وعالم على السفينة، التي تنقلت على وقع حركة الجليد تبعا للجرف الجليدي، وهو تيار في المحيط يتقدم من الشرق إلى الغرب في المحيط المتجمّد الشمالي. وفي نهاية فبراير، لم تكن المركبة سوى على بعد 156 كيلومترا من القطب الشمالي، في أقرب مسافة تصلها سفينة شمالا في الشتاء. وفي بادئ الأمر، كان مقررا أن ينضم الفريق الجديد المؤلف من خبراء من اثني عشر بلدا مطلع أبريل إلى سفينة بولارشتيرن، عبر طائرة من سفالبارد، غير أن إغلاق الحدود حال دون ذلك. وفي نهاية المطاف وبعد عوائق كثيرة، قرر المسؤولون عن البعثة إيفاد العلماء إضافة إلى مواد غذائية ووقود عبر السفينة إلى سبيتزبرغ. وقد أوقفت بولارشتيرن بحوثها لبضعة أسابيع للمجيء بفريق جديد. يقول ماركوس ريكس “الصعوبة الكبرى الثانية التي واجهناها كانت التأكد من عدم انتشار الفايروس بين أعضاء البعثة”. سفينة بولار شتيرن تعيد نحو مئة باحث أمضوا ما يقرب من ثلاثة أشهر في القطب الشمالي لتنقل بعدها مئة آخرين من زملائهم إلى مكان العمل حالة استنفار في سفينة بولارشتيرن بسبب مخاوف من انتشار الوباء وفي سبيل ذلك فرض حجر صارم يزيد عن 14 يوما على كل أعضاء الفريق الجديد في فندقين في بريميرهافن حُجزت غرفهما بالكامل. ويوضح “الأبواب كانت موصدة ولا يمكن فتحها ولم يكن هناك أي تواصل مع أشخاص من الخارج (..) وكانت تصلنا أطباق الطعام أمام الباب”. وذكرت صحيفة “سودويتشي تسايتونغ” أن التسلية الوحيدة للعلماء المحجورين كانت تأدية أغنية “يلو سابمارين” لفرقة “بيتلز” عبر النافذة. ويوضح ماركوس ريكس “خضع الجميع لثلاثة فحوصات” معربا عن أمله في إمكانية مواصلة هذه المهمة التي كرس لها 11 عاما من حياته. على متن بولارشتيرن، التي واجهت 150 يوما من الليالي القطبية مع حرارة نزلت إلى 39.5 درجة مئوية تحت الصفر، عاش الفريق ما يحصل في العالم عن بعد. ويوضح تورستن كانزوف الموجود حاليا على كاسحة الجليد “الكثير منهم لديهم عائلات ويحاولون بطبيعة الحال البقاء على تواصل وثيق معهم من خلال الهاتف عبر الأقمار الاصطناعية”. لكن ما من قلق حيال نقص في المؤن والأغذية المتوافرة، فالمخزون يكفي لأشهر عدة. في نهاية المطاف لن يكون لذلك تأثير رئيسي على الأبحاث على ما يقول ماركوس ريكس. ويوضح “ترسل إلينا أجهزة قياس آلية بقيت على الجليد بيانات جديدة يومية مهمة مع أننا نشهد انقطاعا في بعض القياسات” مع غياب بولارشتيرن. وتنتهي المهمة كما كان مقررا في 12 أكتوبر المقبل. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :