كورونا فرصة للنبش في أزمة المهاجرين الأفارقة بمصر | أحمد حافظ | صحيفة العرب

  • 6/3/2020
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

أعاد وباء كورونا المستجد أزمة المهاجرين الأفارقة في مصر إلى دائرة الضوء، حيث كشف عن صعوبات معيشية تعمقت مع قيود التباعد الاجتماعي والحجر الصحي. وتسببت إجراءات الوقاية في حرمان المهاجرين من وظائفهم خاصة أصحاب الحرف الصغيرة، وعلى الرغم من التحذيرات الصحية لا يشكل الوباء هاجسا بالنسبة إلى المهاجرين بقدر ما يشغلهم الهاجس الاقتصادي وسبل حماية موارد أرزاقهم المتواضعة. القاهرة - عمقت جائحة كورونا أزمات نحو أربعة ملايين من اللاجئين الأفارقة في مصر، وتنوعت المنغصات بين شح الدعم المقدم من المنظمات الأهلية وفقدان الوظيفة وتوقف العمل بالتجارة والعجز عن دفع الإيجار السكني، حتى أصبحت حياتهم محاطة بالمشكلات. ولا توجد إحصائيات حول عدد المصابين والوفيات في صفوف اللاجئين، فالأرقام اليومية التي تقدمها وزارة الصحة المصرية لا تفصل بين المواطنين واللاجئين، أو تحدد نسبا معينة لهؤلاء وهؤلاء، وقد يكون هناك الكثير من الضحايا غير معلومين. وكانت أغلب الأفريقيات يعملن في البيوت ودور الحضانات كمربيات، ولأن الكثير من الأسر أصبحت منعزلة في المنزل ولا تسمح للغرباء بالاختلاط بأفرادها خشية انتقال الوباء، فقدت الفتيات والأمهات أعمالهن كخادمات، وانقطع المصدر الرئيسي للرزق. واشترطت الكثير من العائلات المصرية التي كانت تستعين بلاجئات للعمل في المنازل، ألا يحصلن على إجازة أسبوعية مثلما كان متبعا، خشية أن يحملن العدوى من الشارع، لكن الكثير من السيدات العاملات رفضن التخلي عن أسرهن والابتعاد عنهن لفترة طويلة ولو كان ذلك على حساب خسارة الوظيفة. إضافة إلى ذلك، توقفت غالبية المشاريع الحرفية التي كانت تدعمها جمعيات أهلية مهتمة بشؤون اللاجئين واللاجئات، لمساعدة الأسر البسيطة على توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، لعجز المؤسسات الخيرية عن توفير مستلزمات الحرفة وتقديمها مجانا. قبل كورونا، امتهنت الكثير من اللاجئات حرفا صغيرة مثل صناعة الإكسسوار والحياكة والحُلي وتصميم الملابس، وأصبحن محترفات في تصنيع منتجات معروفة ببلدهن وبيعها لأبناء جنسياتهن، كنوع من الاعتزاز بتراث وطنهن وزيادة الدخل المادي. تتذكر مودة محمد، وهي أم سودانية لأربعة أولاد، عندما كانت تعمل على ماكينة للحياكة حصلت عليها من إحدى الجمعيات الأهلية المصرية، لتقوم بصناعة ملابس وبيعها للسودانيين المقيمين في مصر، لتوفر الطعام والشراب وإيجار المنزل البسيط لأسرتها. ومع ندرة الدعم المقدم وعدم القدرة على توفير احتياجات مودة، توقفت ماكينة الأم، ولم تعد تستطيع شراء أقل احتياجات عائلتها، في حين يصر صاحب المنزل على استلام الإيجار الشهري دون تأخير، حتى اضطرت لبيع بعض لوازم بيتها. صعوبات حياتية الأكثر معاناة، هم اللاجئون من دول الصومال وجنوب السودان وإريتريا، لصعوبة التواصل مع بعضهم على سبيل الاحتواء أو التضامن الأكثر معاناة، هم اللاجئون من دول الصومال وجنوب السودان وإريتريا، لصعوبة التواصل مع بعضهم على سبيل الاحتواء أو التضامن يمثل الشق الاقتصادي أكثر من 60 في المئة من أزمات اللاجئين عموما، ولا يرتبط ذلك برفاهيات، بقدر ما يتعلق بتوفير تكلفة المأكل والمشرب والسكن، وإذا تحدثت مع أيّ منهم تجده يضع الشأن الصحي في ذيل قائمة الأولويات، حتى مع انتشار الوباء. لم تكن الثقافة الصحية تشكل معضلة للكثير من هؤلاء في مصر، قبل ظهور الوباء، إذ كانت هناك ورش طبية مجانية يحاضر فيها استشاريون في مختلف التخصصات، وترعاها جمعيات أهلية، للإجابة على الاستفسارات والمخاوف والمطالب. يكفي الاستماع إلى نبرة صوت أيّ لاجئ، أو لاجئة أفريقية في مصر عندما تتحدث عن صعوبات الحياة في ظل الجائحة العالمية، وكيف انقطعت عنها كل سبل الرزق، لاكتشاف حجم المعاناة وسوء الحالة النفسية للكثير من الأسر وفقدان الأمل في تجاوز الأزمة. وأشارت مودة لـ”العرب” إلى أن “بعض اللاجئين اضطروا إلى هجرة السكن والإقامة مع مجموعة أسر في منزل بسيط حتى يتوزع الإيجار الشهري عليهم، لدرجة أن الكثير من البيوت فيها ما لا يقل عن ثلاث عائلات، كل واحدة منها تعيش في غرفة”. وتؤكد هذه المعاناة أن مسألة التباعد الاجتماعي بين أغلب اللاجئين كمدخل لتحصين أنفسهم من الإصابة بوباء كورونا، أمر غير موجود، فعندما تعيش ثلاث أسر في منزل واحد، فإن الزحام والتلاحم في مساحات ضيقة، واقع لا مفر منه. وتتشارك العائلات التي تعيش في منزل واحد، في المطبخ والحمام، ويكون استخدام الأماكن الحيوية داخل البيت بالتناوب، ما يقضي على كل مظاهر الخصوصية وتحصين النفس من انتقال العدوى، لكن لا بديل عن التأقلم مع هذا الواقع الأليم. وإذا لم يحمل فرد العائلة اللاجئة الفايروس من الاختلاط في الشارع ووسائل النقل، فإن فرص إصابته به داخل المنزل تكون أقوى، والأخطر من ذلك، أن أمية الكثير من اللاجئات تجعل ثقافتهن الصحية شبه منعدمة، وإذا تعرضن للخطر لا يعرفن كيفية التصرف. وإذا أصيب أحدهم وسط هذه الظروف الإنسانية بالغة الصعوبة، فإن فرص عزله منزليا مسألة معقدة، فالأسرة التي تعيش في غرفة ضيقة لن تستطع توفير مكان بديل للفرد المصاب، ما يشكل خطرا على باقي العائلات التي تشاركه في البيت. دور الجمعيات الأهلية إيمان طاهر: 50 في المئة من الأسر اللاجئة عجزت عن دفع الإيجار السكني، وتدخلت جمعيات أهلية لحماية بعض العائلات من التشرد في الشارع إيمان طاهر: 50 في المئة من الأسر اللاجئة عجزت عن دفع الإيجار السكني، وتدخلت جمعيات أهلية لحماية بعض العائلات من التشرد في الشارع صحيح أن الكثير من الجمعيات الأهلية المعنية بشؤون اللاجئين، مازالت تقدم بعض الدعم في حدود إمكانياتها المحدودة، إلا أن ذلك لا يخرج عن كونه دعما نفسيا قد يهون على الأسر متاعب التعايش مع ظروف قاسية تكاد تكون تداعياتها أخطر من وباء كورونا. وتنتشر مقار مؤسسات شؤون اللاجئين في محيط المناطق المعروف عنها أنها أكبر تجمع للأفارقة، مثل أرض اللواء ووسط البلد والمعادي والمقطم وعين شمس والجبل الأصفر، وكلها أحياء في القاهرة، والهرم وفيصل، بمحافظة الجيزة المتاخمة للقاهرة. وأكدت إيمان طاهر، رئيسة جمعية “تفاؤل” لرعاية اللاجئات، أن 50 في المئة من الأسر اللاجئة عجزت عن دفع الإيجار السكني، وتدخلت مؤسسات أهلية لضم عائلات مع بعضها في منزل واحد، كأحد بدائل تحصينها من التشرد في الشارع. وتظل الأزمة الأبدية للاجئين في مصر، أن الكثير من أصحاب العقارات والمحال التجارية يعاملونهم كأجانب، ويتصورون أنهم أغنياء ويحصلون على دعم شهري بمئات الدولارات من المنظمات الحقوقية، لذلك يضاعفون قيمة الإيجار وأسعار السلع. وأضافت طاهر أن بعض المؤسسات الأهلية خصصت خدمة هاتفية وإلكترونية لتقديم الدعم النفسي للاجئين، لأن أغلبهم أصبحوا من المصابين بحالات اكتئاب، فكيف تتصرف أمّ عندما لا تجد لقمة العيش لأبنائها بعدما فقدت وظيفتها وتخلى عنها الزوج؟ وتحمل اللاجئة وحدها غالبا هموم الأسرة، بدءا من تدبير احتياجاتها في أصعب الظروف، مرورا بتحصين أولادها من الوباء، وانتهاء بالبحث عن أيّ فرصة عمل بأقل مقابل مادي، ما يضع على كاهلها ضغوطا نفسية وجسدية يصعب تحملها. لم تنكر إيمان طاهر أن جائحة كورونا وما سببته من أزمات عصية على الحل، تسببت في حدوث انهيارات أسرية، مثل انفصال الزوجين، لإلقاء كل طرف مسؤولية توفير الاحتياجات المنزلية على الآخر، والعجز عن البحث عن وظيفة وغياب التفاهم بينهما. الدعم المعنوي تحمل اللاجئة وحدها غالبا هموم الأسرة، بدءا من تدبير احتياجاتها في أصعب الظروف، مرورا بتحصين أولادها من الوباء، اللاجئة تحمل وحدها غالبا هموم الأسرة، بدءا من تدبير احتياجاتها في أصعب الظروف، مرورا بتحصين أولادها من الوباء قد تنجح خدمة الدعم النفسي في التوفيق بين الزوجين، لكن غالبا ينتهي الأمر بالاتفاق على ابتعاد الطرفين عن بعضهما، بمعنى أن يخرج الأب من المنزل ويترك الأم وأولادها، دون انفصال نهائي، على الأقل لحين تحسن الظروف بعد زوال الجائحة. وكانت مودة وأسرتها والكثير من اللاجئات يذهبن إلى مقار الجمعيات الأهلية بمصر مرتين أسبوعيا، للقاء بعضهن في ما يعرف بجلسات الفضفضة، للترفيه والتنفيس عن همومهن، وكن يتراقصن ويتلاحمن ويغنين ويعدن إلى منازلهن في سعادة بالغة. ولم تغب الأم عن أيّ تجمع نسائي راقص على الموسيقى والأغاني الأفريقية المميزة، لإسعاد نفسها وإخراج الطاقة السلبية عندما كان الفن سلاح الجمعيات الأهلية لتخفيف صدمات الغربة والتغلب على صعوبات الحياة عند اللاجئات وأبنائهن. اختفت جلسات الفضفضة وتجمعات الرقص، بعد أن أغلقت مؤسسات اللاجئين مقارها لمنع الزحام بسبب قيود كورونا، وبقيت الهموم تتراكم على الزوجات والأبناء، ليغلقن على أنفسهن أبواب الغرفة الضيقة في المنزل المشترك لتوفير الحد الأدنى من الخصوصية. ولو خرجن نهارا لبعض الوقت في نزهة بعيدا عن هذا السجن المنزلي، يواجهن مضايقات من بعض الأفراد أصحاب السلوكيات غير المنضبطة، لأن أغلب اللاجئين يفضلون العيش في أماكن شعبية لانخفاض قيمة الإيجار السكني. وتظل أكثر الفئات معاناة، هم اللاجئون من دول الصومال وجنوب السودان وإريتريا، لقلة أعدادهم في مصر وصعوبة التواصل مع بعضهم على سبيل الاحتواء أو التضامن، مقارنة بالجالية السودانية مثلا، حيث تظهر بين أفرادها بعض صور التكافل الاجتماعي، مثل المساعدة المادية واستضافة المطرودين من منازلهم بعد العجز عن دفع الإيجار. وسمح بعض أصحاب المدارس السودانية بتحويل مقار القاعات الدراسية إلى منازل بديلة للأسر الكادحة من اللاجئين وذوي الدخل المالي المحدود، حيث أن الدراسة تبدأ شهر سبتمبر المقبل، ويكون التسكين فيها بالاتفاق بين المدرسة والجمعيات الأهلية، وتقيم كل عائلة في فصل لا تتجاوز مساحته 15 مترا. وإن كان التكافل الاجتماعي يخفف من وطأة المعاناة التي يعيشها البسطاء من اللاجئين، فإن بعض الفئات المقتدرة أيضا لم تعد بعيدة عن الوصول إلى نفس الظروف، فمن كان يعمل بالتجارة واستيراد سلع من بلاده لبيعها في مصر، أُغلقت الحدود وقاربت أمواله أن تنفد. لم يتخيل إبراهيم حامد، وهو سوداني الجنسية، ويمتلك مصنعا للحلوى في منطقة المعادي بجنوب القاهرة، أن يصل به الحال إلى عدم القدرة على دفع فواتير المياه والكهرباء لمنزله الذي يستأجره، بعد أن كان يعمل معه قرابة 20 فردا من مختلف الجنسيات الأفريقية، ويدفع لهم رواتب شهريا بالآلاف من الجنيهات. الضغوط الاقتصادية والأسرية والنفسية تتفاقم مع قيود الوباء الضغوط الاقتصادية والأسرية والنفسية تتفاقم مع قيود الوباء اضطر حامد إلى إغلاق المصنع الصغير وتسريح العمال، فلم يعد يستطيع جلب مستلزمات الإنتاج من بلاده أو التعايش مع الخسائر اليومية الفادحة الناجمة من تداعيات الوباء. وأوضح أنه “كان يساعد الكثير من أسر اللاجئين عندما كانت ظروفه المادية تسمح بذلك، لكنه اضطر لوقف المساعدات بعدما انهار اقتصاديا”، ويكفي التجول في منطقة وسط القاهرة لمشاهدة المقاهي والمطاعم الأفريقية التي تم إغلاقها وتشرد عمالها، هؤلاء عندهم أسر، أصبحوا يتسولون المساعدة بعد أن كانوا يعيشون في أمان وسلام. كانت المقاهي والمطاعم بمثابة سفارات شعبية قبل كورونا، يتجمع عليها أبناء الجاليات للترفيه عن أنفسهم والإحساس بأنهم يجلسون في جزء من وطنهم، يتبادلون الحكايات والنكات والسمر دون شعور بالغربة، وأحيانا كانت هناك صناديق تكافل ثابتة في هذه الأماكن يتبرع فيها الأغنياء للبسطاء المحتاجين، كل ذلك اختفى، وانتقلت تداعياته النفسية السلبية إلى المنازل. وأكثر ما يقلق إبراهيم، أن الانهيار النفسي الذي يعيشون فيه وشح الموارد وارتفاع منسوب الفقر بينهم، جعلهم ينظرون إلى فايروس كورونا باستخفاف، لأن أغلبهم يعيش حياة بسيطة جدا، ولا يفكرون في تحصين أنفسهم من الوباء بقدر سعيهم إلى البحث عن لقمة عيش، وغرفة سكن تحول دون تشردهم في الشارع. وأردف بالقول “لا وعي بالمخاطر عند من يعجز عن توفير الطعام لأولاده، قد تضطر فتاة للسير في طريق الانحراف لمساعدة أسرتها على التعايش مع ظروف الفقر وتجنب النزول إلى مرحلة التسول، وهذه وقائع أشاهدها في غياب المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين”. ولأن الكثير من اللاجئين يشعرون بالعزلة والانفصال عن المجتمع، ويتجنبون الاحتكاك بالمصريين، فإن أحدهم إذا شعر بأعراض كورونا، لا يذهب إلى المستشفى لتلقي العلاج. هكذا يختصر إبراهيم انعدام مظلة الحماية بالنسبة لهذه الفئة التي أضحت تواجه الوباء بالجهل. وحتى مع انقضاء الجائحة، فإن أغلب اللاجئين قد يصبحون مضطرين لبداية حياتهم مرة أخرى من المربع صفر، وكأنهم وصلوا للتو إلى مصر، سواء بالبحث عن وظيفة أو توفير سكن آدمي، أو إعادة التدريب على نفس الحرفة التي كانوا يمتهنونها قبل الجلوس بالمنزل لشهور. ونفس الأمر بالنسبة للمؤسسات الأهلية التي تواجه شح الدعم المقدم لها وندرة الإمكانيات، ومن المستبعد أن تعود لاستكمال المهمة بسهولة.

مشاركة :