يبدو أن التلفزيون السعودي أضاع البوصلة منذ تحوّله إلى هيئة للإذاعة والتلفزيون، فلم يعد يدري هل يستمر على وضعه السابق صوتاً رسمياً رصيناً أم يقتحم ميدان المنافسة مع القنوات الخاصة؟. ويتضح ارتباك الهوية في برامجه الرمضانية التي أنتجها وفق معايير السوق لكنه تعامل معها بالعقلية الرسمية الرتيبة ولم يعلن عنها بالشكل المطلوب. هل يعلم أحد أن التلفزيون يعرض مسلسلاً جيداً يجمع نجوم الكوميديا المحلية؟ وأنه يقدم برنامج «الراوي» لمحمد الشرهان؟ وبرنامج «ليالي البجيري» الذي يبث يومياً من الدرعية؟. برامج ومسلسلات جيدة ذهبت ضحية حالة «التيه» التي يعيشها القائمون على التلفزيون منذ نحو سنتين والتي جعلتهم يعيشون عزلة تامة عن الجمهور، لا يعرفون ماذا يريد المشاهد منهم، ولا يدركون نقاط القوة التي يمتلكونها، ولا نقاط الضعف التي تبعدهم عن دائرة المنافسة في رمضان، حتى أصبح وجود التلفزيون في نظر القائمين عليه مجرد أداء واجب ليس إلا؛ مجرد وظيفة روتينية يؤدونها دون انتظار نتيجة أو نجاح من أي نوع. ولكي ينجح التلفزيون السعودي في رمضان فلابد أن يعترف بحقيقة أن جمهوره القديم انصرف عنه تماماً ولم يعد يتابعه أحد، فنهار رمضان أصبح ملكاً مطلقاً لقناة روتانا خليجية، وليله ملكاً لقناة MBC، ولن يتغير هذا الواقع لسنوات قادمة لذا لا فائدة من الإصرار على منافسة هذه القنوات وبذل الملايين على أعمال لن يشاهدها أحد. الحقيقة الثانية التي على التلفزيون أن يؤمن بها أن جمهور الصغار والمراهقين لن يكونوا أبداً من مشاهديه مهما حاول، فهؤلاء مختطفون للفضائيات الخاصة ولقنوات اليوتيوب ولن يجذبهم التلفزيون الرسمي إطلاقاً، لذا بدلاً من محاولة استقطابهم عليه أن يبحث عن شريحة أخرى لديها استعداد لمتابعة برامجه. التلفزيون يمتلك قوة يبدو أن القائمين عليه لم ينتبهوا لها، أعني الأرشيف الغني المختبئ في أقبيته والذي يحتوي على البرامج والمسلسلات القديمة التي سكنت ذاكرة السعوديين. هذا الأرشيف لو تم التركيز عليه لأمكن للتلفزيون السعودي أن يستقطب شريحة مهمة من المشاهدين خاصة في رمضان، ولنا في ما فعله التلفزيون نفسه في رمضان الحالي مثالاً لذلك حيث عرض في فترة المغرب برنامجاً بعنوان «من الماضي» يحوي مقتطفات من برامج أرشيفية عرضت قبل عشرين وثلاثين سنة، وكان للبرنامج أصداء جيدة فاقت أصداء بقية برامجه ومع ذلك فقد تم إيقافه فجأة ودون سابق إنذار يوم 12 رمضان وهذا يؤكد ما قلناه في البداية من أن القائمين عليه لا يعرفون ما يحتاجه الجمهور. إن سلاح «الأرشيف» خطير جداً ويمكنه إخضاع الجمهور رغماً عنه، خاصة أولئك المرضى بالحنين وكبار السن الباحثين عن ذكرى، عن متعة، عن برامج ملائمة للعائلة. ولو كنت مسؤولاً عن الفترة الذهبية في التلفزيون لخصصتها بالكامل لمواد الأرشيف ولجعلت موسيقى الفواصل الإعلانية موسيقى رمضان المشهورة ولأعدت عرض «طاش ما طاش» مثلاً –خاصة أن التلفزيون يمتلك 13 جزءاً منه- أو مسلسل خزنة أو مسلسل خلك معي أو أي مسلسل تعلّقت به قلوب الجمهور السعودي. هذا هو السبيل الوحيد لعودة التلفزيون للمنافسة في رمضان أما الإصرار على منافسة قنوات خاصة فلن يجديه نفعاً ولن يزيده إلا تيهاً وضياعاً..
مشاركة :