دخلت الأزمة السورية نفقاً لا يعلم إلا الله كيف ستخرج منه. لم يعد القتال بين الدكتاتور وخصومه. أصبحت أرض الشام مرتعا خصبا للأفاقين والقتلة والأجراء وعملاء المخابرات الدولية، وتم إحضار الأحقاد الدينية القديمة كوقود سريع الاشتعال وسهل الاستخدام ويمكن توزيعه على دول المنطقة. لا أتابع الأزمة السورية من الأخبار الرسمية أو الصحف أو الفضائيات. ما يثير فزعي تزايد أعداد الشبان السعوديين المشاركين في المعركة وما يثير فزعي أكثر حرية الدعوة للجهاد في سورية في التويتر. أما المفزع الحقيقي أن هؤلاء الذين يدعون للجهاد في سورية أو يزينونه لصغار السن يسرحون ويمرحون في وسائل الإعلام وكلنا يعرفهم. تلاحظهم ساكنين في التويتر يتحدثون عن الجهاد في سورية وكأنهم يتحدثون عن التعليم أو الصحة ويمتلكون ندوات خاصة ومساجد وحلقات يلتقون فيها بشكل مباشر بأهدافهم.. ولم تعد القضية سورية ولن تنحصر في سورية. المقاتلون الأجانب في سورية بالآلاف ولنا فيهم نصيب عظيم. القضية لم تعد سرا. خطة إعداد هؤلاء القتلة معروفة. هي نفسها التي استخدمت في الثمانينيات وإن كانت في ذلك الزمن أكثر صراحة ووضوحا. ثمة مراحل. تبدأ بتهيئة الشاب وتزيين الجهاد في نظره من جهة، وربط هذه القيمة بالصراع في سورية. كأن يردد في أكثر من تغريدة (الجهاد فريضة) ويورد أكبر قدر من الآيات الكريمات والأحاديث النبوية ثم يتلو بعد ذلك تغريدات عن سورية والصراع فيها على أساس أن المعركة حرب دينية. هذا الكلام يتلقفه شباب من متابعيه وخاصة المراهقين الملتحقين بإحدى المؤسسات التعليمية الدينية (وعددهم بمئات الألوف) يكون كل شيء في داخله جاهزا لاستقباله والتفاعل معه إذا وجد من يكرسه في داخله. يتم في هذه المرحلة تجييش عواطف الشباب وإعدادهم نفسيا. بعد هذه المرحلة تنقطع صلة هؤلاء الدعاة بالشباب، لا يجندون ولا يحرضون وربما لا يعرفون أهدافهم من الشبان. ولكنهم أعدوا فرائسهم وجهزوهم للمرحلة التالية. نكون انتقلنا من المرحلة العلنية في الإعداد إلى المرحلة السرية التي لا نعرف عنها شيئا. جيوش الظلام الذين يجندون هؤلاء للمعركة لا شك أقل (عددا) بكثير من جيوش التهيئة الثقافية والسكيولوجية في التويتر والمنابر الحية كمنابر المساجد وحلقات التعليم الخاصة. إذا قرأنا هاتين المرحلتين سنرى أن المرحلة الأولى هي الأخطر. لا شك أن عدد الذين يستجيبون لدعاة الإرهاب من الشبان وينفرون اقل بكثير من الذين تأثروا بالخطاب الجهادي في التويتر، وآمنوا ولكنهم لم يجرؤوا على المخاطرة بحياتهم لسبب أو آخر. ولكن هؤلاء المتخلفين يشكلون قاعدة دعم داخل المجتمع. يمكن توظيفهم في جمع التبرعات أو في الدعاية لمشايخ الجهاد أو للجهاد نفسه فتتوسع قاعدة المجاهدين ويزداد عددهم. معركة المجتمع ليست مع هؤلاء الشبان الذين نفروا للجهاد وليست مع جيوش الظلام وإنما مع شيوخ التهيئة والإعداد الثقافي والسكيولوجي. لا أتابع الكثير في التويتر فتركيزي منصب على كثير من الدعاة والداعيات. أتابع تغريداتهم والتغريدات التي يعيدون تدويرها. لا أخطئ ففي خطابهم نفس روح خطاب الثمانينيات التهييجي الذي قادنا إلى أفغانستان ثم إلى التفجيرات. أرجو ألا يعيد التاريخ نفسه لأنه هذه المرة سيكون أكثر مرارة وقسوة لأننا لم نتعلم..
مشاركة :