أزمة سد النهضة تدخل «عض الأصابع» عشية «الملء»

  • 6/5/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دخلت أزمة سد النهضة الإثيوبي منعطفاً جديداً مع بدء العد العكسي لملء أديس أبابا بحيرة السد في إجراء تعارضه مصر. وفي حال مضت إثيوبيا بمخططها فستكون القاهرة أمام أمر واقع عليها التعامل معه. تتسارع وتيرة الأحداث في منطقة شرق إفريقيا، فالجميع يسارع الوقت قبل الوصول إلى لحظة تبدأ فيها إثيوبيا ملء بحيرة سد النهضة في يوليو المقبل، وتحديداً بعد 30 يوماً، لذا لم يكن غريباً أن تكثف مصر نشاطها الدبلوماسي، وتسعى إلى الحلفاء الإقليميين والدوليين، قبل أن تتخذ أي إجراءات جديدة تحفظ حقوقها التاريخية في مياه النيل، بينما لاقى الموقف السوداني الجديد كثيراً من التأييد في القاهرة. وبينما عقد وزيرا المياه في إثيوبيا والسودان اجتماعاً افتراضياً أمس، لبحث سبل استئناف المفاوضات الثلاثية حول السد، اعتبر خبراء مياه في حديثهم لـ«الجريدة» أن القراءة الحالية للمشهد في الأزمة، تكشف عن نجاح محدود للجولة الجديدة من المفاوضات إذا عقدت، بسبب تمسك كل طرف بوجهة نظره، خصوصاً إثيوبيا التي ترفض الاستماع للمطالب المصرية. الجانب السوداني حرص على البقاء في المنتصف بين مصر وإثيوبيا، إذ أعلن وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، أن المذكرة التي تقدمت بها بلاده إلى مجلس الأمن مطلع الشهر الجاري، إثر تقدم مصر وإثيوبيا بخطابين بهذا الصدد الشهر الماضي، لا تعكس تصعيداً للأوضاع ضد أي طرف، لكنه شدد على أن الخرطوم طالبت «مجلس الأمن بحثّ جميع الأطراف على الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تؤثر على الأمن والسلم الإقليميين». الجملة الأخيرة الخاصة بالإجراءات الأحادية، رأى فيها الجانب المصري مؤشراً إيجابياً على تحسن الموقف السوداني، الذي تضمن إدانة مبطنة للحكومة الإثيوبية، إذ قال أستاذ الموارد الطبيعية والمياه بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، لـ«الجريدة»:»واضح التوتر الكبير في العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا، وهو ما كشفه الخطاب السوداني لمجلس الأمن، الذي تضمن إشارة صريحة ضد النهج الإثيوبي المتعنت، وتصريح الوزير السوداني الهدف منه إنجاح الوساطة السودانية لتحريك مياه المفاوضات الراكدة». ورأى شراقي أن حلقات الخناق ضاقت على إثيوبيا، إذ باتت مصر الآن في موقف أقوى من الناحية الدبلوماسية، ويمكن أن نقول إنها حيدت السودان إذا لم تكن كسبته لصفها، خصوصاً بعد «البلطجة الإثيوبية» الأخيرة على الحدود السودانية لابتلاع نحو 1.5 مليون فدان من أجود الأراضي الزراعية في العالم، متوقعاً أن تكثف مصر اتصالاتها الدبلوماسية في الفترة المقبلة تحسباً لفشل جولة المفاوضات. وتابع خبير المياه المصري: «من وجهة نظري أرى أن إثيوبيا ستتراجع عن التصعيد في اللحظة الأخيرة، لأن إنشاءات سد النهضة غير جاهزة للتشغيل على المستوى المطلوب، إذ تحدث الجانب الإثيوبي في الجولات السابقة من المفاوضات عن ملء بحيرة السد عند مستوى 595 متراً، ما يعني تخزين 18 مليار متر مكعب في المرحلة الأولى، لكن عاد الحديث الآن عن ملء عند مستوى 409 أمتار، ما يعني تخزين 4.9 مليارات متر مكعب، وهي كمية ضئيلة جداً لا تكفي إلا لتشغيل اثنين من توربينات السد والتي ستنتج كميات ضئيلة من الكهرباء». وأضاف: «وكان هدف الحكومة الإثيوبية من إسراع التشغيل استخدام ورقة السد لمواجهة داخل مأزوم قبل الانتخابات المحلية في أغسطس المقبل، وهي الانتخابات التي تم تأجيلها؛ فلم يعد هناك أي مبرر للإسراع في تشغيل السد، سوى اختبار متانة السد وكفاءته، وهو أمر يمكن التوصل إليه عبر آلية اتفاق تراعي المطالب المصرية، خصوصاً أن أوراق القاهرة باتت أقوى وباتت جاهزة لأي سيناريو إثيوبي مهما كانت طبيعته». بدوره، قال رئيس وحدة بحوث السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان، لـ»الجريدة»، إن «التعنت الإثيوبي على ما هو عليه، فأديس أبابا تمضي في خطتها الرامية لفرض إرادتها على دولتي المصب، لذا نحن مقبلون على سيناريو المواجهة». رسلان حذر من النهج الإثيوبي القائم على المعادلة الصفرية التي تضع مصر والسودان أمام خيار الاستسلام أو المواجهة المفتوحة، وواضح أن القاهرة والخرطوم ترفضان خيار الاستسلام، ومن الواضح أيضاً ألا حلول وسطاً. وأضاف: «الموقف السوداني الجديد يكشف أن الحديث عن عودة المفاوضات لا جدوى منه على الإطلاق، بعد وضوح الموقف الإثيوبي الرامي لحصر المفاوضات على شق الملء الأول لبحيرة السد، لذا ففكرة انعقاد المفاوضات محل شك بالنسبة لي، وحتى لو انعقدت فلن تصل إلى نتائج ملموسة». وتابع: «أديس أبابا تسير في مخطط واضح وهو تحويل سد النهضة من مصدر إنتاج الكهرباء إلى بنك للمياه، من أجل بيعها والتحكم الكامل في النيل الأزرق، بما يعني إحداث خلل استراتيجي وسياسي في منطقة شرق إفريقيا، وأننا مقبلون على صراع بشكل أو بآخر في المنطقة، وهو أمر كانت مصر تسعى لتجنبه عبر تمسكها بمسار التفاوض، لكن أظن أن الرفض الإثيوبي اليد المدودة لها للتعاون ستؤدي إلى مزيد من التصعيد خلال الشهر الجاري». من جهته، اعتبر الدكتور ضياء القوصي، وزير الري الأسبق وخبير المياه الدولي، في تصريحات لـ «الجريدة» أن «أديس أبابا أصبحت وحيدة أمام الرأي العام العالمي، فدولتا المصب على موقف واحد من التحذير من خطورة المسلك الإثيوبي الرامي للانفراد بالرأي في ملف السد على أمن واستقرار شرق إفريقيا». وكشف خبير المياه الدولي عن توقعه لمسار الأزمة مستقبلاً قائلاً: «حتى إذا استمرت إثيوبيا في مسلكها المتعنت، ولم تسفر جولة المفاوضات المفترضة عن أي نتائج، فيحق لمصر والسودان الآن تفعيل الخطابين المقدمين لمجلس الأمن، ليتحولا إلى شكوى رسمية ليتخذ المجلس ما يراه من إجراء مناسب، وفي حالة عدم الاستجابة الإثيوبية، فيمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ومن ثم الوصول إلى خيارات أكثر شدة».

مشاركة :