قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالمحسن بن محمد القاسم - في خطبة الجمعة - : شهدت الفطر بأن للعالم ربا كاملا في ذاته وصفاته , موصوفا بصفات الكمال والجلال والجمال , له كل ثناء وكل حمد ومدح , ومن تعظيم الله إثبات صفات كماله ونعوت جلاله , واسم من أسماء الله الحسنى ورد في كتاب الله أكثر من تسعين مرة , اقترن بالعزة والعلم والخبرة والسعة والتوب والحمد , ما من حركة ولا سكون في الكون إلا واقتضى مدلول ذلك الاسم فيه , فمن أسمائه سبحانه الحكيم يضع الأشياء مواضعها , وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره وحكمته بالغة تعجز العقول عن الإحاطة بكنهها , وتكل الألسن عن التعبير عنها , وبحكمته سبحانه سبح له ما في الكون , قال تعالى : " سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ". وأضاف : الله عز وجل قد يظهر بعض حكمه لعباده فأخبر أن الحكمة من إنزال القرآن لتثبيت المؤمنين وهداية وبشارة لهم , فقال : " قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين " , وأرسل الرسل لئلا يبقى لأحد حجة أنه يجهل الدين , وأخبر أن الحكمة من ابتلاء الناس ليعلم صدق المؤمنين وصبرهم , ولحكمة منه سبحانه حجب علم الغيب عن خلقه واختصه لنفسه. وقال : الله وحده له الخلق والأمر , يفعل في كونه ما يشاء , وفي شرعه يحكم ما يريد , لا يتوجه إليه سؤال , ولا يقدح في حكمته مقال , قال تعالى : " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " , والعبد مأمور بالتعبد بمدلول اسم الله الحكيم وإذا أيقن بحكمة الله في كل شيء استمتع بخلق الله البديع وصنعه المتقن وتفكر فيه , وعظم شرع الله وخاف منه تعالى واستحى من خطاياه , واستسلم لأوامره ونواهيه , واشتد فرحه بأن الله هداه لهذا الدين لحكمة أرادها له , وأن الشريعة جاءت من لدن حكيم لإسعاد البشرية. وأضاف : عرف الله عباده بعظائم معاني خلقه وأمره دون دقائقها وتفاصيلها , وما يخفى على العباد من معاني حكمة الله في صنعه وإبداعه وأمره وشرعه وقضائه وقدره يكفيهم فيه معرفته بالوجه العام أن تضمنته حكمة بالغة , وإن لم يعرفوا تفاصيلها , وأن ذلك من علم الغيب الذي استأثر الله به.
مشاركة :