د. عصام نعمان يصعب التوفيق بين الدعوة إلى النأي بالنفس عن سوريا على جميع المستويات وبالتالي تطبيق «أحكام قانون قيصر» بحقها والحاجة إليها كثيرة هي المعوّقات والتحديات التي تفصل بين اللبنانيين هذه الأيام؛ لكن الموقف من «قانون قيصر» الأمريكي هو الآن المعيار والفيصل الأهم: إما أن تكون مع تطبيق أحكام هذا القانون أو أن تكون ضده. «قانون قيصر» أمريكي أصلاً وفصلاً، غايته محاصرة سوريا اقتصادياً، ومعاقبة المتعاونين مع حكومتها سواء كانوا حلفاء سياسيين أو شركاء اقتصاديين. صحيح أن وزارة الخزانة الامريكية لم تحدد بعد معايير التعاون سياسياً واقتصادياً مع حكومة سوريا؛ لكن جمهرة مناهضي سوريا في لبنان إلى جانب المتخوّفين من الانعكاسات السلبية لهذا القانون على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، بادروا إلى اتخاذ مواقف داعية إلى احترام أحكام هذا القانون، وترجمتها إجرائياً على أرض الواقع في كل المجالات. في هذا السياق، تنادت أحزاب سياسية وهيئات اجتماعية وروابط طلابية ومهنية إلى الاحتشاد في وسط بيروت يوم السبت السادس من الشهر الجاري؛ من أجل إحياء الانتفاضة الشعبية التي كانت تعثرت لأسباب عدّة لعل أبرزها: اندلاع وباء كورونا، واضطرار «المنتفضين» إلى احترام إجراءات التباعد الاجتماعي، وملازمة المنازل التي فرضتها السلطات الرسمية. حزب الكتائب، برئاسة النائب سامي الجميل، شدّد في بيان الدعوة على «الحاجة إلى عملية تغيير شاملة؛ بحيث تعيد بناء وطن يحلم به أبناؤه، وأن استمرار المراوغة الحكومية في التعاطي مع المجتمع الدولي؛ سيأخذ لبنان إلى مزيد من العزلة والتدهور المالي والاقتصادي، وخصوصاً في ظل العقوبات الدولية التي تتوالى؛ بسبب مغامرات «حزب الله» الذي بات يسيطر على كامل القرار الرسمي». في مقابل دعاة الاحتشاد والتظاهر يوم السبت، اتخذت مكوّنات الحراك الشعبي المعروف منذ انتفاضة 17 أكتوبر الماضي ب«صيدا تنتفض» بقيادة النائب أسامة سعد قراراً بتنظيم تظاهرة شعبية يوم الجمعة 5 يونيو/حزيران، وستحضر في تظاهرة صيدا شعارات محاربة الفساد، وتحميل مسؤولية الانهيار الاقتصادي لكل قوى النظام، وستدعو إلى استعادة الأموال المنهوبة. دعاة التظاهرتين هم من المناهضين، على ما يبدو، للمنظومة الحاكمة، فما موقف الحكومة التي يصرّ رئيسها حسان دياب على أنها مستقلة؟ يتفق المراقبون على أنها تواجه صعوبات وتحديات جمّة ليس أقلها الموقف الذي يتعيّن عليها اتخاذه من «قانون قيصر» في غمرة حال الانقسام الذي يرتع فيه لبنان حكومة ومجتمعاً وتيارات سياسية متباينة. والمفارقة اللافتة أن حكومة دياب مدعوة إلى البت بمسألة خلافية تتعلق بمطلب يجمع عليه اللبنانيون. ذلك أن البلد يعاني أزمةً مزمنة؛ تتمثل في انقطاع التيار الكهربائي، وعجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلٍّ لهذه المعضلة على الرغم من إنفاقها نحو 50 مليار دولار في هذا السبيل؛ وإذ تتعاظم الصغوط الشعبية؛ من أجل حلّ أزمة الكهرباء، تجد حكومة دياب نفسها مضطرة إلى البت بمسألة تجديد عقود استجرار الطاقة الكهربائية من سوريا؛ لتغطية النقص الفادح في الطاقة الذي يعانيه لبنان منذ سنوات. السؤال المعضلة الذي تواجهه الحكومة هو: هل توافق على تجديد عقد استجرار الطاقة الكهربائية من سوريا في وقت يتعيّن عليها أن تحدد موقفاً من تطبيق أحكام «قانون قيصر» الذي يعاقب الأطراف التي تتعاون سياسياً أو اقتصادياً مع حكومة سوريا؟ الحرج لا يواجه حكومة دياب فقط؛ بل كذلك يواجه المناهضين لحكومة سوريا والمتعاونين معها في لبنان أيضاً؛ وذلك لأنه يصعب عليهم التوفيق بين دعوتهم إلى النأي بالنفس عن سوريا على جميع المستويات، وبالتالي تطبيق «أحكام قانون قيصر» بحقها من جهة، ومن جهة أخرى اشتداد حاجة جميع الناس إلى الطاقة الكهربائية غير المتوافرة، ولاسيما مع اقتراب أشهر الصيف وحرارتها الموسمية اللاذعة. التحدي الأشد قسوة هو أن خصوم حسان دياب جميعاً ليسوا واثقين من أن إسقاط حكومته، يُسهم في حل سائر المشاكل والأزمات التي يعانيها لبنان؛ ذلك أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، قياساً على حالات مماثلة في الماضي القريب، اتفاق زعماء التكتلات السياسية المتنازعة على تأليف حكومة بديلة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في منتصف عام 2022.
مشاركة :