قصائد تخلع ثوب الحزن.. وأصوات تطالب المبدع بالتفاؤل

  • 6/6/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود انطلقت، أمس الأول الخميس، فعاليات المهرجان الشعري الافتراضي الذي ينظمه اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بمناسبة يوم الكاتب الإماراتي، بمنصة «زووم». وجاء اليوم الأول حافلاً بالنظم الباذخ والحوارات العميقة حول الشعر عبر جلستين، شارك في الأولى: الإماراتية هدى الزرعوني، والعمانية عائشة السيفية، وأدارتها آمنة باروت. البداية كانت مع عائشة السيفية، التي أوضحت في مستهل حديثها أن الشاعر صياد تفاصيل، فحيثما يحل يلتقط لغة وجوه البشر، وتفاعلهم مع محيطهم، فالنص الشعري هو جمع من التفاصيل، يحوّلها الشاعر إلى قصائد تعيش بين الناس، والشاعر شديد الارتباط بالمكان والتعبير عنه، حيث إن الأمكنة تلاحق الشعراء، ولها أصوات وذاكرة، وأكدت السيفية على أن منابر المرأة الشعرية متعددة في الوقت الراهن، حيث صارت العوائق الاجتماعية أقل من الماضي. وقدمت السيفية مجموعة من النصوص التي تعبق برائحة الحب، والمكان، ويسري منها صوت أنثوي أنيق، ودفق شعري مترع بالصور، وتعدد الألوان، والموسيقى، والدلالات، والمعاني، كما لا تخلو نصوصها من شجن، وحزن، ومناجاة روحية شفافة، ومن ضمن النصوص التي قدمتها، قصيدة تحفل بذكر الموت والغياب، ونلمح فيها بعداً صوفياً يسكن بين حواشي القصيدة التي تقول: لم يحفظ الكهان وجه وصيّتي لم يحفظوا صوتي ولا صلواتي لم يحفظوا حزن النبي بدمعتي أوَ لم يلمّوا من نواحي ذاتي ولأنهم موتى أداروا ظهرهم للموت وانكفأوا على رغباتي نادوا عليّ: دعي لنا أمواتنا فقبورهم بيت لكل حياة ودعي خيول الليل في أسوارنا كي نكتريها في الغياب الآتي وفي نص آخر تتحرر الشاعرة من ثوب الحزن، وثقل ذكر الموت، عبر نص يحفل بالضياء والحب، ويفتح نافذة للأمل، فهو يتوهج بعبق المفردات العطرية الأنيقة، ويلامس شغاف القلوب بدفق شعوري مرهف، وتقول الشاعرة: «لأحب يكفي أن أضيء/‏ وأنْ تخبئ تحت شالي وردةً لتضُوعَ من جسدي الحدائق/‏أن أدسَّ قصيدةً فتسيل منْ عينيْ القصائد/‏ كانهِمارِ الماءِ في كتفِ الرّصيفِ/‏ بأنْ أطيرَ/‏ كما تطيرُ فراشةٌ في الليلِ/‏ نحوَ عمودِ ضوءٍ لاحتراقٍ مدهشٍ». ذكريات ولفتت الشاعرة هدى الزرعوني إلى أن الشاعر يختزل في قصائده مشاعره، وعواطفه، فالقصيدة عنده دائماً ترتبط بمشاعر وذكريات، فهو لا يكتب عن الراهن فقط، وأوضحت أن للمرأة الشاعرة قضاياها ذات الخصوصية وتراكماتها في ثقافتها، وأن المجال صار مفتوحاً في العصر الراهن للنساء، والرجال معاً. وقدمت الزرعوني باقة من القصائد التي تنتمي إلى عطرية نسائية خاصة، وحلقت بالمتلقين في عوالم شعرية عذبة، حيث يتميز نظمها بعمق المعاني والدلالات، وبمفردة شعرية أنيقة، مع دفق شعوري شفاف، وكانت أول محطاتها الشعرية في الأمسية بقصيدة «الليل يغني وحيداً»، ولعل أكثر ما يلفت في القصيدة، ذلك الترميز الذي ينفتح على كم من التأويلات، وكذلك التكثيف وتعدد الصور في النص الشعري، الذي يجعل من القصيدة لوحة طاغية الجمال، وناصعة الألوان، وتقول في النص: إنه الليل وشوقي وسؤالي فكرة أو حرقة أو غربة شيءٌ دعا روحي لروحه فانزوت ضمن الدفاتر وارتمى طيف الرؤى تلقاء إيلامٍ خريفيٍ مهاجر في متاهات غيومه دمعة منذ سنين لم تنم حفت تباريح المشاعر. وفي نص «المدن» للزرعوني، نستمع لمناجاة عميقة وشفافة، وتطواف يتجول في مدارج التاريخ والحضارات والمدن، وتحتشد القصيدة بالأساطير وبالإيماءات والرموز التي تطلب التقاطا ذكياً لفك شفرتها، وتلمّس معانيها، وتقول الشاعرة في النص: «يا شاعر الكلمات/‏ حرر ما تبقى من فراشات الكلام/‏لا الأرض يمكن أن تسور حلمك المختال/‏أو تنفيك من غيم ارتحالك/‏يا شاعر الكلمات/‏تلك حضارة التاريخ/‏ترسم لوحة في متحف الآفاق». محطات ومنعطفات وفي الأمسية الثانية، ضرب عشاق الكلمة الأنيقة موعداً مع الإبداع، حيث استضافت الشاعرة شيخة المطيري، كريم معتوق، في حوارية عن الشعر والأدب، توقف فيها معتوق عند الكثير من المحطات والمنعطفات الحياتية، وقرأ قصائد عدة. وأكد معتوق الدور الكبير الذي يقوم به الشاعر في العالم العربي، فهو مؤتمن على الأمة، ومن الواجب أن يقدم في نصوصه الأمل، والتفاؤل، بحيث لا يتسلل الإحباط إلى الناس، فالمبدع يجب ألا يكون معول هدم، فهو صاحب رسالة وكلمته مسموعة لأنها سهلة الحفظ كالحكمة، فالكلمة الجميلة أمانة في عنق كل شاعر. وطالب معتوق بضرورة أن يصل الإبداع الشعري الإماراتي إلى كل بلدان العالم العربي، فلئن كانت الإمارات تستقبل الشعراء من البلدان العربية، فعليها اليوم أن تصدر شعراءها وثقافتها، وأشار معتوق إلى وجود قطيعة بين المؤسسات الثقافية والمبدعين، ومن الضروري أن تعتني تلك المؤسسات بالشعراء، والمثقفين في الدولة. وشدد معتوق على أن الشعر لا يخضع للتخطيط، فهو كينونة، لكن يختلف منهج كل شاعر عن الآخر، فهو شخصياً قد برز في الشعر الذي يقوم على السرد والحكاية، واستشهد برأي الناقد السعودي عبد الله الغذامي، الذي يشير إلى أن مستقبل الشعر العربي في السرد. وتحدث معتوق عن ذكرياته مع ديوانه «طفولة»، الذي أحدث صدى كبيراً وسط جمهور الشعر والنقاد، لدرجة أن بعضهم قد ذكر أن معتوق لا يمكن أن يتجاوز ذلك الديوان، كما ذكر آخرون أن قصيدة «طفولة»، هي نوع من الشعر يخلد صاحبه. وقدم معتوق باقة من قصائده من عدد من دواوينه، حيث حلّق في عوالم من الجمال والتأملات. ومن أجمل النصوص التي قرأها معتوق في الأمسية، إحدى لوحات قصيدة «الطفولة»، العامرة بالتفاصيل، والصور والمحتشدة بألق وعبق الذكريات الإنسانية المحببة إلى النفس، حيث قرأ اللوحة الثانية عشرة، التي تقول: لَمْ يَزَلْ وصفي لذاكَ اليومِ وصفاً قَدَرياً للقدرْ لم أزَلْ أعجزُ عن إيجادِ معنى لارتسامِ الأمسِ في كلِّ أحاديثِ السمرْ لانقضاضِ الوجهِ في كلِّ التعابيرِ وفي كلِ التفاسيرِ أثرْ لم أزلْ احتفظُ من جارتنا بعضَ الأحاديثِ عن الألفةِ مازالَ صداه عشتِ بعد المائة باثنينِ وعشرين تَقزَّمتِ وصارَ القبرُ في حجمِ سجاجيد الصلاة. ويبلغ معتوق بالتعابير الفنية والجمالية مداها في قصيدة «دمشق»، تلك القصيدة التي ألقاها في مهرجان المربد، في عام 2012، ويقول فيها: لأنك عاشق أبداً ترقُّ أقلبٌ في ضلوعك أم دمشقُ كأنك والحجيج إلى رباها تدافع نفرةٍ يحدوك سبقُ أتحتمل الغياب وأنت منها بعادٌ عاد أو قربٌ يشقُّ تيبست الشفاه فقل تعالي أبلل لعنتي فهواك عشق

مشاركة :